الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً
أسباب نقد رجال التفسير
جاء في بعض الأقوال النقدية السابقة التنصيص على سبب الجرح، كانتقاد الكوفيين مجاهداً لسؤاله أهل الكتاب، بينما خلت أقوال أخرى من ذكر السبب، كنهي الإمام مجاهد عن تفسير أبي صالح.
وهي بنوعيها المنصوص والمستنبط قسمان:
القسم الأول: أسباب متعلقة برواية التفسير، كالطعن في عدالة المفسر، أو اتصاله بشيوخه - الذين يروي عنهم تفسيره - وسماعه منهم، ومن أمثلته:
انتقاد الضحاك وأبي صالح في عدم سماعهما من ابن عباس، وانتقاد أبي صالح والكلبي في عدالتهما فيما يرويان.
القسم الثاني: أسباب متعلقة بعلم التفسير كالإخلال بالمنهج الصحيح لتفسير القرآن في نظر الناقد، ومن أمثلته:
انتقاد مجاهد لأخذه عن بني إسرائيل، وانتقاده هو وزيد بن أسلم لتفسيرهما القرآن بالرأي.
وانتقاد ابن المسيب عكرمة لجرأته على الكلام في معاني القرآن الكريم على أحد توجيهات نقده.
ومنها انتقاد ضعف التحصيل العلمي عند المفسر، كانتقاد الشعبي أبا صالح بأنه لم يتأهل علمياً، وانه يفسر القرآن وهو لا يحسن قراءته، وكذلك وصمه السدي بالجهل بمعاني القرآن الكريم، وكتصريح ابن كيسان بأن ابن أسلم ليس ملماً بكلام العرب.
* ومن الأسباب المهمة التي يجب عدم إغفالها عند النظر في نقد المفسرين أنه قد يكون بسبب اختلاف بعض التابعين حول معنى آية قرآنية، فيؤدي إلى كلام بعضهم في بعض، ولما عقد ابن عبد البر باباً في "حكم قول العلماء بعضهم في بعض"، وساق بعض ما حصل بين ابن المسيب وعكرمة مما تقدم ذكره حكى عن بعض العلماء أنه لهذا السبب «كان بين سعيد بن المسيب وبين عكرمة ما كان، حتى قال فيه ما حكي عنه أنه قال لغلامه برد: لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس» (1)، ومن الشواهد الأخرى:
(1) جامع بيان العلم وفضله (2/ 156).
1 -
ما جاء عن شريح رحمه الله أنه كان يقرأ هذه الآية: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} (1) بالنصب، وكان ينكر قراءة الرفع، ويقول: إن الله لا يعجب من الشيء، إنما يعجب من لا يعلم، قال الأعمش: فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي، فقال: إن شريحاً كان معجباً برأيه، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان أعلم منه، كان يقرؤها:{بَلْ عَجِبْتُ} (2).
فشريح أنكر المعنى الذي دلت عليه قراءة الرفع وهو نسبة العَجَب إلى الله، ثم رتب عليه إنكار القراءة بها؛ مما أغضب النخعي فتكلم فيه، وفي بعض الروايات أن إبراهيم قال:«إن شريحاً شاعر يعجبه علمه» (3)، وقراءة ضم التاء ثابتة أيضاً (4)، لكنها لم تثبت عند شريح، فأنكر المعنى الذي تدل عليه، ظاناً أن إثباته يدل على نقص في الباري جل وعلا، فالعجب - كما قرره شريح - يستلزم الجهل بالأمر المتعجب منه، والله منزه عن الجهل، ولذلك قال: إنما يعجب من لا يعلم، والعقيدة المتقررة نفي كل نقص في حق الله تعالى.
(1) سورة الصافات آية (12).
(2)
تفسير عبد الرزاق (2/ 120)، والدر المنثور (5/ 272) واللفظ له، وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(3)
معاني القرآن للفراء (2/ 384)، والأسماء والصفات للبيهقي (2/ 226).
(4)
قرأ بها حمزة والكسائي وخلف، وقرأ باقي العشرة بفتح التاء، انظر: السبعة (ص 547)، والنشر (2/ 356).
وقد اتفق أهل السنة والجماعة على إثبات صفة العَجَب لله تعالى من هذه القراءة وغيرها، ولا يلزم من إثباتها نسبة النقص لله تعالى، فليس سبب العجب الوحيد الجهل بالأمر المتعجب منه، فهناك أسباب أخرى، فالعجب «قد يكون مقروناً بجهل بسبب التعجب، وقد يكون لما خرج عن نظائره، والله تعالى بكل شيء عليم، فلا يجوز عليه أن لا يعلم سبب ما تعجب منه، بل يتعجب لخروجه عن نظائره تعظيماً له، والله تعالى يعظم ما هو عظيم؛ إما لعظمة سببه أو لعظمته» (1).
