المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

* ومما اشتهر به الشيعة إيجاب مسح الرجلين في الوضوء، - نقد الصحابة والتابعين للتفسير

[عبد السلام بن صالح الجار الله]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

- ‌أولاً: أن العناية بنقد التفسير

- ‌ثانياً: أهمية دراسة ظاهرة النقد عند المفسرين وتأصيلها

- ‌ثالثاً: حظيت بعض ظواهر التفسير بالدراسة والتحليل والتأصيل

- ‌رابعاً: أن هذه الدراسة تغطي جانباً مهماً من مناهج المفسرين في تعاملهم مع التفسير بمجالاته المختلفة

- ‌خامساً: أما الاقتصار على عصر الصحابة والتابعين فلأنهم الأصل

- ‌خطة البحث

- ‌التمهيد

- ‌أولاًالتعريف بالموضوع

- ‌1 - تعريف النقد:

- ‌2 - تعريف الصحابي:

- ‌3 - تعريف التابعي:

- ‌4 - تعريف التفسير:

- ‌ثانيًاالنقد النبوي للتفسير وأثره على الصحابة

- ‌نقد مناهج التفسير:

- ‌أ- نقد تأويل المتشابه:

- ‌ب - نقد الإسرائيليات:

- ‌ج - نقد الجدال في القرآن وضرب بعضه ببعض:

- ‌د - نقد التفسير بالرأي:

- ‌بيانه صلى الله عليه وسلم لوجه ضعف التفسير:

- ‌أثر النقد النبوي على الصحابة:

- ‌الباب الأول جهود الصحابة والتابعين في دفع الخطأ في التفسير قبل وقوعه

- ‌الفصلُ الأول تغليظ الخطأ في التفسير وبيان خطره

- ‌أولاً مظاهر تعظيم الصحابة والتابعين للتفسير وتغليظ الخطأ فيه

- ‌أولاً: اعتبار الخطأ في التفسير قولاً على الله بلا علم

- ‌ثانياً: النهي عن السؤال في التفسير، وترك مجالسة من يفعل ذلك

- ‌ثالثاً: اعتبار الكلام في التفسير أعظم من الكلام في العلوم الشرعية الأخرى

- ‌رابعاً: الامتناع عن تفسير القرآن

- ‌خامساً: الاستخارة عند تفسير القرآن

- ‌ثانياً دواعي الصحابة والتابعين في التغليظ على المخطئ في التفسير وإحجامهم عن تأويل القرآن

- ‌الفصلُ الثاني الاهتمام بالتفسير الصحيح والحث على ما يعين على فهم القرآن الكريم

- ‌أولاًالاهتمام بالتفسير الصحيح

- ‌أولاً: الرحلة في طلب تفسير القرآن

- ‌ثانياً: التثبت من المعنى الصحيح للآية

- ‌ثالثاً: الفرح بالتفسير الصحيح والحزن على فواته

- ‌رابعاً: الاهتمام برجال التفسير

- ‌ثانياًالحث على ما يعين على فهم القرآن

- ‌أولاً: الاستعانة بالسياق القرآني في فهم الآيات

- ‌ثانياً: الاستعانة بالسنة في فهم القرآن

- ‌ثالثاً: معرفة سبب نزول الآية

- ‌رابعاً: معرفة الناسخ والمنسوخ

- ‌خامساً: معرفة اللغة العربية

- ‌ومن أوجه عنايتهم بالعربية في بيان القرآن ما يأ

- ‌سادساً: التدرج في تعلم التفسير

- ‌الفصلُ الثالث الاختلاف في تفسير الصحابة والتابعين

- ‌أولاًطبيعة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: الاختلاف في الفروع دون الأصول

- ‌ثانياً: قلة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌وهناك أسباب أدت إلى قلة اختلاف الصحابة والتابعين في التفسير، ومن أهمها

- ‌ثالثاً: اختلاف تنوع لا تضاد

- ‌رابعاً: مع الاختلاف مودة وألفة

- ‌خامساً: كراهة الاختلاف

- ‌ثانياًأدب الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: احترام الرأي الآخر

- ‌الأول: عدم إلزام الطرف الآخر بالرجوع عن رأيه، وبخاصة إذا كان صادراً عن اجتهاد

- ‌الثاني: عدم التعدي على المخالف

- ‌الثالث: بقاء المكانة العلمية بين المختلفين على ما هي عليه

- ‌ثانياً: الرجوع إلى العلماء عند الاختلاف

- ‌ومن شواهده عن الصحابة والتابعين:

- ‌ثالثاً: الرجوع إلى الحق

- ‌ومن تلك المراجعات:

