المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

- ‌أولاً: أن العناية بنقد التفسير

- ‌ثانياً: أهمية دراسة ظاهرة النقد عند المفسرين وتأصيلها

- ‌ثالثاً: حظيت بعض ظواهر التفسير بالدراسة والتحليل والتأصيل

- ‌رابعاً: أن هذه الدراسة تغطي جانباً مهماً من مناهج المفسرين في تعاملهم مع التفسير بمجالاته المختلفة

- ‌خامساً: أما الاقتصار على عصر الصحابة والتابعين فلأنهم الأصل

- ‌خطة البحث

- ‌التمهيد

- ‌أولاًالتعريف بالموضوع

- ‌1 - تعريف النقد:

- ‌2 - تعريف الصحابي:

- ‌3 - تعريف التابعي:

- ‌4 - تعريف التفسير:

- ‌ثانيًاالنقد النبوي للتفسير وأثره على الصحابة

- ‌نقد مناهج التفسير:

- ‌أ- نقد تأويل المتشابه:

- ‌ب - نقد الإسرائيليات:

- ‌ج - نقد الجدال في القرآن وضرب بعضه ببعض:

- ‌د - نقد التفسير بالرأي:

- ‌بيانه صلى الله عليه وسلم لوجه ضعف التفسير:

- ‌أثر النقد النبوي على الصحابة:

- ‌الباب الأول جهود الصحابة والتابعين في دفع الخطأ في التفسير قبل وقوعه

- ‌الفصلُ الأول تغليظ الخطأ في التفسير وبيان خطره

- ‌أولاً مظاهر تعظيم الصحابة والتابعين للتفسير وتغليظ الخطأ فيه

- ‌أولاً: اعتبار الخطأ في التفسير قولاً على الله بلا علم

- ‌ثانياً: النهي عن السؤال في التفسير، وترك مجالسة من يفعل ذلك

- ‌ثالثاً: اعتبار الكلام في التفسير أعظم من الكلام في العلوم الشرعية الأخرى

- ‌رابعاً: الامتناع عن تفسير القرآن

- ‌خامساً: الاستخارة عند تفسير القرآن

- ‌ثانياً دواعي الصحابة والتابعين في التغليظ على المخطئ في التفسير وإحجامهم عن تأويل القرآن

- ‌الفصلُ الثاني الاهتمام بالتفسير الصحيح والحث على ما يعين على فهم القرآن الكريم

- ‌أولاًالاهتمام بالتفسير الصحيح

- ‌أولاً: الرحلة في طلب تفسير القرآن

- ‌ثانياً: التثبت من المعنى الصحيح للآية

- ‌ثالثاً: الفرح بالتفسير الصحيح والحزن على فواته

- ‌رابعاً: الاهتمام برجال التفسير

- ‌ثانياًالحث على ما يعين على فهم القرآن

- ‌أولاً: الاستعانة بالسياق القرآني في فهم الآيات

- ‌ثانياً: الاستعانة بالسنة في فهم القرآن

- ‌ثالثاً: معرفة سبب نزول الآية

- ‌رابعاً: معرفة الناسخ والمنسوخ

- ‌خامساً: معرفة اللغة العربية

- ‌ومن أوجه عنايتهم بالعربية في بيان القرآن ما يأ

- ‌سادساً: التدرج في تعلم التفسير

- ‌الفصلُ الثالث الاختلاف في تفسير الصحابة والتابعين

- ‌أولاًطبيعة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: الاختلاف في الفروع دون الأصول

- ‌ثانياً: قلة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌وهناك أسباب أدت إلى قلة اختلاف الصحابة والتابعين في التفسير، ومن أهمها

- ‌ثالثاً: اختلاف تنوع لا تضاد

- ‌رابعاً: مع الاختلاف مودة وألفة

- ‌خامساً: كراهة الاختلاف

- ‌ثانياًأدب الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: احترام الرأي الآخر

- ‌الأول: عدم إلزام الطرف الآخر بالرجوع عن رأيه، وبخاصة إذا كان صادراً عن اجتهاد

- ‌الثاني: عدم التعدي على المخالف

- ‌الثالث: بقاء المكانة العلمية بين المختلفين على ما هي عليه

- ‌ثانياً: الرجوع إلى العلماء عند الاختلاف

- ‌ومن شواهده عن الصحابة والتابعين:

- ‌ثالثاً: الرجوع إلى الحق

- ‌ومن تلك المراجعات:

- ‌الباب الثاني دواعي نقد الصحابة والتابعين للتفسير، وأساليبه ومميزاته

- ‌الفصل الأول دواعي النقد عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: ظهور الفتن والبدع