وإنكار شريح لهذه القراءة الثابتة التي دل على معناها الكتاب والسنة (2) لا ينقص من منزلته ولا يحط من قدره، فقد اتفقت الأمة على أنه إمام من الأئمة (3).
ومن الاختلاف الذي وقع بين شريح والنخعي في التفسير أن شريحاً قال في قوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} (4) هو الزوج، فقال إبراهيم: وما
(1) مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/ 123)، وانظر: معاني القرآن للزجاج (4/ 300)، وفتح الباري لابن حجر (8/ 365)، وكتاب براءة السلف مما نسب إليهم من انحراف في الاعتقاد (ص 8) وما بعدها.
(2)
ومن السنة حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل» ، صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الأسارى في السلاسل (4/ 20).
(3)
مجموع الفتاوى لابن تيمية (12/ 492)، ودرء تعارض العقل والنقل (1/ 273).
(4)
سورة البقرة من الآية (237).
يدري شريحاً؟ ! (1)، وكان إبراهيم يقول: إنه الولي، وينقل ذلك عن علقمة وأصحاب عبد الله (2).
2 -
كلام ابن كيسان في زيد بن أسلم بسبب الاختلاف في المقصود بقوله تعالى: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} ، وتقدم قريباً.
3 -
ما وقع بين أبي العالية والحسن، فقد ورد عن أبي العالية ما يوحي بعدم الرضا عن الحسن، ومن ذلك قوله عن الحسن:«رجل مسلم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأدركنا الخير وتعلمنا قبل أن يولد الحسن» (3).
وكان يقع بينهما بعض الاختلاف في التفسير، وواجه الحسن البصري أبا العالية ببعض النقد، فعن مالك بن دينار (4)، قال: «كنا نعرض المصاحف أنا
(1) جامع البيان (4/ 326).
(2)
المصدر السابق (4/ 318 - 323).
(3)
المعرفة والتاريخ (2/ 52).
(4)
هو أبو يحيى السامي الناجي البصري، من زهاد التابعين وخيارهم، سمع أنس بن مالك، وكان يكتب المصاحف بالأجرة ويتقوت من ذلك، وخرَّج له أهل السنن، وتوفي سنة (127 وقيل 123).
انظر: التاريخ الكبير (4/ 1/309)، والثقات لابن حبان (5/ 383)، وتهذيب التهذيب (4/ 11).
والحسن، وأبو العالية الرياحي، ونصر بن عاصم الليثي (1)، وعاصم الجحدري (2)،
قال: فسأل رجل أبا العالية عن قول الله عز وجل: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} (3) ما هو؟ ، فقال أبو العالية: هو الذي لا يدري عن كم انصرف: عن شفع أو عن وتر؟ ، فقال الحسن: مه! ليس كذلك {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} الذي يسهو عن ميقاتها حتى يفوت» (4).
وقد وقع الاتفاق بينهما في التفسير، فقد روى عاصم الأحول (5) عن أبي
(1) البصري، روى عن مالك بن الحويرث وأبي بكرة، وروى عنه قتادة والزهري، وهو من قراء البصرة؛ قرأ على أبي الأسود، وقرأ عليه أبو عمرو، تبع الخوارج ثم رجع عن مذهبهم، وتوفي بعد سنة (80).
انظر: الجرح والتعديل (4/ 1/464)، ومعرفة القراء الكبار (1/ 71)، وتهذيب التهذيب (4/ 217).
(2)
هو عاصم بن العجاج أبو مجشر البصري، قرأ على الحسن ونصر بن عاصم وابن يعمر، وله قراءة لا تثبت، توفي سنة (128).
انظر: التاريخ الكبير (3/ 2/486)، وتاريخ الإسلام حوادث سنة (121 - 140 ص 140)، وغاية النهاية (1/ 349).
(3)
سورة الماعون آية (5).
(4)
تفسير عبد الرزاق (2/ 326 - 327)، وبيان إعجاز القرآن للخطابي (ص 32)، وعزاه في الدر المنثور (6/ 400) لابن المنذر.
(5)
هو أبو عبد الرحمن عاصم بن سليمان البصري سمع أنساً، وروى عنه قتادة وشعبة، تولى القضاء لأبي جعفر على المدائن، وكان مكثراً من الحديث، وخرَّج له أصحاب الكتب الستة، توفي سنة (142).
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 2/20)، والتاريخ الكبير (3/ 2/485)، وتذكرة الحفاظ (1/ 149).
العالية في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (1)، قال: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبو بكر وعمر، قال عاصم: فذكرت ذلك للحسن، فقال: صدق أبو العالية ونصح (2).
(1) سورة الفاتحة آية (6).
(2)
السنة للمروزي (ص 13)، وجامع البيان (1/ 175)، وتفسير ابن أبي حاتم (1/ 30، 3/ 721)، وجاء هذا الأثر عن أبي العالية عن ابن عباس عند الحاكم في المستدرك (2/ 259).