الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثاً
أثره في العقائد
تقدم الحديث عن منهج المبتدعة مع آيات العقيدة وطريقتهم في الاستدلال بها، وانحرافهم في تفسيرها حسب أهوائهم واحتجاجهم بها على مخالفيهم، وكان لنقد الصحابة والتابعين منهجهم في تأويل القرآن أثر من وجوه:
الأول: بيان المنهج الصحيح في التعامل مع الآيات، مثل رد الآيات المتشابهة إلى الآيات المحكمة، والجمع بين الآيات القرآنية، لا الأخذ ببعض وترك بعض، والرجوع إلى السنة في فهم القرآن.
الثاني: بيان مسائل العقيدة التي أثارها المبتدعة آنذاك، كبدع الخوارج - التكفير، وتخليد العصاة في النار، والخروج على ولاة الأمر - وبدعة القدرية والروافض، والاستدلال لها بالقرن الكريم كما تقدم بسطه.
الثالث: التفسير الصحيح للآيات المتشابهة التي يثيرها أهل البدع أحياناً، وهذا يكشفها للناس ويقلل من اعتماد المبتدعة عليها لنصرة مذاهبهم أو التشويش بها على الناس.
الرابع: تصحيح عقائد كثير من الناس، فكثير من الخوارج رجع عن مذهبه الباطل حين ناقشهم ابن عباس، وكانوا معتمدين على ما فهموه من بعض الآيات،
فلما أبطل فهمهم وبين التفسير الصحيح للآيات رجع كثير منهم، وكانوا أزمعوا على قتال علي رضي الله عنه، وجاء عن ابن عباس أنهم كانوا ستة آلاف، فرجع منهم ألفان (1)، وفي أخرى أنه رجع منهم عشرون ألفاً، وبقي أربعة آلاف فقتلوا (2).
وكذلك رجوع يزيد الفقير وأتباعه عن فكرة الخروج على المسلمين، وكانوا أزمعوا عليها بسبب تأولهم بعض الآيات، فمروا بجابر بن عبد الله رضي الله عنه فناقشهم ورد عليهم فرجعوا عن مذهب الخوارج، قال يزيد: فما خرج منا رجل واحد (3).
وإن لم يرجع أهل البدع عن مذاهبهم، فلا أقل من إفحامهم وإلجامهم وإضعاف حجتهم ليقل حماسهم ونشاطهم في الدعوة إلى عقائدهم، وقد ظهر ذلك في مناظرة عمر بن عبد العزيز رحمه الله لغيلان القدري، وكان يحتج ببعض الآيات القرآنية، فأمسك عن الكلام في القدر بعدما رد عليه بالقرآن الكريم، وقد جمع عمر رحمه الله قوة
(1) المعرفة والتاريخ (1/ 522 - 524)، والسنن الكبرى للنسائي (5/ 165 - 167)، والمستدرك (2/ 150 - 152).
(2)
مصنف عبد الرزاق (10/ 160)، وحلية الأولياء (1/ 320). قال ابن كثير في البداية والنهاية (10/ 568) بعد سياق حديث عبد الله بن شداد رضي الله عنه في قصتهم:«في هذا السياق ما يقتضي أن عدتهم كانت ثمانية آلاف، لكن من القراء، وقد يكون واطأهم على مذهبهم آخرون من غيرهم حتى بلغوا اثني عشر ألفاً، أو ستة عشر ألفاً، ولما ناظرهم ابن عباس رجع منهم أربعة آلاف، وبقي بقيتهم على ما هم عليه» .
(3)
انظر ما تقدم (ص 318).
الحجة وقوة السلطان مما جعل غيلان يتوارى مدة خلافته، ثم ظهر بعد وفاته (1).
(1) انظر كتاب القدر للفريابي (ص 182 - 183).