المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

- ‌أولاً: أن العناية بنقد التفسير

- ‌ثانياً: أهمية دراسة ظاهرة النقد عند المفسرين وتأصيلها

- ‌ثالثاً: حظيت بعض ظواهر التفسير بالدراسة والتحليل والتأصيل

- ‌رابعاً: أن هذه الدراسة تغطي جانباً مهماً من مناهج المفسرين في تعاملهم مع التفسير بمجالاته المختلفة

- ‌خامساً: أما الاقتصار على عصر الصحابة والتابعين فلأنهم الأصل

- ‌خطة البحث

- ‌التمهيد

- ‌أولاًالتعريف بالموضوع

- ‌1 - تعريف النقد:

- ‌2 - تعريف الصحابي:

- ‌3 - تعريف التابعي:

- ‌4 - تعريف التفسير:

- ‌ثانيًاالنقد النبوي للتفسير وأثره على الصحابة

- ‌نقد مناهج التفسير:

- ‌أ- نقد تأويل المتشابه:

- ‌ب - نقد الإسرائيليات:

- ‌ج - نقد الجدال في القرآن وضرب بعضه ببعض:

- ‌د - نقد التفسير بالرأي:

- ‌بيانه صلى الله عليه وسلم لوجه ضعف التفسير:

- ‌أثر النقد النبوي على الصحابة:

- ‌الباب الأول جهود الصحابة والتابعين في دفع الخطأ في التفسير قبل وقوعه

- ‌الفصلُ الأول تغليظ الخطأ في التفسير وبيان خطره

- ‌أولاً مظاهر تعظيم الصحابة والتابعين للتفسير وتغليظ الخطأ فيه

- ‌أولاً: اعتبار الخطأ في التفسير قولاً على الله بلا علم

- ‌ثانياً: النهي عن السؤال في التفسير، وترك مجالسة من يفعل ذلك

- ‌ثالثاً: اعتبار الكلام في التفسير أعظم من الكلام في العلوم الشرعية الأخرى

- ‌رابعاً: الامتناع عن تفسير القرآن

- ‌خامساً: الاستخارة عند تفسير القرآن

- ‌ثانياً دواعي الصحابة والتابعين في التغليظ على المخطئ في التفسير وإحجامهم عن تأويل القرآن

- ‌الفصلُ الثاني الاهتمام بالتفسير الصحيح والحث على ما يعين على فهم القرآن الكريم

- ‌أولاًالاهتمام بالتفسير الصحيح

- ‌أولاً: الرحلة في طلب تفسير القرآن

- ‌ثانياً: التثبت من المعنى الصحيح للآية

- ‌ثالثاً: الفرح بالتفسير الصحيح والحزن على فواته

- ‌رابعاً: الاهتمام برجال التفسير

- ‌ثانياًالحث على ما يعين على فهم القرآن

- ‌أولاً: الاستعانة بالسياق القرآني في فهم الآيات

- ‌ثانياً: الاستعانة بالسنة في فهم القرآن

- ‌ثالثاً: معرفة سبب نزول الآية

- ‌رابعاً: معرفة الناسخ والمنسوخ

- ‌خامساً: معرفة اللغة العربية

- ‌ومن أوجه عنايتهم بالعربية في بيان القرآن ما يأ

- ‌سادساً: التدرج في تعلم التفسير

- ‌الفصلُ الثالث الاختلاف في تفسير الصحابة والتابعين

- ‌أولاًطبيعة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: الاختلاف في الفروع دون الأصول

- ‌ثانياً: قلة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌وهناك أسباب أدت إلى قلة اختلاف الصحابة والتابعين في التفسير، ومن أهمها

- ‌ثالثاً: اختلاف تنوع لا تضاد

- ‌رابعاً: مع الاختلاف مودة وألفة

- ‌خامساً: كراهة الاختلاف

- ‌ثانياًأدب الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: احترام الرأي الآخر

- ‌الأول: عدم إلزام الطرف الآخر بالرجوع عن رأيه، وبخاصة إذا كان صادراً عن اجتهاد

- ‌الثاني: عدم التعدي على المخالف

- ‌الثالث: بقاء المكانة العلمية بين المختلفين على ما هي عليه

- ‌ثانياً: الرجوع إلى العلماء عند الاختلاف

- ‌ومن شواهده عن الصحابة والتابعين:

- ‌ثالثاً: الرجوع إلى الحق

- ‌ومن تلك المراجعات:

