الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن مجاهد قال: «أمرهم أن يتزوجوا النساء، لم يعرض عليهم سفاحًا» (1).
3 -
وفي قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} (2).
جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في معنى: {فَخَانَتَاهُمَا} «أما إنه ليس بالزنا، ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون، وكانت هذه تدل على الأضياف، ثم قرأ: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}» (3).
اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الملائكة
شرف الله تعالى الملائكة وقربهم لديه فأسكنهم سمواته العلى، واصطفاهم لعبادته وطاعته، قال الله تعالى:{لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (4)، وقال:{لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (5).
(1) جامع البيان (12/ 503).
(2)
سورة التحريم من الآية (10).
(3)
سورة هود من الآية (46)، والأثر في تفسير عبد الرزاق (1/ 271)، وجامع البيان (12/ 430)، والمستدرك (2/ 496)، والدر المنثور (6/ 245).
(4)
سورة التحريم من الآية (6).
(5)
سورة الأنبياء آية (27).
وقد استدل العلماء بهذه الآيات ونحوها على عصمة الملائكة، ونقل القاضي عياض (1) إجماع الأئمة على أن المرسلين من الملائكة معصومون كالأنبياء سواء بسواء، ثم نقل الخلاف في غير المرسلين منهم، واحتجاج من قال بعصمتهم بالآية السابقة وغيرها، وأن طائفة من العلماء قالوا: العصمة خاصة بالمرسلين منهم والمقربين، ورحج القول بعصمة الجميع (2)، وهو الأظهر فإن الله تعالى اصطفى الملائكة لعبادته وجبلهم على طاعته وأخبر أنهم لا يعصونه، فلا يجوز أن ينسب إليهم ما يزري بمناصبهم، ولو سلم بوقوع بعضهم في الذنوب، فمن غير اللائق جعل حادثة أو حادثتين سلماً للطعن بهم وانتقاصهم بذكر قصص يتعذر الوقوف على حقيقتها، ولما نقل الآلوسي عند قوله تعالى:{وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} (3) عن بعض القُصَّاص أن الملائكة كانت تمر على موسى عليه السلام فيلكزونه بأرجلهم، ويقولون: يابن النساء الحيض أطمعت في رؤية رب العزة، قال: «وهو كلام ساقط لا يعول عليه بوجه، فإن الملائكة عليهم السلام مما يجب تبرئتهم من إهانة الكليم بالوكز بالرجل
(1) هو أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي المالكي، أندلسي الأصل، وولد في سبتة سنة (476)، له عناية بعلم الحديث واللغة، من كتبه: الشفا، وإكمال المعلم، ومشارق الأنوار، توفي سنة (544).
انظر: وفيات الأعيان (3/ 483)، والديباج المذهب (ص 270).
(2)
الشفا (2/ 851)، وانظر في عصمة الملائكة: البحر المحيط للزركشي (4/ 174).
(3)
سورة الأعراف من الآية (143).
والغضِّ في الخطاب» (1).
ومما جاء عن الصحابة والتابعين في نقد التفسير بهذا الأصل:
1 -
في قول الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (2).
أنكر الحسن البصري رحمه الله أن يكون إبليس من الملائكة فقال: «ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس» (3).
وفي رواية قال: «قاتل الله أقواماً يزعمون أن إبليس كان من الملائكة، والله تعالى يقول: {
…
كَانَ مِنَ الْجِنِّ}» (4).
وقد عرف عن الحسن موقفه من التأويلات التي تنتقص الأنبياء والملائكة، فيبدو أنه نفى كون إبليس من الملائكة، لمخالفته ما ثبت من عصمة الملائكة من الذنوب، ومن أعظمها كفر إبليس واستكباره عن السجود لله، وقد ذكر الله قصة السجود في سورة الكهف واستكبار إبليس ونعته بالفسوق، فقال: {وَإِذْ قُلْنَا
(1) روح المعاني (5/ 45).