- ‌ثانياً: مخالطة أهل الكتاب

- ‌ثالثاً: دخول الأعاجم في الإسلام

- ‌رابعاً: تصدر بعض من لا علم عنده لتفسير القرآن

- ‌خامساً: مؤثرات سياسية

- ‌سادساً: مؤثرات اجتماعية

- ‌الفصل الثاني أساليب الصحابة والتابعين في نقد التفسير

- ‌ومن مظاهر الشدة في النقد:

- ‌أولاً: الشدة مع أهل البدع، وإغلاظ القول لهم، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً: كلام الأقران بعضهم في بعض يكون شديداً أحياناً

- ‌ثالثاً: وقد يصل الأمر إلى التوبيخ حين يشعر الصحابة أن المرء تكلم في القرآن بلا علم، ومن أمثلته:

- ‌ومن مظاهر الرفق في النقد:

- ‌أولاً: الرفق مع أهل العلم والفضل، ومن أمثلته

- ‌ثانياً: الرفق مع الطلاب

- ‌ثالثاً: عدم الانتقاد المباشر للمخطئ

- ‌عبارات نقدية:

- ‌أولاً: التكذيب، وشواهده كثيرة

- ‌ومن أمثلة هذا الاستعمال في نقد التفسير:

- ‌ثانياً: زعم

- ‌ثالثاً: أخطأت التأويل

- ‌رابعاً: لم تصب.ومن أمثلته:

- ‌خامساً: بئسما قلت.ومن أمثلته:

- ‌سادساً: تَأَوَّلَ الآية على غير تأويلها.ومن أمثلته:

- ‌سابعاً: وَضَعَ الآية على غير موضعها.ومن أمثلته:

- ‌ثامناً: لقد حملتموها على غير المحمل.ومن أمثلته

- ‌تاسعاً: ليس بالذي تذهبون إليه

- ‌عاشراً: ما لكم ولهذه الآية

- ‌حادي عشر: لا تغرنكم هذه الآية.ومن أمثلته:

- ‌ثاني عشر: الضحك

- ‌الفصل الثالث مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌المبحث الأول مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاً: أهليتهم للنقد

- ‌ثانياً: الاطلاع الواسع على المناهج والأقوال

- ‌ثالثاً: الاستدلال للنقد

- ‌رابعاً: بيان الرأي الصحيح

- ‌المبحث الثاني أبرز نقاد الصحابة والتابعين

- ‌الباب الثالث مجالات نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌الفصلُ الأول نقد طرق التفسير ومناهجه

- ‌أولاًنقد التفسير بالرأي

- ‌ثانياًنقد التفسير بالإسرائيليات

- ‌صور نقد الإسرائيليات:

- ‌الأولى: النهي الصريح عن رواية الإسرائيليات وسؤال أهل الكتاب، ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌الصورة الثانية: تكذيب الإسرائيليات، ومن شواهده:

- ‌الصورة الثالثة: انتقاد بعض الناس بسبب روايتهم الإسرائيليات وتتبعهم لها، ومن الآثار في ذلك:

- ‌الرابعة: الأمر بإتلاف الصحف المشتملة على الأخبار الإسرائيلية، ومن شواهده:

- ‌دواعي نقد الإسرائيليات:

- ‌توجيه الرواية عن أهل الكتاب وسؤالهم:

- ‌ثالثاًنقد تفاسير أهل البدع

- ‌منهج أهل البدع في فهم القرآن وتأويله:

- ‌منهج الصحابة والتابعين في الرد على أهل البدع:

- ‌الفرق التي انتقدها الصحابة والتابعون

- ‌أولاً: الخوارج

- ‌القضية الأولى: التكفير

- ‌القضية الثانية: قتال أهل القبلة

- ‌القضية الثالثة: تخليد أهل الكبائر في النار

- ‌القضية الرابعة: نفي الشفاعة عمن دخل النار

- ‌ثانياً: الشيعة

- ‌ثالثاً: القدرية

- ‌رابعاًنقد تفسير المتشابه

- ‌طرق الصحابة والتابعين في نقد تأويل المتشابه:

- ‌خامساًنقد الجدال في القرآن:

- ‌الجدال المحمود:

- ‌سادساًنقد تفاسير القُصَّاص

- ‌دواعي نقد القصاص

- ‌انتقاد القصاص في التفسير:

- ‌سابعاًنقد التكلف في التفسير

- ‌ثامناًنقد تدوين التفسير

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في انتقاد تدوين التفسير:

- ‌الفصل الثاني نقد رجال التفسير

- ‌أولاًالرجال المنتقدون في التفسير

- ‌أولاً: مجاهد بن جبر المكي

- ‌الأمر الأول: سؤال أهل الكتاب

- ‌الأمر الثاني: مما انتقد به مجاهد رحمه الله تفسير القرآن بالرأي

- ‌ثانياً: عكرمة مولى ابن عباس

- ‌ولانتقاد ابن المسيب احتمالان:

- ‌وقد جاء تكذيب عكرمة عن غير سعيد بن المسيب:

- ‌وأجيب عن تكذيب ابن المسيب وغيره لعكرمة بأجوبة منها:

- ‌ثالثاً: الضحاك بن مزاحم الهلالي

- ‌رابعاً: أبو صالح مولى أم هانئ "باذام

- ‌خامساً: إسماعيل السدي

- ‌سادساً: زيد بن أسلم العدوي

- ‌سابعاً: محمد بن السائب الكلبي

- ‌ثانياًأسباب نقد رجال التفسير

- ‌ثالثاًأثر نقد رجال التفسير على تفاسيرهم

- ‌الفصل الثالث نقد الأقوال

- ‌أولاً:طريقة الصحابة والتابعين مع القول الواحد في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: تصويب القول

- ‌الحالة الثانية: تصويب القول مع تقييده

- ‌الحالة الثالثة: تضعيف القول

- ‌القسم الأول: الاكتفاء بتضعيف القول فقط

- ‌القسم الثاني: تضعيف القول، وذكر القول الراجح

- ‌الحالة الرابعة: التوقف في معنى الآية، وعدم الجزم بصحة رأي معين، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً:طريقة الصحابة والتابعين عند تعدد الأقوال في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: ذكر الأقوال دون ترجيح.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثانية: ترجيح أحد الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثالثة: الجمع بين الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌ثالثاًالرجوع عن القول

- ‌الباب الرابع أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين وأثره

- ‌الفصل الأول أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌المبحث الأول الأسس المتعلقة بالرواية

- ‌أولاًمخالفة القرآن الكريم

- ‌ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌صور نقد التفسير بالقرآن الكريم

- ‌الصورة الأولى: مخالفة سياق الآية

- ‌والرد بالسياق القرآني ثلاثة أقسام:

- ‌القسم الأول: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية، ويعرف هذا بالسباق

- ‌القسم الثاني: الاستدلال على ضعف التفسير بما بعد الآية، ويعرف هذا بلحاق الآية

- ‌القسم الثالث: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية وما بعدها

- ‌الصورة الثانية: مخالفة ظاهر الآية

- ‌الصورة الثالثة: نقد التفسير بآية أخرى

- ‌ثانياًمخالفة السنة النبوية

- ‌وقد استعمل الصحابة والتابعون هذه القاعدة، فردوا بها بعض التفسيرات، ومن الأمثلة على ذلك:

- ‌ثالثاًمخالفة سبب النزول

- ‌رابعاًمخالفة التاريخ

- ‌خامساًالطعن في صحة نقل التفسير

- ‌المبحث الثاني الأسس المتعلقة بالدراية

- ‌أولاً: مخالفة اللغة العربية

- ‌ثانياًاشتمال التفسير على ما يخل بمقام الأنبياء والملائكة وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الأنبياء وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الملائكة

- ‌ثالثاًمخالفة الواقع

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌رابعاًمعارضة التفسير بالقياس

- ‌خامساًأن يكون التفسير غير مفيد

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌سادساًنقد التفسير بذكر ما يترتب عليه

- ‌الفصل الثاني أثر نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاًأثره في التفسير وأصوله

- ‌ثانياًأثره في علوم القرآن

- ‌أ- القراءات:

- ‌فمن شواهد ترجيح القراءة المتواترة:

- ‌ومن شواهد ترجيح القراءة الشاذة على المتواترة:

- ‌ب - الناسخ والمنسوخ:

- ‌القسم الأول: نقد القول بنسخ الآية، ومن أمثلته:

- ‌القسم الثاني: نقد القول بإحكام الآية، ومن أمثلته:

- ‌ثالثاًأثره في العقائد

- ‌رابعاًأثره في المتلقين

- ‌وأما المخطئ في الفهم والتأويل فإن انتقاده يعود عليه بفوائد:

- ‌الخاتمة

- ‌الفهارس

- ‌ثبت المصادر والمراجع

الفصل: ‌ثالثامخالفة سبب النزول

عليه استقبال القبلة سفراً ولا حضراً، وهو خلاف الإجماع، فلما عرف سبب نزولها علم أنها في نافلة السفر، أو فيمن صلى بالاجتهاد وبان له الخطأ على اختلاف الروايات في ذلك» (1).

