الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعاً
معارضة التفسير بالقياس
والقياس حجة في الجملة، والتعبد به جائز عقلاً وشرعاً، وهذا مذهب جمهور العلماء وهو المنقول عن الصحابة والتابعين رضي الله عنه، ونقل بعض العلماء إجماع الصحابة على العمل بالقياس (1).
وقد اعتبر الصحابة والتابعون القياس في التفسير، فأدخلوا بعض الأشياء في معنى الآية ودلالتها بطريق القياس، ففي قول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} (2)، قال ابن عباس في معنى {سُكَارَى}: إنه النعاس، وقال الضحاك: سكر النوم (3).
علق على ذلك ابن تيمية بقوله: «وهذا إذا قيل: إن الآية دلت عليه بطريق الاعتبار أو شمول معنى اللفظ العام، وإلا فلا ريب أن سبب نزول الآية كان
(1) انظر في حجية القياس: المستصفى (2/ 234)، وروضة الناظر (3/ 806)، والإحكام للآمدي (4/ 5)، وإرشاد الفحول (199).
(2)
سورة النساء من الآية (43).
(3)
جامع البيان (7/ 48)، والدر المنثور (2/ 165).
السكر من الخمر، واللفظ صريح في ذلك، والمعنى الآخر صحيح أيضاً» (1).
ومن الأمثلة ما ذكره ابن القيم في " إعلام الموقعين"(2) أن الصحابة رضي الله عنهم جعلوا العبد على النصف من الحر في النكاح والطلاق والعدة؛ قياساً على ما نصَّ الله عليه في قوله: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (3).
وكما استخدموا القياس في بيان الآيات، فقد استدلوا به على ضعف بعض التأويلات، ومن أمثلة ذلك:
1 -
(1) مجموع الفتاوى (10/ 438)، وانظر فصول في أصول التفسير (ص 81).
(2)
(1/ 209).
(3)
سورة النساء من الآية (25).
(4)
سورة البقرة من الآية (196).
(5)
سورة النساء من الآية (11).
(6)
الدر المنثور (1/ 209)، وانظر السنن الكبرى للبيهقي (4/ 351).
فالترتيب بين الحج والعمرة الذي فهمه المعترضون على ابن عباس من الآية غير مراد بالقياس على الآية الأخرى، والتي يتفق ابن عباس ومعارضوه على عدم إرادة الترتيب فيها.
2 -
فسائل مجاهد فهم من الآية أن الأَمَة داخلة في عموم النساء، والله يقول:{مِنْ نِسَائِهِمْ} ، فيقع الظهار منها، وكان مجاهد لا يرى الظهار من الأمة، فلما عورض بهذه الآية، بيَّنَ أن العبد لا تجوز شهادته مع كونه داخلاً في عموم الرجال في قوله تعالى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} .
وعلق ابن عبد البر على كلام مجاهد بقوله: «كما كان العبد من الرجال غير
(1) سورة المجادلة من الآية (3).
(2)
سورة البقرة من الآية (282).
(3)
سنن سعيد بن منصور (3/ 991)، والسنن الكبرى للبيهقي (10/ 161)، وجامع بيان العلم وفضله (2/ 108).
المراد بالشهادة، فكذلك الأمة من النساء غير المراد بالظهار، وهذا عين القياس» (1).
ومذهب مجاهد هو مذهب شيخه ابن عباس رضي الله عنهما، فإنه كان لا يرى الظهار من الأمة شيئاً، ويقول: «من شاء باهلته أن الظهار ليس من الأمة، إنما قال الله عز وجل: {
…
مِنْ نِسَائِهِمْ}» (2)، وهو مذهب جمهور العلماء (3).
3 -
وفي قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (4).
جاء عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه، فقال رجل لعكرمة: أليس قد قال الله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} ؟ ، فقال له: ألست ترى السماء؟ ، قال: بلى قال: فكلها ترى (5).
فالرجل فهم من الآية مجرد الرؤية، فغلطه عكرمة بأن الآية لا تدل على ذلك، واستدل بأن من يرى السماء لا يقال: إنه أحاط بها، ففرق بين الإحاطة وهو الذي يفيده قوله:{تُدْرِكُهُ} ، وبين مجرد الرؤية.
(1) جامع بيان العلم وفضله (2/ 108).
(2)
المصدر السابق (2/ 107)، والسنن الكبرى للبيهقي (7/ 383)
(3)
انظر: المغني (11/ 67)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (8/ 65).
(4)
سورة الأنعام آية (103).
(5)
السنة لابن أبي عاصم (1/ 189)، وجامع البيان (22/ 32)، والرؤية للدار قطني (ص 353)، والشريعة للآجري (ص 291)، وانظر: تفسير ابن أبي حاتم (4/ 1363).