- ‌الباب الثاني دواعي نقد الصحابة والتابعين للتفسير، وأساليبه ومميزاته

- ‌الفصل الأول دواعي النقد عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: ظهور الفتن والبدع

- ‌ثانياً: مخالطة أهل الكتاب

- ‌ثالثاً: دخول الأعاجم في الإسلام

- ‌رابعاً: تصدر بعض من لا علم عنده لتفسير القرآن

- ‌خامساً: مؤثرات سياسية

- ‌سادساً: مؤثرات اجتماعية

- ‌الفصل الثاني أساليب الصحابة والتابعين في نقد التفسير

- ‌ومن مظاهر الشدة في النقد:

- ‌أولاً: الشدة مع أهل البدع، وإغلاظ القول لهم، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً: كلام الأقران بعضهم في بعض يكون شديداً أحياناً

- ‌ثالثاً: وقد يصل الأمر إلى التوبيخ حين يشعر الصحابة أن المرء تكلم في القرآن بلا علم، ومن أمثلته:

- ‌ومن مظاهر الرفق في النقد:

- ‌أولاً: الرفق مع أهل العلم والفضل، ومن أمثلته

- ‌ثانياً: الرفق مع الطلاب

- ‌ثالثاً: عدم الانتقاد المباشر للمخطئ

- ‌عبارات نقدية:

- ‌أولاً: التكذيب، وشواهده كثيرة

- ‌ومن أمثلة هذا الاستعمال في نقد التفسير:

- ‌ثانياً: زعم

- ‌ثالثاً: أخطأت التأويل

- ‌رابعاً: لم تصب.ومن أمثلته:

- ‌خامساً: بئسما قلت.ومن أمثلته:

- ‌سادساً: تَأَوَّلَ الآية على غير تأويلها.ومن أمثلته:

- ‌سابعاً: وَضَعَ الآية على غير موضعها.ومن أمثلته:

- ‌ثامناً: لقد حملتموها على غير المحمل.ومن أمثلته

- ‌تاسعاً: ليس بالذي تذهبون إليه

- ‌عاشراً: ما لكم ولهذه الآية

- ‌حادي عشر: لا تغرنكم هذه الآية.ومن أمثلته:

- ‌ثاني عشر: الضحك

- ‌الفصل الثالث مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌المبحث الأول مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاً: أهليتهم للنقد

- ‌ثانياً: الاطلاع الواسع على المناهج والأقوال

- ‌ثالثاً: الاستدلال للنقد

- ‌رابعاً: بيان الرأي الصحيح

- ‌المبحث الثاني أبرز نقاد الصحابة والتابعين

- ‌الباب الثالث مجالات نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌الفصلُ الأول نقد طرق التفسير ومناهجه

- ‌أولاًنقد التفسير بالرأي

- ‌ثانياًنقد التفسير بالإسرائيليات

- ‌صور نقد الإسرائيليات:

- ‌الأولى: النهي الصريح عن رواية الإسرائيليات وسؤال أهل الكتاب، ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌الصورة الثانية: تكذيب الإسرائيليات، ومن شواهده:

- ‌الصورة الثالثة: انتقاد بعض الناس بسبب روايتهم الإسرائيليات وتتبعهم لها، ومن الآثار في ذلك:

- ‌الرابعة: الأمر بإتلاف الصحف المشتملة على الأخبار الإسرائيلية، ومن شواهده:

- ‌دواعي نقد الإسرائيليات:

- ‌توجيه الرواية عن أهل الكتاب وسؤالهم:

- ‌ثالثاًنقد تفاسير أهل البدع

- ‌منهج أهل البدع في فهم القرآن وتأويله:

- ‌منهج الصحابة والتابعين في الرد على أهل البدع:

- ‌الفرق التي انتقدها الصحابة والتابعون

- ‌أولاً: الخوارج

- ‌القضية الأولى: التكفير

- ‌القضية الثانية: قتال أهل القبلة

- ‌القضية الثالثة: تخليد أهل الكبائر في النار

- ‌القضية الرابعة: نفي الشفاعة عمن دخل النار

- ‌ثانياً: الشيعة

- ‌ثالثاً: القدرية

- ‌رابعاًنقد تفسير المتشابه

- ‌طرق الصحابة والتابعين في نقد تأويل المتشابه:

- ‌خامساًنقد الجدال في القرآن:

- ‌الجدال المحمود:

- ‌سادساًنقد تفاسير القُصَّاص

- ‌دواعي نقد القصاص

- ‌انتقاد القصاص في التفسير:

- ‌سابعاًنقد التكلف في التفسير

- ‌ثامناًنقد تدوين التفسير

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في انتقاد تدوين التفسير:

- ‌الفصل الثاني نقد رجال التفسير

- ‌أولاًالرجال المنتقدون في التفسير

- ‌أولاً: مجاهد بن جبر المكي

- ‌الأمر الأول: سؤال أهل الكتاب

- ‌الأمر الثاني: مما انتقد به مجاهد رحمه الله تفسير القرآن بالرأي

- ‌ثانياً: عكرمة مولى ابن عباس

- ‌ولانتقاد ابن المسيب احتمالان:

- ‌وقد جاء تكذيب عكرمة عن غير سعيد بن المسيب:

- ‌وأجيب عن تكذيب ابن المسيب وغيره لعكرمة بأجوبة منها:

- ‌ثالثاً: الضحاك بن مزاحم الهلالي

- ‌رابعاً: أبو صالح مولى أم هانئ "باذام

- ‌خامساً: إسماعيل السدي

- ‌سادساً: زيد بن أسلم العدوي

- ‌سابعاً: محمد بن السائب الكلبي

- ‌ثانياًأسباب نقد رجال التفسير

- ‌ثالثاًأثر نقد رجال التفسير على تفاسيرهم

- ‌الفصل الثالث نقد الأقوال

- ‌أولاً:طريقة الصحابة والتابعين مع القول الواحد في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: تصويب القول

- ‌الحالة الثانية: تصويب القول مع تقييده

- ‌الحالة الثالثة: تضعيف القول

- ‌القسم الأول: الاكتفاء بتضعيف القول فقط

- ‌القسم الثاني: تضعيف القول، وذكر القول الراجح

- ‌الحالة الرابعة: التوقف في معنى الآية، وعدم الجزم بصحة رأي معين، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً:طريقة الصحابة والتابعين عند تعدد الأقوال في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: ذكر الأقوال دون ترجيح.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثانية: ترجيح أحد الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثالثة: الجمع بين الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌ثالثاًالرجوع عن القول

- ‌الباب الرابع أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين وأثره

- ‌الفصل الأول أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌المبحث الأول الأسس المتعلقة بالرواية

- ‌أولاًمخالفة القرآن الكريم

- ‌ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌صور نقد التفسير بالقرآن الكريم

- ‌الصورة الأولى: مخالفة سياق الآية

- ‌والرد بالسياق القرآني ثلاثة أقسام:

- ‌القسم الأول: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية، ويعرف هذا بالسباق

- ‌القسم الثاني: الاستدلال على ضعف التفسير بما بعد الآية، ويعرف هذا بلحاق الآية

- ‌القسم الثالث: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية وما بعدها

- ‌الصورة الثانية: مخالفة ظاهر الآية

- ‌الصورة الثالثة: نقد التفسير بآية أخرى

- ‌ثانياًمخالفة السنة النبوية

- ‌وقد استعمل الصحابة والتابعون هذه القاعدة، فردوا بها بعض التفسيرات، ومن الأمثلة على ذلك:

- ‌ثالثاًمخالفة سبب النزول

- ‌رابعاًمخالفة التاريخ

- ‌خامساًالطعن في صحة نقل التفسير

- ‌المبحث الثاني الأسس المتعلقة بالدراية

- ‌أولاً: مخالفة اللغة العربية

- ‌ثانياًاشتمال التفسير على ما يخل بمقام الأنبياء والملائكة وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الأنبياء وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الملائكة

- ‌ثالثاًمخالفة الواقع

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌رابعاًمعارضة التفسير بالقياس

- ‌خامساًأن يكون التفسير غير مفيد

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌سادساًنقد التفسير بذكر ما يترتب عليه

- ‌الفصل الثاني أثر نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاًأثره في التفسير وأصوله

- ‌ثانياًأثره في علوم القرآن

- ‌أ- القراءات:

- ‌فمن شواهد ترجيح القراءة المتواترة:

- ‌ومن شواهد ترجيح القراءة الشاذة على المتواترة:

- ‌ب - الناسخ والمنسوخ:

- ‌القسم الأول: نقد القول بنسخ الآية، ومن أمثلته:

- ‌القسم الثاني: نقد القول بإحكام الآية، ومن أمثلته:

- ‌ثالثاًأثره في العقائد

- ‌رابعاًأثره في المتلقين

- ‌وأما المخطئ في الفهم والتأويل فإن انتقاده يعود عليه بفوائد:

- ‌الخاتمة

- ‌الفهارس

- ‌ثبت المصادر والمراجع

الفصل: * ومما اشتهر به الشيعة إيجاب مسح الرجلين في الوضوء،

* ومما اشتهر به الشيعة إيجاب مسح الرجلين في الوضوء، واستدلوا بقول الله تعالى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (1) حيث عطف الأرجل على الرؤوس الممسوحة، ورُد عليهم هذا الفهم بأنه لم يوافقهم أحد عليه، بل العمل على خلافه مع كونهم يقرؤون بجر أرجلكم (2):

1 -

فعن عطاء رحمه الله أنه قال عند تفسير هذه الآية: «لم أر أحداً يمسح على القدمين» (3).