وقد أكد الصحابة رضي الله عنهم على أن الإعراض عن سبب النزول وعدم معرفته يوقع في الانحراف عن فهم القرآن والاختلاف فيه، فقد سأل عمر ابن عباس:«كيف تختلف هذه الأمة، وكتابها واحد، ونبيها واحد، وقبلتها واحدة؟ ! ، فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين إنا أنزل علينا القرآن، فقرأناه وعلمنا فيم نزل؟ ، وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرؤون القرآن لا يدرون فيم نزل؟ ، فيكون لهم فيه رأي، فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا» (2).

وما ذكره ابن عباس وقع من أهل البدع، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال في الخوارج:«انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين» (3).

قال الشاطبي معلقاً على قول ابن عمر: «فهذا معنى الرأي الذي نبه ابن عباس عليه، وهو الناشئ عن الجهل بالمعنى الذي نزل فيه القرآن» (4).

(1) الإتقان (1/ 39).

(2)

فضائل القرآن لأبي عبيد (1/ 281)، والجامع لشعب الإيمان للبيهقي (5/ 230)، والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 194).

(3)

انظر (ص 289).

(4)

الموافقات (4/ 149).

ص: 525

والمتقرر عند علماء الحديث أن سبب النزول له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ونقل ابن حجر الاتفاق على ذلك (1)، وهذا يؤكد أهميته، ويقوي الاعتماد عليه كأساس من أسس النقد، ولذا فمخالفته مخالفة للسنة، إلا أنه ينبغي التحقق من كون الخبر سبب نزول، فقد يرد عن بعض الرواة حكاية ما يحتمل السببية، وما يحتمل التفسير، وبيان ما تضمنته الآية من أحكام؛ مثل قول الرواي: نزلت هذه الآية في كذا، وقد وقع الخلاف في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإجرائه مجرى الحديث المسند، فأدخله بعض العلماء في المسند، وحكاه ابن تيمية عن البخاري (2).

ومن الشواهد عن الصحابة والتابعين على النقد بأسباب النزول ما يلي:

1 -

عندما التقى المسلمون مع الروم في إحدى المعارك حمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل عليهم، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله! يلقي بيديه إلى التهلكة! (3)، فقام أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، فقال: «أيها الناس إنكم

(1) فتح الباري (5/ 412)، وانظر في الحكم برفعه: معرفة علوم الحديث (ص 26)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (13/ 339)، والبرهان (1/ 126)، والإتقان (1/ 41)، وتدريب الراوي (1/ 216)، ومناهل العرفان (1/ 107).

(2)

مجموع الفتاوى (13/ 340).

(3)

وجاء هذا التأويل عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، ففي تفسير ابن أبي حاتم (1/ 332)، والعجاب لابن حجر (ص 293) أن المسلمين حاصروا دمشق، فانطلق رجل من أزد شنوءة، فأسرع في العدو وحده ليستقتل، فعاب ذلك عليه المسلمون، ورفعوا حديثه إلى عمرو بن العاص، فأرسل إليه عمرو فرده، وقال له: قال الله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} .

ص: 526

تتأولون هذه الآية هذا التأويل، وإنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سراً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم يرد علينا ما قلنا:{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (1)،

فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو» (2).

وهذا التأويل الذي أنكره أبو أيوب أنكره غيره من الصحابة:

فعن مدرك بن عوف (3) أن الناس ذكروا عند عمر رضي الله عنه بعض من قتل في سبيل

(1) سورة البقرة من الآية (195) ..

(2)

أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في قوله تعالى:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (3/ 12)، والترمذي في سننه، في أبواب التفسير، باب ومن سورة البقرة (8/ 164) وهذا لفظه، وقال:«هذا حديث حسن غريب صحيح» ، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب التفسير، باب قوله تعالى:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (6/ 299)، والطيالسي في مسنده (ص 81 - 82)، والطبري في جامع البيان (3/ 323)، وابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 330)، وابن حبان في صحيحه كما في الإحسان (7/ 105)، والحاكم في المستدرك (2/ 275) وقال:«هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ، وانظر العجاب لابن حجر (ص 290).

(3)

البجلي الأحمسي الكوفي، اختلف في صحبته، يروي عن كبار الصحابة، وروى عنه قيس بن أبي حازم.

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 108)، والاستيعاب (10/ 56).

ص: 527

الله، وقالوا: قتل فلان وفلان، وآخرون لا نعرفهم، فقال عمر: لكن الله يعرفهم، فقالوا: ورجل اشترى نفسه، فقال مدرك بن عوف: ذاك والله خالي يا أمير المؤمنين، يزعم الناس أنه ألقى بيديه إلى التهلكة، فقال عمر: كذب أولئك، ولكنه من الذين اشتروا الآخرة بالدنيا (1).