- ‌الباب الثاني دواعي نقد الصحابة والتابعين للتفسير، وأساليبه ومميزاته

- ‌الفصل الأول دواعي النقد عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: ظهور الفتن والبدع

- ‌ثانياً: مخالطة أهل الكتاب

- ‌ثالثاً: دخول الأعاجم في الإسلام

- ‌رابعاً: تصدر بعض من لا علم عنده لتفسير القرآن

- ‌خامساً: مؤثرات سياسية

- ‌سادساً: مؤثرات اجتماعية

- ‌الفصل الثاني أساليب الصحابة والتابعين في نقد التفسير

- ‌ومن مظاهر الشدة في النقد:

- ‌أولاً: الشدة مع أهل البدع، وإغلاظ القول لهم، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً: كلام الأقران بعضهم في بعض يكون شديداً أحياناً

- ‌ثالثاً: وقد يصل الأمر إلى التوبيخ حين يشعر الصحابة أن المرء تكلم في القرآن بلا علم، ومن أمثلته:

- ‌ومن مظاهر الرفق في النقد:

- ‌أولاً: الرفق مع أهل العلم والفضل، ومن أمثلته

- ‌ثانياً: الرفق مع الطلاب

- ‌ثالثاً: عدم الانتقاد المباشر للمخطئ

- ‌عبارات نقدية:

- ‌أولاً: التكذيب، وشواهده كثيرة

- ‌ومن أمثلة هذا الاستعمال في نقد التفسير:

- ‌ثانياً: زعم

- ‌ثالثاً: أخطأت التأويل

- ‌رابعاً: لم تصب.ومن أمثلته:

- ‌خامساً: بئسما قلت.ومن أمثلته:

- ‌سادساً: تَأَوَّلَ الآية على غير تأويلها.ومن أمثلته:

- ‌سابعاً: وَضَعَ الآية على غير موضعها.ومن أمثلته:

- ‌ثامناً: لقد حملتموها على غير المحمل.ومن أمثلته

- ‌تاسعاً: ليس بالذي تذهبون إليه

- ‌عاشراً: ما لكم ولهذه الآية

- ‌حادي عشر: لا تغرنكم هذه الآية.ومن أمثلته:

- ‌ثاني عشر: الضحك

- ‌الفصل الثالث مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌المبحث الأول مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاً: أهليتهم للنقد

- ‌ثانياً: الاطلاع الواسع على المناهج والأقوال

- ‌ثالثاً: الاستدلال للنقد

- ‌رابعاً: بيان الرأي الصحيح

- ‌المبحث الثاني أبرز نقاد الصحابة والتابعين

- ‌الباب الثالث مجالات نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌الفصلُ الأول نقد طرق التفسير ومناهجه

- ‌أولاًنقد التفسير بالرأي

- ‌ثانياًنقد التفسير بالإسرائيليات

- ‌صور نقد الإسرائيليات:

- ‌الأولى: النهي الصريح عن رواية الإسرائيليات وسؤال أهل الكتاب، ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌الصورة الثانية: تكذيب الإسرائيليات، ومن شواهده:

- ‌الصورة الثالثة: انتقاد بعض الناس بسبب روايتهم الإسرائيليات وتتبعهم لها، ومن الآثار في ذلك:

- ‌الرابعة: الأمر بإتلاف الصحف المشتملة على الأخبار الإسرائيلية، ومن شواهده:

- ‌دواعي نقد الإسرائيليات:

- ‌توجيه الرواية عن أهل الكتاب وسؤالهم:

- ‌ثالثاًنقد تفاسير أهل البدع

- ‌منهج أهل البدع في فهم القرآن وتأويله:

- ‌منهج الصحابة والتابعين في الرد على أهل البدع:

- ‌الفرق التي انتقدها الصحابة والتابعون

- ‌أولاً: الخوارج

- ‌القضية الأولى: التكفير

- ‌القضية الثانية: قتال أهل القبلة

- ‌القضية الثالثة: تخليد أهل الكبائر في النار

- ‌القضية الرابعة: نفي الشفاعة عمن دخل النار

- ‌ثانياً: الشيعة

- ‌ثالثاً: القدرية

- ‌رابعاًنقد تفسير المتشابه

- ‌طرق الصحابة والتابعين في نقد تأويل المتشابه:

- ‌خامساًنقد الجدال في القرآن:

- ‌الجدال المحمود:

- ‌سادساًنقد تفاسير القُصَّاص

- ‌دواعي نقد القصاص

- ‌انتقاد القصاص في التفسير:

- ‌سابعاًنقد التكلف في التفسير

- ‌ثامناًنقد تدوين التفسير

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في انتقاد تدوين التفسير:

- ‌الفصل الثاني نقد رجال التفسير

- ‌أولاًالرجال المنتقدون في التفسير

- ‌أولاً: مجاهد بن جبر المكي

- ‌الأمر الأول: سؤال أهل الكتاب

- ‌الأمر الثاني: مما انتقد به مجاهد رحمه الله تفسير القرآن بالرأي

- ‌ثانياً: عكرمة مولى ابن عباس

- ‌ولانتقاد ابن المسيب احتمالان:

- ‌وقد جاء تكذيب عكرمة عن غير سعيد بن المسيب:

- ‌وأجيب عن تكذيب ابن المسيب وغيره لعكرمة بأجوبة منها:

- ‌ثالثاً: الضحاك بن مزاحم الهلالي

- ‌رابعاً: أبو صالح مولى أم هانئ "باذام

- ‌خامساً: إسماعيل السدي

- ‌سادساً: زيد بن أسلم العدوي

- ‌سابعاً: محمد بن السائب الكلبي

- ‌ثانياًأسباب نقد رجال التفسير

- ‌ثالثاًأثر نقد رجال التفسير على تفاسيرهم

- ‌الفصل الثالث نقد الأقوال

- ‌أولاً:طريقة الصحابة والتابعين مع القول الواحد في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: تصويب القول

- ‌الحالة الثانية: تصويب القول مع تقييده

- ‌الحالة الثالثة: تضعيف القول

- ‌القسم الأول: الاكتفاء بتضعيف القول فقط

- ‌القسم الثاني: تضعيف القول، وذكر القول الراجح

- ‌الحالة الرابعة: التوقف في معنى الآية، وعدم الجزم بصحة رأي معين، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً:طريقة الصحابة والتابعين عند تعدد الأقوال في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: ذكر الأقوال دون ترجيح.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثانية: ترجيح أحد الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثالثة: الجمع بين الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌ثالثاًالرجوع عن القول

- ‌الباب الرابع أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين وأثره

- ‌الفصل الأول أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌المبحث الأول الأسس المتعلقة بالرواية

- ‌أولاًمخالفة القرآن الكريم

- ‌ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌صور نقد التفسير بالقرآن الكريم

- ‌الصورة الأولى: مخالفة سياق الآية

- ‌والرد بالسياق القرآني ثلاثة أقسام:

- ‌القسم الأول: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية، ويعرف هذا بالسباق

- ‌القسم الثاني: الاستدلال على ضعف التفسير بما بعد الآية، ويعرف هذا بلحاق الآية

- ‌القسم الثالث: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية وما بعدها

- ‌الصورة الثانية: مخالفة ظاهر الآية

- ‌الصورة الثالثة: نقد التفسير بآية أخرى

- ‌ثانياًمخالفة السنة النبوية

- ‌وقد استعمل الصحابة والتابعون هذه القاعدة، فردوا بها بعض التفسيرات، ومن الأمثلة على ذلك:

- ‌ثالثاًمخالفة سبب النزول

- ‌رابعاًمخالفة التاريخ

- ‌خامساًالطعن في صحة نقل التفسير

- ‌المبحث الثاني الأسس المتعلقة بالدراية

- ‌أولاً: مخالفة اللغة العربية

- ‌ثانياًاشتمال التفسير على ما يخل بمقام الأنبياء والملائكة وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الأنبياء وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الملائكة

- ‌ثالثاًمخالفة الواقع

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌رابعاًمعارضة التفسير بالقياس

- ‌خامساًأن يكون التفسير غير مفيد

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌سادساًنقد التفسير بذكر ما يترتب عليه

- ‌الفصل الثاني أثر نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاًأثره في التفسير وأصوله

- ‌ثانياًأثره في علوم القرآن

- ‌أ- القراءات:

- ‌فمن شواهد ترجيح القراءة المتواترة:

- ‌ومن شواهد ترجيح القراءة الشاذة على المتواترة:

- ‌ب - الناسخ والمنسوخ:

- ‌القسم الأول: نقد القول بنسخ الآية، ومن أمثلته:

- ‌القسم الثاني: نقد القول بإحكام الآية، ومن أمثلته:

- ‌ثالثاًأثره في العقائد

- ‌رابعاًأثره في المتلقين

- ‌وأما المخطئ في الفهم والتأويل فإن انتقاده يعود عليه بفوائد:

- ‌الخاتمة

- ‌الفهارس

- ‌ثبت المصادر والمراجع

الفصل: ‌سابعانقد التكلف في التفسير

‌سابعاً

نقد التكلف في التفسير

يتمتع الصحابة والتابعون رضي الله عنهم بقدر كبير من الجد والاهتمام بالعلم والعمل، والحرص على ما فيه ثمرة وفائدة، وبسببه انصرفوا عما لا يعنيهم، وانتقد بعضهم من تعرض لتفسير بعض الآيات أو حاول فهمها، معتبراً ذلك من التكلف المذموم.