(2)
سورة البقرة آية (34).
(3)
جامع البيان (1/ 539، 15/ 289).
(4)
سورة الكهف من الآية (50)، والأثر في الدر المنثور (4/ 227) وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (1).
وهذه إحدى الحجج التي احتج بها من قال: إن إبليس ليس من الملائكة، وهو قول كثير من العلماء (2)، والقول بأن إبليس من الملائكة قول جمهور العلماء (3)، وهم لا ينازعون في أصل عصمة الملائكة الذي استند إليه القائلون بأن إبليس من الجن، وإنما يعارضونه بأدلة أخرى، كقوله تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (4)، ويجيبون عما ثبت من عموم عصمة الملائكة بأنه مخصوص بما وقع لإبليس (5).
وتوسط ابن تيمية فقال: «والتحقيق أنه كان منهم باعتبار صورته، وليس منهم باعتبار أصله، ولا باعتبار مثاله، ولم يخرج من السجود لآدم أحد من
(1) سورة الكهف من الآية (50).
(2)
روح المعاني (8/ 277)، وأشار إلى هذه الحجة من المفسرين: ابن عطية في المحرر الوجيز (1/ 178)، وابن الجوزي في زاد المسير (5/ 153)، والماوردي في النكت والعيون (3/ 313)، والزمخشري في الكشاف (2/ 488)، والرازي في التفسير الكبير (1/ 429)، وأبو حيان في البحر المحيط (6/ 136)، والنسفي في مدارك التنزيل (1/ 34)، والشنقيطي في أضواء البيان (3/ 529).
(3)
المحرر الوجيز (1/ 178)، والجامع لأحكام القرآن (1/ 251).
(4)
سورة البقرة آية (34).
(5)
انظر فتح القدير (1/ 66).
الملائكة؛ لا جبرائيل ولا ميكائيل ولا غيرهما» (1).
2 -
للمفسرين من قصة هاروت وماروت وحقيقتهما أقوال:
فذهب كثير من السلف إلى أن هاروت وماروت ملكان، وأنهما كانا يعلمان السحر (3).
ومن التابعين من أنكر أنهما ملكان، فقال الحسن:«علجان، لأن الملائكة لا يعلمون السحر» (4).
وعن الضحاك قال: «هما علجان من أهل بابل» ، وكانا يقرأان: الملِكين؛ بكسر اللام (5).
(1) مجموع الفتاوى (4/ 346).
(2)
سورة البقرة من الآية (102).
(3)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/ 198).
(4)
معالم التنزيل (1/ 129)، وجاء عنه في رواية أخرى في تفسير ابن أبي حاتم (1/ 192) قال:«أنزل الملكين بالسحر ليعلموا الناس البلاء الذي أراد الله أن يبتلي به الناس» .
(5)
تفسير ابن أبي حاتم (1/ 189)، وانظر: معالم التنزيل (1/ 129)، وزاد المسير (1/ 122).
ومنهم من أنكر تعليمهما السحر، فعن أبي العالية:«لم ينزل عليهما السحر، يقول: علما بالإيمان والكفر، فالسحر من الكفر، فهما ينهيان عنه أشد النهي» (1).
وأرجح الأقوال أنهما ملكان، وأنهما نزلا لتعليم السحر ابتلاء من الله للناس، وتحذيراً منه وتمييزاً بينه وبين المعجزة، والمنكر قصتهما مع الزهرة وما وقع منهما من شرب الخمر والزنا، فقد تسربت إليها من الأخبار الإسرائيلية، قال ابن كثير:«قصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى، والله أعلم بحقيقة الحال» (2).
(1) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 188).
(2)
تفسير القرآن العظيم (1/ 203)، وانظر: التفسير الكبير (1/ 631، 7/ 218)، وأنوار التنزيل للبيضاوي (ص 45)، والإسرائيليات والموضوعات لأبي شهبة (ص 163).