وعن ابن عباس قال: «ليس التهلكة أن يقتل الرجل في سبيل الله، ولكن الإمساك عن النفقة في سبيل الله» (2).

وعنه قال: «ليس في القتال، ولكن حبسك النفقة في سبيل الله لأنه عرضةُ تهلكةٍ» (3).

وسأل رجل البراء بن عازب رضي الله عنه فقال: «أحمل على المشركين وحدي فيقتلوني أكنت ألقيت بيدي إلى التهلكة؟ ، فقال: لا، إنما التهلكة في النفقة، بعث الله رسوله فقال: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ}» (4).

(1) مصنف ابن أبي شيبة (5/ 303، 13/ 6)، والسنن الكبرى للبيهقي (9/ 46)، وعزاه ابن حجر في العجاب (ص 290) لعبد بن حميد وابن المنذر، وانظر فتح الباري (8/ 185).

(2)

جامع البيان (3/ 314)، والعجاب (ص 288).

(3)

جامع البيان (3/ 318).

(4)

سورة النساء من الآية (84)، والأثر في: جامع البيان (3/ 319 - 320)، والمستدرك (2/ 275)، وانظر في حكم إقحام الرجل نفسه في العدو وضوابطه في: الجامع لأحكام القرآن (1/ 737).

ص: 528

2 -

وعن عروة قال: «قلت لعائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذ حديث السن: أرأيت قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (1)، فلا أرى على أحد شيئاً ألا يطوف بهما؟ ، فقالت عائشة: كلا لو كانت كما تقول؛ كانت: فلا جناح عليه ألا يطوف بهما، إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار، كانوا يهلون لمناة، وكانت مناة حذو قديد (2)، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}» (3).

وتقدم أن عائشة رضي الله عنها ردت عليه فهمه لهذه الآية بسياقها، فاجتمع في نقدها الاستدلال بالسياق وسبب النزول.

3 -

وعن ابن عباس قال: «أتي برجل من المهاجرين الأولين وقد شرب، فأمر به عمر أن يجلد، فقال: لم تجلدني؟ ! بيني وبينك كتاب الله، فقال عمر: وأي

(1) سورة البقرة من الآية (158).

(2)

بضم القاف وفتح الدال المهملة؛ وادٍ كبير بين مكة والمدينة وهو أقرب إلى مكة، يبلغ طوله (150) كيلاً، انظر: معجم البلدان (4/ 313)، ومعجم الأمكنة الوارد ذكرها في صحيح البخاري (ص 359).

(3)

أخرجه البخاري في كتاب العمرة، باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج (2/ 202)، ومسلم في كتاب الحج (2/ 928) برقم (1277).

ص: 529

كتاب الله تجد ألا أجلدك؟ ، قال له: إن الله يقول في كتابه: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية (1)، فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً وأحداً والخندق والمشاهد، فقال عمر: ألا تردون عليه ما يقول، فقال ابن عباس: إن هؤلاء الآيات أنزلن عذراً للماضين وحجة على الباقين، فعذر الماضين بأنهم لقوا الله قبل أن تحرم عليهم الخمر، وحجة على الباقين لأن الله يقول:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} الآية (2)، ثم قرأ حتى أنفذ الآية الأخرى، فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات الآية، فإن الله قد نهاه أن يشرب الخمر، فقال عمر: صدقت»، القصة (3).

(1) سورة المائدة من الآية (93).

(2)

سورة المائدة من الآية (90).

(3)

هذه إحدى روايات القصة أخرجها: النسائي في السنن الكبرى (3/ 253)، والدارقطني في سننه (3/ 166) واللفظ له، والحاكم في المستدرك (4/ 375)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 320)، قال الحاكم:«هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.

وللقصة روايات أخرى انظرها في: مصنف عبد الرزاق (9/ 240)، والطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 408)، وأخبار المدينة لابن شبة (3/ 59 - 66)، والاستيعاب لابن عبد البر (9/ 147)، واختصرها البخاري في صحيحه، في كتاب المغازي، باب شهود الملائكة بدراً (5/ 18).

وقصة قدامة رضي الله عنه هذه وقعت في البحرين، ووقعت قصة أخرى في زمن عمر بالشام، فقد شرب نفر من أهل الشام الخمر، وعليهم يزيد بن أبي سفيان، فقالوا: هي لنا حلال، وتأولوا هذه الآية:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا} الآية، فكتب فيهم إلى عمر، فكتب عمر إليه أن ابعث بهم إلي قبل أن يفسدوا من قبلك، فلما أن قدموا على عمر استشار فيهم الناس، فقالوا: يا أمير المؤمنين نرى أنهم قد كذبوا على الله وشرعوا في دينه ما لم يأذن به. الموافقات (4/ 151) وعزاها لإسماعيل القاضي، وانظر مصنف عبد الرزاق (9/ 244).