وفي "مفردات ألفاظ القرآن": «التكلف اسم لما يفعل بمشقة أو تصنع أو تشبع، ولذلك صار التكلف على ضربين:

محمود: وهو ما يتحراه الإنسان ليتوصل به إلى أن يصير الفعل الذي يتعاطاه سهلاً عليه، ويصير كلفاً به ومحباً له، وبهذا النظر يستعمل التكليف في تكلف العبادات.

والثاني: مذموم وهو ما يتحراه الإنسان مراءاة، وإياه عنى بقوله تعالى:{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} (1)» (2).

(1) سورة ص آية (86).

(2)

(ص 721 - 722)، وانظر: معجم مقاييس اللغة (ص 876)، ولسان العرب (5/ 3916)، والقاموس المحيط (ص 1099) مادة "كلف".

ص: 387

ولا بد حين الحكم على تفسير بأنه متكلف من مراعاة أمرين:

الأول: النظر في حال من يفسر القرآن، أو يطلب تفسيره، ومعرفة هدفه وقصده، كأن يقصد الرياء والتصنع، أو إعياء من يسأله عن التفسير.

الثاني: النظر في الآيات المراد تفسيرها.

وبين أيدينا بعض الشواهد عن الصحابة والتابعين في نقد التكلف في تفسير القرآن، وهي لا تخرج عن الصور الآتية:

أولاً: أن يكون المراد من الآية معلوماً، فيتكلف المرء تفسير بعض الألفاظ الخفية مما لا يتوقف عليها فهم المراد من الآية، ومن شواهده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ على المنبر قوله تعالى:{وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} (1)، وقال:«هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأب؟ ، ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر» ، وفي رواية قال:«وما عليك ألا تدري ما الأب؟ » (2).

(1) سورة عبس آية (31).

(2)

أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (2/ 211)، وسعيد بن منصور في سننه (1/ 181)، وابن أبي شيبة في المصنف (10/ 512)، وابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 1/237)، وابن جرير في جامع البيان (24/ 123)، والحاكم في المستدرك (2/ 514) كلهم من رواية أنس بن مالك عن عمر، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 283) من طريق الزهري عن عمر، وأخرجه ابن وهب في الجامع (2/ 123) من رواية عبد الرحمن بن محمد الزهري عن عمر، وأخرجه البخاري في صحيحه من طريق أنس في كتاب الاعتصام، باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه (8/ 143) مقتصراً على قوله:«نهينا عن التكلف» .

ص: 388

وقد علق ابن كثير على ذلك بقوله: «وهذا محمول على أنه أراد أن يعرف شكله وجنسه وعينه، وإلا فهو وكل من قرأ هذه الآية يعلم أنه من نبات الأرض» (1).

وبعبارة أوضح يقول الشاطبي: «إن علم التفسير مطلوب فيما يتوقف عليه فهم المراد من الخطاب، فإذا كان المراد معلوماً، فالزيادة على ذلك تكلف، ويتبين ذلك في مسألة عمر، وذلك أنه لما قرأ: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} توقف في معنى الأب، وهو معنى إفرادي لا يقدح عدم العلم به في علم المعنى التركيبي في الآية؛ إذ هو مفهوم من حيث أخبر الله تعالى في شأن طعام الإنسان أنه أنزل من السماء ماءً، فأخرج به أصنافاً كثيرة مما هو من طعام الإنسان مباشرة، كالحب والعنب والزيتون والنخل، ومما هو من طعامه بواسطة، مما هو مرعى للأنعام على الجملة، فبقي التفصيل في كل فرد من تلك الأفراد فضلاً، فلا على الإنسان أن لا يعرفه، فمن هذا الوجه والله أعلم عد البحث عن معنى الأب من التكلف» (2).

(1) تفسير القرآن العظيم (8/ 348)، وانظر (1/ 16) من الكتاب نفسه، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (13/ 372).

(2)

الموافقات (1/ 57 - 58).