2 -

وعن الأعمش رحمه الله قال: «كانوا يقرؤونها: (بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ) بالخفض، وكانوا يغسلون» (4).

‌ثالثاً: القدرية

.

والمراد بهم نفاة القدر، وظهر هؤلاء في عهد الصحابة رضي الله عنهم، وتقدم عن

(1) سورة المائدة من الآية (6)، وانظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/ 48).

(2)

وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحمزة وشعبة عن عاصم، السبعة (ص 242 - 243)، والنشر (2/ 254).

(3)

جامع البيان (8/ 194)، وانظر مصنف ابن أبي شيبة (1/ 20).

(4)

السنن الكبرى للبيهقي (1/ 71)، والدر المنثور (2/ 262)، وعزاه لعبد بن حميد، وقد روي المسح على الرجلين عن بعض أهل السنة، انظر: المغني (1/ 184)، والجامع لأحكام القرآن (3/ 2088)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/ 48).

ص: 322

يحيى بن يعمر أنه قال لابن عمر: «يا أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أُنُف» (1).

والقدرية في بداية ظهورهم أنكروا علم الله تعالى بالأشياء، وزعموا أن الأمر أنف، وأن الله تعالى لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه إلا بعد وقوع ذلك منه، وقد اشتد إنكار الصحابة عليهم كأبي هريرة وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم مما أدى إلى انقراض قولهم (2)، ومما جاء فيهم (3):

أنه قيل لعلي رضي الله عنه: «يا أمير المؤمنين إن ها هنا قوماً يقولون: إن الله لا يعلم ما يكون حتى يكون، فقال: ثكلتهم أمهاتهم من أين قالوا هذا؟ ، قيل: يتأولون القرآن في قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (4)، فقال علي رضي الله عنه: من لم يعلم هلك، ثم صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أيها الناس تعلموا العلم واعملوا به وعلموه، ومن أشكل عليه شيء

(1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان (1/ 36) برقم (1).

(2)

انظر في نشأة مذهبهم: الفرق بين الفرق (18)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (8/ 228)، وشرح العقيدة الطحاوية (ص 250)، والقضاء والقدر د. عبد الرحمن المحمود (ص 117) وما بعدها.

(3)

وتقدم قول القرظي فيهم: «والذي نفس محمد بيده لوددت أن يميني هذه تقطع على كبر سني، وأنهم أتوا من كتاب الله عز وجل آية، ولكنهم يأخذون بآخرها ويتركون أولها» .

وقول ابن سيرين: «إن لم يكن أهل القدر الذين يخوضون في آيات الله فلا علم لنا به» .

(4)

سورة محمد آية (31).

ص: 323

من كتاب الله فليسألني، إنه بلغني أن قوماً يقولون: إن الله لا يعلم ما يكون حتى يكون لقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ} الآية، وإنما قوله:{حَتَّى نَعْلَمَ} يقول: حتى نرى من كتب عليه الجهاد والصبر إن جاهد وصبر على ما نابه وأتاه مما قضيت عليه» (1).

فهؤلاء القوم فهموا من قوله تعالى: {حَتَّى نَعْلَمَ} أن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها، وقد خَطَّأ عليٌّ فهمهم ورده عليهم لدلالة النصوص الكثيرة على أن الله يعلم كل شيء - ما كان وما سيكون - دون استثناء، فلا بد لهذه الآية من معنى آخر غير ما فهموه كي يتفق مع الآيات الأخرى، وهو ما بينه علي رضي الله عنه من أن العلم المذكور هو علم الوقوع والوجود (2).

ويفيد أثر علي رضي الله عنه أن القول بالقدر بدأ في عهده، وجاء عن يحيى بن يعمر أنه قال:«كان أول من قال بالقدر بالبصرة معبد الجهني» (3)، فيحتمل أنه وأصحابه

(1) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/ 465)[ط. دار ابن الجوزي] معلقاً على أبي سنان، وقال محقق الكتاب:«رجاله ثقات» .