ص: 530

قال الشاطبي: «في الحديث بيان أن الغفلة عن أسباب النزول تؤدي إلى الخروج عن المقصود بالآيات» (1).

وقال الزركشي: «حُكي عن قدامة بن مظعون، وعمرو بن معد يكرب (2) أنهما كانا يقولان: الخمرُ مباحة، ويحتجان بهذه الآية، وخفي عليهما سبب نزولها فإنه يمنع من ذلك، وهو ما قاله الحسن وغيره: لما نزل تحريم الخمر قالوا: كيف بإخواننا الذين ماتوا وهى في بطونهم، وقد أخبر الله أنها رجس، فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ}» (3).

وما نقله الزركشي عن الحسن وغيره أشار إليه ابن عباس في رده على قدامة، وجاء عنه صراحة في روايات أخرى، فعنه قال في قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ

(1) الموافقات (4/ 151).

(2)

هو أبو ثور عمرو بن معد يكرب بن عبد الله الزبيدي المذحجي، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مع وفد قومه، وارتد بعد وفاته مع الأسود العنسي، ثم عاد إلى الإسلام، وكان له بلاء حسن في فتوح العراق، قيل مات يوم القادسية، وقيل بعد نهاوند سنة (21).

انظر: الاستيعاب (9/ 7)، والإصابة (7/ 144).

(3)

البرهان (1/ 122).

ص: 531

آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}: «يعني بذلك رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ماتوا وهم يشربون الخمر قبل أن تحرم الخمر، فلم يكن عليهم فيها جناح قبل أن تحرم، فلما حرمت قالوا: كيف تكون علينا حراماً، وقد مات إخواننا وهم يشربونها؟ ، فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، يقول: ليس عليهم حرج فيما كانوا يشربون قبل أن أحرمها إذا كانوا محسنين متقين {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}» (1).

4 -

وقال مروان لبوابه رافع (2): «اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل: لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى، وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً، لنعذبن أجمعون، فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية؟ ، إنما أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب، ثم تلا ابن عباس:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} هذه الآية، وتلا ابن عباس: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا

(1) جامع البيان (8/ 669)، والمستدرك (4/ 143) قال الحاكم:«هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي، وجاء عن أنس رضي الله عنه ما يوافق كلام ابن عباس في سبب نزول الآية، فعنه قال:«كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت، قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة، فقال بعض القوم: قد قتل قوم وهي في بطونهم، فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية» . صحيح البخاري، كتاب المظالم، باب صب الخمر في الطريق (3/ 102)، وصحيح مسلم كتاب الأشربة (3/ 1570) برقم (1980).

(2)

له ترجمة مختصرة جداً في تهذيب التهذيب (1/ 586).

ص: 532

لَمْ يَفْعَلُوا} (1)، وقال: سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكتموه إياه وأخبروه بغيره، فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه» (2).

قال الشاطبي: «فهذا السبب بين أن المقصود من الآية غير ما ظهر لمروان» (3).

5 -

وسئل الشعبي عن قوله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (4)، فقيل له: «تزعم الخوارج أنها في الأمراء؟ ، قال: كذبوا إنما أنزلت هذه الآية في المشركين كانوا يخاصمون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون: أما ما قتل الله فلا تأكلوا منه - يعني الميتة - وأما ما قتلتم أنتم فتأكلون منه، فأنزل الله:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} إلى قوله: {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} ، قال: لئن أكلتم الميتة وأطعتموهم إنكم

(1) سورة آل عمران من الآيتين (187، 188).

(2)

الحديث أخرجه البخاري في كتاب التفسير، باب {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} (5/ 174)، ومسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (4/ 2143) برقم (2778) واللفظ له، وكان مروان سأل أبا سعيد الخدري عن هذه الآية، فأجابه بأنها نزلت في قوم من المنافقين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأل أيضاً رافع بن خديج، فأجابه بنحو جواب أبي سعيد، قال ابن حجر:«فكأن مروان أراد زيادة الاستظهار، فأرسل بوابه رافعاً إلى ابن عباس يسأله عن ذلك» ، انظر: فتح الباري (8/ 234)، والدر المنثور (1/ 108).

(3)

الموافقات (4/ 150).

(4)

سورة الأنعام من الآية (121).

ص: 533

لمشركون» (1).

