الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول الآلوسي (1) حين ذكر تفسيراً يخالف ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير "المغضوب عليهم والضالين": «وهل بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين قول لقائل أو قياس لقائس؟ ، هيهات هيهات، دون ذلك أهوال! » (2).
وقد استعمل الصحابة والتابعون هذه القاعدة، فردوا بها بعض التفسيرات، ومن الأمثلة على ذلك:
1 -
أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قام في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:«أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} إلى آخر الآية (3) وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب» (4).
وفي رواية قال: «أيها الناس، إنكم لتتلون آية من كتاب الله وتعدونها
(1) هو أبو الثناء محمود بن عبد الله الحسينى الآلوسى البغدادي، ولد ببغداد سنة (1217)، وتقلد الإفتاء فيها، تغرب عن بلده مدة، من مصنفاته: روح المعاني، ودقائق التفسير، توفي ببغداد عام (1270).
انظر: هدية العارفين (2/ 418)، والأعلام (7/ 176)، ومعجم المفسرين (2/ 665).
(2)
روح المعاني (1/ 99). وانظر: البحر المحيط (5/ 465)، وفتح القدير (2/ 135)، وأضواء البيان (3/ 176).
(3)
سورة المائدة من الآية (105).
(4)
سبق تخريجه (ص 202).
رخصة، والله ما أنزل الله في كتابه أشد منها:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} » (1).
وقد وقع لابن عمر نحو ذلك، فقد قيل له:«لو جلست في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه؛ فإن الله تعالى ذكره يقول: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، فقال ابن عمر: إنها ليست لي ولا لأصحابي، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا فليبلغ الشاهد الغائب» ، فكنا نحن الشهود وأنتم الغيب، ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا لم يقبل منهم» (2).
وقد ذكر غير واحد من الصحابة نحو كلام ابن عمر في أنه لم يأت تأويل هذه الآية، فعن ابن مسعود أن رجلاً سأله عن قوله تعالى:{عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} ، فقال رضي الله عنه:«إن هذا ليس بزمانها، إنها اليوم مقبولة، ولكنه قد أوشك أن يأتي زمانها؛ تأمرون بالمعروف فيصنع بكم كذا وكذا - أو قال: فلا يقبل منكم - فحينئذ: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ}» (3).
وعن أبي مازن (4) قال: «انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة، فإذا قوم من
(1) جامع البيان (9/ 52).
(2)
جامع البيان (9/ 44)، والحديث الذي رواه ابن عمر أخرجه البخاري أيضاً من حديث ابن عباس في كتاب الحج، باب الخطبة بمنى (2/ 191).
(3)
المصدر السابق (9/ 45).
(4)
الأزدي الحداني، انظر الجرح والتعديل (4/ 2/444).
المسلمين جلوس، وفي رواية: من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ أحدهم هذه الآية:{عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} ، فقال أكثرهم: لم يجئ تأويل هذه الآية اليوم» (1).
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، فعن أبي ثعلبة الخشني (2)، وجاءه رجل فقال له:«كيف تصنع في هذه الآية؟ ، قال: أية آية؟ ، قال: قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر؛ الصبر فيهنَّ مثل قبض على الجمر، للعامل فيهنَّ مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله» (3).
(1) جامع البيان (9/ 44، 46).
(2)
مشهور بكنيته، واختلف في اسمه، فقيل: جرهم وقيل: جرثوم، بايع النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وأسلم قومه على يديه، روى عنه أبو إدريس الخولاني وابن المسيب، سكن الشام وتوفي بها في أول خلافة معاوية.
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 2/134)، والاستيعاب (11/ 166)، وأسد الغابة (6/ 44).
(3)
سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي (4/ 123)، وسنن الترمذي، أبواب التفسير، باب ومن سورة المائدة (8/ 222)، وسنن ابن ماجه، كتاب الفتن، باب قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ {(2/ 1330)، وصحيح ابن حبان (1/ 301)، والمستدرك (4/ 322)، قال الحاكم:«هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
2 -
وعن علي رضي الله عنه قال: «إنكم تقرؤون هذه الآية: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (1) وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية» (2).
وقضاء النبي صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية يدل على أن الترتيب الذي فهمه بعض الناس من الآية غير مراد.
3 -
وعن مسروق أن عائشة رضي الله عنها قالت له: «يا أبا عائشة من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله، والله يقول:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} (3)، {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (4) قال: وكنت متكئاً فجلست، وقلت: يا أم المؤمنين انتظري ولا تعجليني ألم يقل الله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (5)، {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} (6)؟ ، فقالت: أنا أول هذه الأمة سألتُ
(1) سورة النساء من الآية (11).
(2)
سنن الترمذي، أبواب الفرائض، باب ما جاء في ميراث الإخوة (6/ 276)، وسنن ابن ماجه، كتاب الوصايا، باب الدين قبل الوصية (2/ 906)، ومصنف عبد الرزاق (10/ 249)، ومصنف ابن أبي شيبة (10/ 160، 11/ 402)، ومسند أحمد (1/ 131)، وجامع البيان (6/ 469)، وتفسير ابن أبي حاتم (3/ 883)، والسنن الكبرى للبيهقي (6/ 232، 239)، وقد حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 212).
(3)
سورة الأنعام من الآية (103).
(4)
سورة الشورى من الآية (51).
(5)
سورة النجم آية (13).
(6)
سورة التكوير الآية (23).
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:«لم أر جبريل على صورته إلا هاتين المرتين، رأيته منهبطاً من السماء ساداً عِظَمُ خلقه ما بين السماء والأرض» (1).
فهم مسروق أن الضمير "الهاء" في الآيتين يعود إلى الله تعالى، فردته عائشة بما روت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
4 -
(1) جامع البيان (22/ 29)، وهو في صحيح مسلم، في كتاب الإيمان (1/ 159) برقم (287/ 177).
(2)
انظر علة من قال ذلك في الكشاف (2/ 492)، وفتح الباري لابن حجر (1/ 219).
(3)
جامع البيان (15/ 324). والحديث أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب العلم، باب ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم (1/ 38)، وفي كتاب التفسير باب:{فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} (5/ 230).
ومن الشواهد إنكار كعب الأحبار تفسير الوفاة في قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} بأنها موت حقيقي، ورده ذلك بحديث:«كيف تهلك أمة أنا في أولها، وعيسى في آخرها» ، انظر جامع البيان (5/ 449)، وتقدم ذكر بعض الشواهد على نقد التفسير بالسنة (ص 348).