ص: 389

ثانياً: ألا تعود معرفة تفسير الآية على المرء بفائدة في دينه وآخرته، بحيث يصبح الانشغال ببعض معاني الألفاظ القرآنية من قبيل الترف الفكري، ومن الشواهد:

1 -

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوماً: «سلوني، فقام ابن الكواء، فقال: ما السواد الذي في القمر؟ ، فقال له: قاتلك الله! سل تفقهاً ولا تسأل تعنتاً، ألا سألت عن شيء ينفعك في أمر دنياك أو أمر آخرتك؟ ! ، ثم قال: ذاك محو الليل» (1).

وقد علق عليه الآجري بقوله: «وقد كان العلماء قديماً وحديثاً يكرهون عضل المسائل ويردونها، ويأمرون بالسؤال عما يعني؛ خوفاً من المراء والجدال الذي نهوا عنه» (2).

2 -

وسئل القاسم بن محمد رحمه الله عن معنى قوله تعالى: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} (3)، فقيل له:«أنزل أو لم ينزل؟ ، فقال: لا أبالي أيَّ ذلك كان إلا أني آمنت به» ، وفي رواية أنه قيل له: «يعلمان الناس ما أنزل

(1) أخرجه ابن جرير في جامع البيان (14/ 516)، والآجري في الشريعة (ص 80) واللفظ له، وفي أخلاق العلماء (ص 107)، وابن بطة في الإبانة "الإيمان"(1/ 418).

(2)

الشريعة (80).

(3)

سورة البقرة من الآية (102).

ص: 390

عليهما، أم يعلمان الناس ما لم ينزل عليهما؟ ، فقال: ما أبالي أيتهما كانت» (1).

ثالثاً: أن يتكلم المرء فيما لا يحسن أو يتجاسر على تفسير ما يجهله من آيات الكتاب العزيز، فيؤدي به إلى الإخلال بفهم القرآن الكريم، ولما ذُكر لابن مسعود رضي الله عنه تفسير أحد القُصَّاص لبعض الآيات؛ قال حين رأى عدم صحة تفسيره:«إن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} (2) وإن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم: الله أعلم» .

ومما يندرج تحته أن يطلب المرء تفسير ما استأثر الله تعالى بعلمه (3)، فعن الربيع بن خثيم (4)

قال: «يا عبد الله ما علمك الله في كتابه من علم فاحمد الله، وما استأثر عليك به فكله إلى عالمه، ولا تتكلف، فإن الله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ

(1) جامع البيان (2/ 336 - 337).

(2)

سورة ص آية (86).

(3)

وذكر ابن عاشور في التحرير والتنوير (23/ 196) أن المتكلف هو: «الذي يتطلب ما ليس له، أو يدعي علم ما لا يعلمه» .

(4)

هو أبو يزيد الربيع بن خثيم بن عائذ الثوري الكوفي، الإمام العابد، قال عنه ابن مسعود:«لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآك لأحبك» ، وكان من أصحابه، وله كلمات مأثورة في الزهد، توفي بالكوفة في إمرة عبيد الله بن زياد.

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 127)، وحلية الأولياء (2/ 105)، والمعارف (ص 497).

ص: 391

عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}» (1).

واعتبار بعض التفسيرات من التكلف أو عدم اعتبارها مما تختلف أنظار العلماء حوله، فقد يرى البعض عدم الحاجة لتفسير ما لا يندرج تحته عمل، بينما يرى آخرون ضرورة العناية بكل ما ذكر في القرآن، حتى وإن لم يترتب عليه عمل أو يكون له ثمرة، فعمر عد تأويل الأب من التكلف المذموم، بينما جاء عن بعض الصحابة والتابعين تأويله (2).

وليعلم أن التكلف الذي حدث بعد عصر الصحابة والتابعين خاصة بعد انتشار الفرق وتشعبها أخذ أبعاداً خطيرة في تأويل النصوص، ومن صوره ما ذكره ابن تيمية أن بعضهم يجعل ظاهر اللفظ القرآني شيئاً يستحيل فهمه على عامة الناس ثم يتأوله (3)، ولذلك جعل العلماء البعد عن التكلف والتعسف في التفسير شرطاً لصحته وقبوله، فاشترطوا في التفسير الصحيح «أن يكون مطابقا لللفظ من حيث الاستعمال، سليماً من التكلف، عرياً من التعسف» (4).

(1) جامع بيان العلم وفضله (2/ 136).

(2)

انظر: جامع البيان (24/ 121 - 123)، والدر المنثور (6/ 316 - 317).

(3)

مجموع الفتاوى (5/ 106).

(4)

التحرير والتنوير (1/ 28)

ص: 392