* ومما يدخل في أسباب النزول أن ينتقد شخص في قوله: إن آية كذا نزلت

(1) تفسير ابن أبي حاتم (4/ 1380)، والسبب الذي ذكره الشعبي مرسل، وقد جاء موصولاً عن ابن عباس رضي الله عنهما فإنه قال:«جادل المشركون المسلمين، فقالوا: ما بال ما قتل الله لا تأكلونه، وما قتلتم أنتم أكلتموه، وأنتم تتبعون أمر الله؟ ! ، فأنزل الله: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} إلى آخر الآية» . سنن أبي داود، كتاب الأضاحي، باب في ذبائح أهل الكتاب (3/ 101)، وسنن الترمذي، أبواب التفسير، باب ومن سورة الأنعام (8/ 230)، وسنن ابن ماجه، كتاب الذبائح، باب التسمية عند الذبح (2/ 1059)، وجامع البيان (9/ 523) واللفظ له.

ومن الشواهد على النقد بأسباب النزول:

انتقاد ابن مسعود لمن فسر الدخان في قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان آية 10] بأنه يأتي يوم القيامة، وتقدم (ص 381).

وانتقاد ابن عباس لمن فهم من قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور من الآية 3]، عدم جواز زواج الرجل من المرأة التي زنى بها، انظر: تفسير ابن أبي حاتم (8/ 2521)، والدر المنثور (5/ 20).

وانتقاد عبد الله بن مغفل رضي الله عنه لمن فهم وجوب الإنصات لكل من سمع القرآن يُقرأ من قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف من الآية 204]، تفسير ابن أبي حاتم (5/ 1646).

وانظر شواهد أخرى في: جامع البيان (8/ 461، 11/ 302، 21/ 15)، والدر المنثور (3/ 207، 292).

ص: 534

في فلان، وهذا مصدره النقل (1)، ومن شواهده:

1 -

عن يوسف بن ماهك (2) قال: «كان مروان على الحجاز، استعمله معاوية، فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية؛ لكي يبايع له بعد أبيه، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه شيئاً، فقال: خذوه، فدخل بيت عائشة رضي الله عنها فلم يقدروا عليه، فقال مروان: إن هذا الذي أنزل الله فيه {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي} (3)، فقالت عائشة رضي الله عنها من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن إلا أن الله أنزل عذري» (4).

وفي رواية عنها قالت: «يا مروان، أنت القائل لعبد الرحمن كذا وكذا؟

(1) أشار إليه الزركشي في البرهان (1/ 128) في نهاية كلامه عن أسباب النزول، وأفرده السيوطي في الإتقان (2/ 192) بنوع خاص سماه:"أسماء من نزل فيهم القرآن"، وذكر أن كتب أسباب النزول تغني عنه، وذكر الزرقاني في مناهل العرفان (1/ 106) أن من فوائد أسباب النزول معرفة من نزلت فيه الآية على التعيين.

(2)

ابن بُهزاد الفارسي المكي، يروي عن أبي هريرة وحكيم بن حزام، وعنه عطاء وأيوب وحميد الطويل، وحديثه في الكتب الستة، توفي بمكة سنة (103) وقيل غير ذلك.

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 346)، والثقات لابن حبان (5/ 549)، وتهذيب التهذيب (4/ 459).

(3)

سورة الأحقاف من الآية (17).

(4)

صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي} (6/ 42).

ص: 535

كذبت، ما فيه نزلت، ولكن نزلت في فلان بن فلان، ثم انتحب مروان (1)، ثم نزل عن المنبر حتى أتى باب حجرتها، فجعل يكلمها حتى انصرف» (2).

ونُقل قول مروان عن السدي (3).

قال ابن كثير: «ومن زعم أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر فقوله ضعيف؛ لأن عبد الرحمن بن أبي بكر أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه، وكان من خيار أهل زمانه» (4).

2 -

وكتب عبد الملك بن مروان إلى عروة بن الزبير يسأله عن خويلة ابنة أوس بن الصامت التي ظاهر منها زوجها، فكتب إليه: «كتبت إلي تسألني عن خويلة ابنة أوس بن الصامت، وإنها ليست بابنة أوس بن الصامت، ولكنها امرأة

(1) انتحب أي: بكى بصوت، القاموس المحيط (ص 174) مادة "نحب".

(2)

تفسير القرآن العظيم لابن كثير (10/ 3295) وعزاه إلى ابن أبي حاتم، وفي السنن الكبرى للنسائي، في كتاب التفسير، باب قوله:{وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} (6/ 459) أن عائشة لما بلغها كلام مروان قالت: «كذب مروان! والله ما هو به، ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه لسميته» .

