الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* ومما اشتهر به الشيعة إيجاب مسح الرجلين في الوضوء، واستدلوا بقول الله تعالى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (1) حيث عطف الأرجل على الرؤوس الممسوحة، ورُد عليهم هذا الفهم بأنه لم يوافقهم أحد عليه، بل العمل على خلافه مع كونهم يقرؤون بجر أرجلكم (2):
1 -
فعن عطاء رحمه الله أنه قال عند تفسير هذه الآية: «لم أر أحداً يمسح على القدمين» (3).
2 -
وعن الأعمش رحمه الله قال: «كانوا يقرؤونها: (بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ) بالخفض، وكانوا يغسلون» (4).
ثالثاً: القدرية
.
والمراد بهم نفاة القدر، وظهر هؤلاء في عهد الصحابة رضي الله عنهم، وتقدم عن
(1) سورة المائدة من الآية (6)، وانظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/ 48).
(2)
وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحمزة وشعبة عن عاصم، السبعة (ص 242 - 243)، والنشر (2/ 254).
(3)
جامع البيان (8/ 194)، وانظر مصنف ابن أبي شيبة (1/ 20).
(4)
السنن الكبرى للبيهقي (1/ 71)، والدر المنثور (2/ 262)، وعزاه لعبد بن حميد، وقد روي المسح على الرجلين عن بعض أهل السنة، انظر: المغني (1/ 184)، والجامع لأحكام القرآن (3/ 2088)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/ 48).
يحيى بن يعمر أنه قال لابن عمر: «يا أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أُنُف» (1).
والقدرية في بداية ظهورهم أنكروا علم الله تعالى بالأشياء، وزعموا أن الأمر أنف، وأن الله تعالى لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه إلا بعد وقوع ذلك منه، وقد اشتد إنكار الصحابة عليهم كأبي هريرة وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم مما أدى إلى انقراض قولهم (2)، ومما جاء فيهم (3):
أنه قيل لعلي رضي الله عنه: «يا أمير المؤمنين إن ها هنا قوماً يقولون: إن الله لا يعلم ما يكون حتى يكون، فقال: ثكلتهم أمهاتهم من أين قالوا هذا؟ ، قيل: يتأولون القرآن في قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (4)، فقال علي رضي الله عنه: من لم يعلم هلك، ثم صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أيها الناس تعلموا العلم واعملوا به وعلموه، ومن أشكل عليه شيء
(1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان (1/ 36) برقم (1).
(2)
انظر في نشأة مذهبهم: الفرق بين الفرق (18)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (8/ 228)، وشرح العقيدة الطحاوية (ص 250)، والقضاء والقدر د. عبد الرحمن المحمود (ص 117) وما بعدها.
(3)
وتقدم قول القرظي فيهم: «والذي نفس محمد بيده لوددت أن يميني هذه تقطع على كبر سني، وأنهم أتوا من كتاب الله عز وجل آية، ولكنهم يأخذون بآخرها ويتركون أولها» .
وقول ابن سيرين: «إن لم يكن أهل القدر الذين يخوضون في آيات الله فلا علم لنا به» .
(4)
سورة محمد آية (31).
من كتاب الله فليسألني، إنه بلغني أن قوماً يقولون: إن الله لا يعلم ما يكون حتى يكون لقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ} الآية، وإنما قوله:{حَتَّى نَعْلَمَ} يقول: حتى نرى من كتب عليه الجهاد والصبر إن جاهد وصبر على ما نابه وأتاه مما قضيت عليه» (1).
فهؤلاء القوم فهموا من قوله تعالى: {حَتَّى نَعْلَمَ} أن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها، وقد خَطَّأ عليٌّ فهمهم ورده عليهم لدلالة النصوص الكثيرة على أن الله يعلم كل شيء - ما كان وما سيكون - دون استثناء، فلا بد لهذه الآية من معنى آخر غير ما فهموه كي يتفق مع الآيات الأخرى، وهو ما بينه علي رضي الله عنه من أن العلم المذكور هو علم الوقوع والوجود (2).
ويفيد أثر علي رضي الله عنه أن القول بالقدر بدأ في عهده، وجاء عن يحيى بن يعمر أنه قال:«كان أول من قال بالقدر بالبصرة معبد الجهني» (3)، فيحتمل أنه وأصحابه
(1) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/ 465)[ط. دار ابن الجوزي] معلقاً على أبي سنان، وقال محقق الكتاب:«رجاله ثقات» .
