الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سألته عن البقرة وآل عمران، أو عن البقرة، قال: أعفني عن هذا، أعفني من هذا» (1).
رابعاً: الامتناع عن تفسير القرآن
.
ومن الشواهد في ذلك:
1 -
عن إبراهيم النخعي قال: «كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه» (2).
ويريد بأصحابه أتباع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقد حذا إبراهيم حذو أصحابه، فكان يكره الكلام في تفسير القرآن، فعن مغيرة (3) قال:«كان إبراهيم يكره أن يتكلم في القرآن» (4).
2 -
ويقول الشعبي: «أدركت أصحاب عبد الله وأصحاب علي، وليس هم
(1) العلل للإمام أحمد (2/ 131).
(2)
فضائل القرآن لأبي عبيد (2/ 214)، وهو بنحوه في الجامع لشعب الإيمان للبيهقي (5/ 232).
(3)
هو أبو هشام مغيرة بن مقسم الضبي الكوفي الفقيه، روى عن أبي وائل والشعبي، وعنه الثوري وشعبة، ثقة إلا أنه يدلس، وقد أخرج له الجماعة، توفي عام (136)، وقيل (133) وقيل غير ذلك.
انظر: الجرح والتعديل (4/ 1/228)، وسير أعلام النبلاء (6/ 10)، وتهذيب التهذيب (4/ 138).
(4)
مصنف ابن أبي شيبة (10/ 512).
لشيء من العلم أكره منهم لتفسير القرآن» (1).
وليس المراد بكراهة الصحابة والتابعين للتفسير الانصراف عن الكلام فيه رغبة عنه، أو أنهم يعدونه من العلوم المستكرهة، وإنما المراد أنهم كرهوا الخوض فيه تعظيماً له، فإن الإثم الحاصل بسبب الخطأ فيه أشد من الإثم الحاصل بسبب الخطأ في غيره من العلوم؛ ولذلك كان تحرجهم من القول في التفسير أشد من تحرجهم من القول في غيره.
3 -
وعن ابن سيرين قال: «سألت عبيدة (2)
عن شيء من القرآن، فقال: اتق الله، وعليك بالسداد، فقد ذهب الذين يعلمون فيم أنزل القرآن؟ » (3).
4 -
وعن هشام بن عروة (4) قال: «ما سمعت أبي تأول آية من كتاب الله
(1) مصنف ابن أبي شيبة (10/ 512).
(2)
هو عبيدة بن عمرو السلماني المرادي الكوفي، أسلم باليمن عام الفتح ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع عمر وعلياً وابن مسعود رضي الله عنهم، وروى عنه الشعبي والنخعي وابن سيرين، توفي على الصحيح عام (72).
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 62)، والتاريخ الكبير (3/ 2/82)، وتذكرة الحفاظ (1/ 50).
(3)
الجامع لابن وهب (2/ 62)، وفضائل القرآن لأبي عبيد (2/ 213)، والطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 63)، ومصنف ابن أبي شيبة (10/ 511)، وجامع البيان (1/ 80)، والجامع لشعب الإيمان للبيهقي (5/ 230)، وأسباب النزول للواحدي (ص 4).
(4)
هو أبو المنذر هشام بن عروة بن الزبير بن العوام القرشي المدني، أحد المكثرين من رواية الحديث، رأى جابراً، وسمع من عمه ابن الزبير وابن عمر، وعنه الثوري وشعبة، توفي عام (145)، أو (146).
انظر: التاريخ الكبير (4/ 2/193)، وتاريخ بغداد (14/ 37)، ووفيات الأعيان (6/ 80).
قط» (1).
5 -
وعن عبيد الله بن عمر قال: «كان القاسم لا يفسر، يعني القرآن» (2)، وقال:«كان سالم لا يفسر» (3).
* ولا يظن أن ورع الصحابة والتابعين رضي الله عنهم عن الكلام في التفسير خاص بطائفة دون أخرى، وإنما هو منهج عام سلكه الجميع، حتى من اشتهر منهم بالاطلاع الواسع في التفسير، وكثرة النقل عنه، فأهل مكة - وهم أعلم الناس بكتاب الله تعالى، وأكثر من نقل عنهم تفسيره - نجد بعضهم تورع عن الكلام في معاني القرآن الكريم، ويكون ورع أحدهم أشد حين يكون على غير يقين بالتفسير الصحيح، ومن الشواهد:
1 -
عن ابن أبي مليكة (4) «أن ابن عباس رضي الله عنه سئل عن آية لو سئل عنها
(1) فضائل القرآن لأبي عبيد (2/ 214).
(2)
الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 139).
(3)
المصدر السابق (5/ 148).
(4)
هو أبو بكر عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة القرشي التيمي المكي الأحول القاضي، روى عن ابن عباس وابن الزبير وعائشة، قال عن نفسه: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، توفي سنة (117). انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 348)، والتاريخ الكبير (3/ 1/137)، وسير أعلام النبلاء (5/ 88).
بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها» (1).
2 -
وفي رواية أن ابن عباس قال: «وأكرهُ أن أقول في كتاب الله بما لا أعلم» (3).
وفي بعض الروايات: أن سعيد بن المسيب لما بلغه كلام ابن عباس قال للسائل: «هذا ابن عباس قد اتقى أن يقول فيها، وهو أعلم مني» (4).
3 -
وعن عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت (5)
قال: «سألت طاوساً (6) عن تفسير
(1) جامع البيان (1/ 80)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/ 16).
(2)
سورة المعارج من الآية (4).
(3)
فضائل القرآن لأبي عبيد (2/ 212)، وتفسير عبد الرزاق (2/ 89)، وجامع البيان (23/ 254)، والمستدرك للحاكم (4/ 610)، والدر المنثور (5/ 171)، وعزاه لسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم، والرواية الثانية في تفسير عبد الرزاق وجامع البيان والدر المنثور.
(4)
تفسير عبد الرزاق (2/ 89)، والدر المنثور (5/ 172).
(5)
الأسدي الكوفي، روى عن أبيه وطاوس وابن جبير، وعنه الثوري ووكيع، خرج له مسلم في صحيحه.
انظر: التاريخ الكبير (3/ 1/73)، وتهذيب التهذيب (2/ 319).
(6)
هو طاوس بن كيسان اليماني، أبو عبد الرحمن، أصله من فارس، سمع زيد بن ثابت وأبا هريرة، ولازم ابن عباس مدة، وروى عنه الزهري، وكان شيخ أهل اليمن ومفتيهم، توفي بمكة عام (106).
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 391)، وتذكرة الحفاظ (1/ 90).
هذه الآية: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} (1)، فأراد أن يبطش، حتى قيل له: هذا ابن حبيب كراهية لتفسير القرآن» (2).
4 -
وتقدم قبل قليل عن تلميذ ابن عباس الآخر عطاء بن أبي رباح أنه يسأل عن كل شيء فيجيب، فإذا سئل عن القرآن طلب الإعفاء من ذلك.
* وامتناع الصحابة والتابعين وورعهم عن تفسير القرآن يقع منهم بدرجات متفاوتة، فبعضهم أشد ورعاً من بعض، وممن اشتهر بورعه الشديد من التفسير سعيد بن المسيب والشعبي، فكان سعيد إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال: إنا لا نقول في القرآن شيئاً (3).
وكان يسأل عن الحلال والحرام فيجيب، فإذا سئل عن تفسير آية من القرآن
(1) سورة المائدة من آية (106).
(2)
مصنف ابن أبي شيبة (10/ 512).
(3)
الجامع لابن وهب (2/ 63)، وفضائل القرآن لأبي عبيد (2/ 212)، وجامع البيان (1/ 79).
سكت كأن لم يسمع (1).
وأما الشعبي، فكان يقول:«والله ما من آية إلا قد سألت عنها، ولكنها الرواية عن الله عز وجل، أو قال: على الله عز وجل» (2).
وقال أيضاً: «ثلاث لا أقول فيهن حتى أموت: القرآن والروح والرأي» (3).
ولهذا كان هذان الاثنان ينعيان بشدة على بعض من يفسر القرآن، كما سيأتي تفصيله في مبحث نقد رجال التفسير إن شاء الله تعالى.
ولا يعني أن من نقل عنه الورع التفسير امتناعه مطلقاً عن التفسير، ولو كان الأمر كذلك لما اشتهر بعضهم بتفسير القرآن، ولما وصل إلينا هذا القدر الهائل عنهم، وإنما يقع منهم بدرجات متفاوتة، ويلتزم بعضهم بهذا المنهج حين يكون الكلام في القرآن بمجرد الرأي.
ومما يبين ذلك أن المروي عنهم شدة الورع عن تفسير القرآن الكريم نقل عنهم بعض التفسير كابن المسيب والشعبي (4)، لكنه قليل إذا قورن برواياتغيرهم.
(1) جامع البيان (1/ 80 - 81).
(2)
المعرفة والتاريخ (2/ 603)، وجامع البيان (1/ 81).
(3)
جامع البيان (1/ 81).
(4)
جُمعت أقوالهما في رسائل جامعية " ماجستير" بقسم القرآن وعلومه في كلية أصول الدين، فجمعت أقوال ابن المسيب في التفسير في رسالتين: الأولى من إعداد الباحث: إبراهيم بن محمد الرميح، عام (1415) وانتهى فيها إلى سورة الإسراء، والثانية من إعداد الباحث: عبد الله آل عبد الكريم، عام (1417) واستكمل فيها بقية القرآن، وأما أقوال الشعبي في التفسير فجمعها الباحث: فريد بن يعقوب مبارك، عام (1410).