(3)

الدر المنثور (6/ 42) وعزاه إلى ابن أبي حاتم، وروى الطبري في جامع البيان (21/ 144) عن ابن عباس أنها نزلت في ابنٍ لأبي بكر رضي الله عنه، قال ابن كثير في تفسيره (7/ 266):«وفي صحة هذا نظر» .

(4)

تفسير القرآن العظيم (7/ 266).

ص: 536

أوس، وكان أوس (1)

امرأً به لمم، وكان إذا اشتد به لممه تظاهر منها، وإذا ذهب عنه لممه لم يقل من ذلك شيئاً، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستفتيه وتشتكي إلى الله، فأنزل الله ما سمعت، وذلك شأنهما» (2).

ولم يصرح عروة باسمها، واكتفى بأنها امرأة أوس، ووقع في بعض الروايات عنه عن عائشة أنها خولة بنت ثعلبة (3)، وحكى ابن حجر أن الروايات

(1) هو أوس بن الصامت بن قيس الخزرجي الأنصاري، أخو عبادة بن الصامت، شهد بدراً والمشاهد، وهو أول من ظاهر في الإسلام، وكان به لمم، توفي في خلافة عثمان؛ قيل سنة (34)، وله (72) سنة.

انظر: الاستيعاب (1/ 220)، والإصابة (1/ 137).

(2)

جامع البيان (22/ 453)، وهذا السبب مرسل، وقد وصله عروة عن عائشة في: مسند أحمد (6/ 46)، وسنن أبي داود، كتاب الطلاق، باب الظهار (2/ 267)، وسنن النسائي، كتاب الطلاق، باب الظهار (6/ 168)، وسنن النسائي الكبرى، كتاب التفسير، سورة المجادلة (6/ 482)، وسنن ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب الظهار (1/ 666)، وجامع البيان (22/ 454)، والمستدرك (2/ 481)، ورواه البخاري مختصراً معلقاً بصيغة الجزم في كتاب التوحيد، باب {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (8/ 167).

(3)

كرواية النسائي وابن ماجه، وابن أبي حاتم، وحدثت خولة بنت ثعلبة بذلك كما في مسند الإمام أحمد (6/ 410)، وسنن أبي داود، كتاب الطلاق، باب الظهار (2/ 266).

وخولة هي بنت مالك بن ثعلبة بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف الأنصارية، ويقال: خولة بنت حكيم، أدركت زمن عمر. انظر: أسد الغابة (7/ 91)، والإصابة (12/ 231).

ص: 537

تظاهرت بذلك، وقد تصغر، فيقال: خويلة (1).

3 -

وعن الزهري قال: «كنت عند الوليد بن عبد الملك ليلة من الليالي، وهو يقرأ سورة النور مستلقياً، فلما بلغ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} حتى بلغ: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (2) جلس، ثم قال: يا أبا بكر، من تولى كبره؟ ؛ أليس علي بن أبي طالب؟ ، قلت في نفسي: ماذا أقول؟ ، لئن قلت: لا، لقد خشيت أن ألقى منه شراً، ولئن قلت: نعم، لقد جئت بأمر عظيم؛ قلت لرجل من أصحاب رسول الله ما لم يقل، ثم قلت في نفسي: لقد عودني الله على الصدق خيراً، لا يا أمير المؤمنين، قال: فضرب بقضيبه السرير مرتين أو ثلاثاً، ثم قال: فمن؟ ، حتى ردد ذلك مراراً، قلت: يا أمير المؤمنين؛ عبد الله بن أبي بن سلول» (3).

(1) انظر: فتح الباري (13/ 374)، والتلخيص الحبير (3/ 221)، وقيل في اسم المجادلة: جميلة، انظر الخلاف في: جامع البيان (22/ 446)، المحرر الوجيز (15/ 435)، والجامع لأحكام القرآن (7/ 6439).

(2)

سورة النور آية (11).

(3)

المعجم الكبير للطبراني (23/ 97)، والقصة في: المعرفة والتاريخ (1/ 393)، وحلية الأولياء (3/ 369)، وذكرها البخاري مختصرة في صحيحه، في كتاب المغازي، باب حديث الإفك (5/ 60)، وجاء عن الزهري أن هشام بن عبد الملك سأله هذا السؤال، وأجابه بنحو جوابه الوليد، انظر: تاريخ الإسلام للذهبي (حوادث سنة 121 - 140 ص 245)، وفتح الباري (7/ 437)، والدر المنثور (5/ 32 - 33).

وقد روى الزهري عن سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود كلهم عن عائشة رضي الله عنها أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول، انظر: صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب حديث الإفك (5/ 56)، وصحيح مسلم، كتاب التوبة (4/ 2131) برقم (2770).

ص: 538