(2)
انظر: الجامع لأحكام القرآن (7/ 6074)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (8/ 496)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (7/ 304).
(3)
صحيح مسلم، كتاب الإيمان (1/ 36) برقم (1)، ومعبد هو ابن عبد الله ويقال: ابن خالد الجهني، أخذ القدر عن سوسن النصراني، روى عن ابن عمر وابن عباس، قال الذهبي:«صدوق في نفسه، لكنه سن سنة سيئة» ، قتله الحجاج عام (80) بعدما عذبه لخروجه مع ابن الأشعث.
انظر: المجروحين (2/ 375)، وتاريخ الإسلام حوادث سنة (81 - 100 ص 199)، وميزان الاعتدال (5/ 266)، والبداية والنهاية (12/ 302).
كانوا يثيرون مسائل القدر في خلافة علي رضي الله عنه كما في الأثر المتقدم، ثم تبنى معبد القول بالقدر بعد ذلك، وعرف به واشتهر عنه، فإنه شهد يوم التحكيم، ولقي أبا موسى رضي الله عنه ووصاه في أمر التحكيم، ثم اجتمع بعمرو بن العاص ووصاه في ذلك، فقال له عمرو رضي الله عنه:«إيهاً تيسَ جهينة! ما أنت وهذا، لست من أهل السر ولا من أهل العلانية، والله ما ينفعك الحق ولا يضرك الباطل» (1)، والله أعلم.
ثم ظهر بعد هؤلاء الغلاة قوم أخف بدعة منهم، فكانوا يقرون بعلم الله بالأشياء، لكنهم ينكرون تقديره لها، ويزعمون أن العبد يستقل بفعل الخير والشر (2)، وكان السلف يحتجون علىهم بالعلم، كما جاء عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال لغيلان:«ألست تقر بالعلم؟ ، قال: بلى، قال: فما تريد؟ ! ؛ إن الله يقول: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ}» (3).
* وينتهز بعض القدرية الفرصة لإخراج بعض الأشياء عن أن تكون داخلة في القدر، وذلك عند ورود الآيات العامة في أن كل شيء بتقدير الله، فعن عبيد الله بن عمر قال: «كان يحيى بن سعيد يحدثنا، فيسيح علينا مثل اللؤلؤ، فإذا
(1) تاريخ دمشق (59/ 316)، والبداية والنهاية (12/ 303) وعلق ابن كثير على قول عمرو بقوله:«وهذا توسم فيه من عمرو بن العاص» .
(2)
انظر لوامع الأنوار البهية للسفاريني (1/ 300 - 302).
(3)
سورة الصافات الآيات (161 - 163)، والأثر أخرجه الفريابي في كتاب القدر (ص 203)، وعبد الله بن أحمد في السنة (2/ 428 - 429).
طلع ربيعة [يعني ربيعة الرأي (1)]
قطع يحيى حديثه إجلالاً لربيعة، وإعظاماً له، قال عبيد الله: فتلا يحيى بن سعيد هذه الآية يوماً: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} (2)، فقال جميل بن نباتة العراقي (3): يا أبا سعيد أرأيت السحر من خزائن الله التي تنزل؟ ، فقال يحيى: مه ما هذا من مسائل المسلمين، وأُفْحِمَ القوم، فقال عبد الله بن أبي حبيبة (4): إن أبا سعيد ليس من أصحاب الخصومة، إنما هو إمام من أئمة المسلمين، ولكن عليَّ فأقبل، أما أنا فأقول: إن السحر لا يضر إلا بأذن الله، فتقول أنت غير ذلك؟ ، قال: فسكت ولم يقل شيئاً، قال عبيد الله: فكأنما كان علينا جبل فوضع عنا» (5).
ويظهر أن الرجل السائل من أهل القدر الذين ينفون أن تكون أعمال العباد كلها داخلة تحت مشيئة الله تعالى.
(1) هو أبو عثمان ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ التيمي مولاهم المدني، سمع أنساً، وروى عنه مالك والثوري، أقدمه أبو العباس السفاح إلى العراق ليوليه القضاء، فمات بالأنبار سنة (136).
انظر: المعارف (ص 496)، وتاريخ بغداد (8/ 420)، ووفيات الأعيان (2/ 288).
(2)
سورة الحجر آية (21).
(3)
لم أقف على ترجمته.
(4)
لم أقف على ترجمته كذلك.
(5)
المعرفة والتاريخ (1/ 648)، وكتاب القدر للفريابي (ص 219 - 220)، والشريعة (ص 253)، والقضاء والقدر للبيهقي (323 - 324).