الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني أبرز نقاد الصحابة والتابعين
اشتهر بعض الصحابة والتابعين بتفسير القرآن الكريم، وبرزت أسماء في كل حاضرة من الحواضر الإسلامية، وقد اجتهد العلماء في تصنيفهم وذكر طبقاتهم ومشاهيرهم، وأشهر البلدان في علم التفسير، ومن أحسن من كتب في ذلك ابن تيمية، وقد قدم أهل مكة في هذا العلم على غيرهم، وقال:«وأما التفسير، فإن أعلم الناس به أهل مكة؛ لأنهم أصحاب ابن عباس، كمجاهد، وعطاء بن أبى رباح، وعكرمة مولى ابن عباس، وغيرهم من أصحاب ابن عباس، كطاوس، وأبي الشعثاء، وسعيد بن جبير وأمثالهم، وكذلك أهل الكوفة من أصحاب ابن مسعود، ومن ذلك ما تميزوا به على غيرهم، وعلماء أهل المدينة في التفسير؛ مثل زيد بن أسلم الذي أخذ عنه مالك التفسير» (1).
والكلام عن أشهر الصحابة والتابعين في نقد التفسير لا يختلف كثيراً عن أشهرهم في تفسير القرآن، وخير شاهد على ذلك الشواهد النقدية في هذا البحث، فإن أغلبها للمشهورين بتفسير القرآن من الصحابة والتابعين، وبناء على استقراء الشواهد النقدية فإن أبرز نقاد الصحابة ابن عباس رضي الله عنهما ولا يدانيه في ذلك أحد،
(1) مجموع الفتاوى (13/ 347).
وثمة أمور ساهمت في كثرة المروي عنه في النقد وبروزه كناقد، ومن أهمها:
أولاً: إمامته في علم التفسير، وقد شهد بذلك لنفسه، وشهد له غيره (1)، وهذا أسهم في جعله مرجعاً علمياً معتبراً في التفسير.
ثانياً: قوة الحجة لديه، فقد قال عنه طاوس:«ما رأيت أحداً خالف ابن عباس، ففارقه حتى يقرره» (2).
وفي رواية عنه قال: «جلست إلى خمسين شيخاً أو سبعين شيخاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما منهم أحد يخالف ابن عباس، فيقوم حتى يرجع إلى قوله، أو يقول بقوله» (5).
ثالثاً: ونتيجة لما سبق نجد طلابه وغيرهم يعرضون عليه الأقوال التي
(1) انظر ما سبق (ص 111).
(2)
الطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 2/124)، والعلل لأحمد (2/ 61).
(3)
في القاموس المحيط (ص 50) مادة "درأ": «تدارؤوا: تدافعوا في الخصومة» .
(4)
الطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 120)، وفضائل الصحابة لأحمد (2/ 967، 973، 979).
(5)
فضائل الصحابة لأحمد (2/ 982).
يرتابون في صحتها، ويقوم إما بالنقد أو الترجيح، وأحياناً يكون هو الفيصل عند اشتداد الخلاف حول معنى آية، فعن الشعبي قال:«أكثر الناس علينا في هذه الآية: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (1)، فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عن ذلك، فكتب ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أوسط بيت في قريش، ليس بطن من بطونهم إلا قد ولده، فقال الله عز وجل: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} إلى ما أدعوكم إليه إلا أن تودوني بقرابتي منكم وتحفظوني بها» (2).
رابعاً: تكليفه ببعض المهام النقدية، فقد استعان به عمر رضي الله عنه في مناقشة قدامة بن مظعون عندما شرب الخمر محتجاً بقول الله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (3)، فقال عمر: ألا تردون عليه، فرد عليه ابن عباس واحتج عليه بسبب النزول، فقال عمر: صدقت (4).
وبعثه علي بن أبي طالب رضي الله عنه لمناقشة الخوارج، فذهب إليهم فوجدهم قد
(1) سورة الشورى من الآية (23).
(2)
أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/ 1/4)، والحاكم في المستدرك (2/ 444)، والبيهقي في دلائل النبوة (1/ 185)، وانظر الدر المنثور (6/ 6)، وهو في البخاري من رواية طاوس، وليس فيه كلام الشعبي. انظر: صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب قوله:{إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (6/ 37).
(3)
سورة المائدة من الآية (93).
(4)
انظر (ص 530).
تعلقوا ببعض الآيات القرآنية، فناقشهم ورد عليهم، فرجع كثير منهم، وهذا يدل على أن ابن عباس كان قوي الحجة والإقناع (1).
وحتى يكون الأمر بعيداً عن التنظير فقد جمعت الأقوال النقدية الصريحة، فوجدت أن ابن عباس هو أكثر الصحابة والتابعين نقداً للتفسير على الإطلاق، ويليه من الصحابة علي بن أبي طالب ثم عبد الله بن مسعود، وممن جاء عنه النقد بقلة عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم.
وأما أبرز النقاد من التابعين فمن أهل مكة مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح.
ومن أهل البصرة الحسن وقتادة، ومن أهل الكوفة الشعبي.
والأسباب التي ذكرناها في ابن عباس ساهمت بشكل أو بآخر في بروز هؤلاء في نقد التفسير.
(1) انظر (ص 311).