(2)

انظر: الجامع لأحكام القرآن (7/ 6074)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (8/ 496)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (7/ 304).

(3)

صحيح مسلم، كتاب الإيمان (1/ 36) برقم (1)، ومعبد هو ابن عبد الله ويقال: ابن خالد الجهني، أخذ القدر عن سوسن النصراني، روى عن ابن عمر وابن عباس، قال الذهبي:«صدوق في نفسه، لكنه سن سنة سيئة» ، قتله الحجاج عام (80) بعدما عذبه لخروجه مع ابن الأشعث.

انظر: المجروحين (2/ 375)، وتاريخ الإسلام حوادث سنة (81 - 100 ص 199)، وميزان الاعتدال (5/ 266)، والبداية والنهاية (12/ 302).

ص: 324

كانوا يثيرون مسائل القدر في خلافة علي رضي الله عنه كما في الأثر المتقدم، ثم تبنى معبد القول بالقدر بعد ذلك، وعرف به واشتهر عنه، فإنه شهد يوم التحكيم، ولقي أبا موسى رضي الله عنه ووصاه في أمر التحكيم، ثم اجتمع بعمرو بن العاص ووصاه في ذلك، فقال له عمرو رضي الله عنه:«إيهاً تيسَ جهينة! ما أنت وهذا، لست من أهل السر ولا من أهل العلانية، والله ما ينفعك الحق ولا يضرك الباطل» (1)، والله أعلم.

ثم ظهر بعد هؤلاء الغلاة قوم أخف بدعة منهم، فكانوا يقرون بعلم الله بالأشياء، لكنهم ينكرون تقديره لها، ويزعمون أن العبد يستقل بفعل الخير والشر (2)، وكان السلف يحتجون علىهم بالعلم، كما جاء عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال لغيلان:«ألست تقر بالعلم؟ ، قال: بلى، قال: فما تريد؟ ! ؛ إن الله يقول: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ}» (3).

* وينتهز بعض القدرية الفرصة لإخراج بعض الأشياء عن أن تكون داخلة في القدر، وذلك عند ورود الآيات العامة في أن كل شيء بتقدير الله، فعن عبيد الله بن عمر قال: «كان يحيى بن سعيد يحدثنا، فيسيح علينا مثل اللؤلؤ، فإذا

(1) تاريخ دمشق (59/ 316)، والبداية والنهاية (12/ 303) وعلق ابن كثير على قول عمرو بقوله:«وهذا توسم فيه من عمرو بن العاص» .

(2)

انظر لوامع الأنوار البهية للسفاريني (1/ 300 - 302).

(3)

سورة الصافات الآيات (161 - 163)، والأثر أخرجه الفريابي في كتاب القدر (ص 203)، وعبد الله بن أحمد في السنة (2/ 428 - 429).

ص: 325

طلع ربيعة [يعني ربيعة الرأي (1)]

قطع يحيى حديثه إجلالاً لربيعة، وإعظاماً له، قال عبيد الله: فتلا يحيى بن سعيد هذه الآية يوماً: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} (2)، فقال جميل بن نباتة العراقي (3): يا أبا سعيد أرأيت السحر من خزائن الله التي تنزل؟ ، فقال يحيى: مه ما هذا من مسائل المسلمين، وأُفْحِمَ القوم، فقال عبد الله بن أبي حبيبة (4): إن أبا سعيد ليس من أصحاب الخصومة، إنما هو إمام من أئمة المسلمين، ولكن عليَّ فأقبل، أما أنا فأقول: إن السحر لا يضر إلا بأذن الله، فتقول أنت غير ذلك؟ ، قال: فسكت ولم يقل شيئاً، قال عبيد الله: فكأنما كان علينا جبل فوضع عنا» (5).

ويظهر أن الرجل السائل من أهل القدر الذين ينفون أن تكون أعمال العباد كلها داخلة تحت مشيئة الله تعالى.

(1) هو أبو عثمان ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ التيمي مولاهم المدني، سمع أنساً، وروى عنه مالك والثوري، أقدمه أبو العباس السفاح إلى العراق ليوليه القضاء، فمات بالأنبار سنة (136).

انظر: المعارف (ص 496)، وتاريخ بغداد (8/ 420)، ووفيات الأعيان (2/ 288).

(2)

سورة الحجر آية (21).

(3)

لم أقف على ترجمته.

(4)

لم أقف على ترجمته كذلك.

(5)

المعرفة والتاريخ (1/ 648)، وكتاب القدر للفريابي (ص 219 - 220)، والشريعة (ص 253)، والقضاء والقدر للبيهقي (323 - 324).

ص: 326