الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيَّعَ يزيدَ بن أبي سُفْيان حين بعثَه إلى الشام، ويزيدُ راكبٌ وأبو بكرٍ رَضِىَ اللَّه عنه يمْشِى، فقال له يزيدُ: يا خليفةَ رسولِ اللَّه، إمَّا أنْ تَرْكَبَ، وإمَّا أنْ أنزِلَ أنا فأمْشِىَ معك. قال: لا أركبُ ولا تنزِلُ، إنَّنِى أحْتَسِبُ خُطاىَ هذه في سبيلِ اللَّه (12). وشيَّعَ أبو عبد اللَّه أبا الحارثِ الصَّائغَ ونَعْلاه في يَدَيْه، وذهبَ إلى فِعْلِ أبي بكرٍ، أراد أن تُغَبَّرَ قَدَماه في سبيلِ اللَّه. وقال: عن عَوْفٍ بن مالك الخَثْعَمِىّ، عن النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم:"مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ في سَبِيلِ اللهِ، حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ"(13). قال أحمد: ليس للخَثْعَمِىّ صُحْبةٌ، وهو قديمٌ.
1624 - مسألة؛ قال: (وَتَمَامُ الرِّباطِ أرْبَعُونَ يَوْمًا)
معنى الرِّباط: الإِقامةُ بالثَّغْر، مُقَوِّيا للمسلمين على الكُفّارِ. والثَّغْرُ: كلُّ مكانٍ يُخِيفُ أهلُه العدُوَّ ويُخيفُهم. وأَصْلُ الرِّباطِ من رِباطِ الخيلِ؛ لأنَّ هؤلاء يربُطُونَ خُيولَهم، وهؤلاء يرْبُطون خُيولَهم، كلٌّ يُعِدُّ لصاحبِه، فسُمِّى المُقامُ بالثُّغُورِ (1) رِباطًا وإن لم يكُنْ فيبما خيْلٌ. وفضلُه عظيمٌ، وأجرُه كبيرٌ. قال أحمد: ليس يَعْدِلُ الجهادَ عندى والرّباطَ شيءٌ، والرِّباطُ دفْعٌ عن المسلمين؛ وعن حَريمِهم، وقُوَّةٌ لأهْلِ الثَّغْرِ ولأهلِ الغَزْوِ، فالرباط عندى (2) أصلُ الجهادِ وفَرْعُه، والجهاد أفضلُ منه للعَناءِ والتَّعَبِ والمشَقَّةِ. وقد رُوِىَ في فضْل الرِّباطِ أخبارٌ؛ منها ما رَوَى سَلْمانُ، قال: سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "رِبَاطُ لَيْلَةٍ في سَبيل اللهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَام شَهْرٍ وقِيَامِهِ، قإنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِى كان (2) يَعْمَلُ، وأُجْرِىَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وأَمِنَ الفُتَّانَ". روَاه مُسلمٌ (3). وعن فَضالَةَ بن عُبَيْدٍ، أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ، إلَّا
(12) أخرجه الإِمام مالك، في: باب النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو، من كتاب الجهاد. الموطأ 2/ 447، 448. وسعيد بن منصور، في: باب ما يؤمر به الجيوش إذا خرجوا، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 148، 149. وعبد الرزاق، في: باب عقر الشجر بأرض العدو، من كتاب الجهاد. المصنف 5/ 199، 200، وابن أبي شيبة، في: باب من ينهى عن قتله في دار الحرب، من كتاب الجهاد 12/ 383، 384. والبيهقي، في: باب من ترك قتل من لا قتال فيه. . . من كتاب السير. السنن الكبرى 9/ 89 - 91.
(13)
أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند 5/ 226. عن مالك بن عبد اللَّه الخثعمى.
(1)
في أ، م:"بالثغر".
(2)
سقط من: م.
(3)
في: باب فضل الرباط في سبيل اللَّه عز وجل، من كتاب الإِمارة. صحيح مسلم 3/ 1520. كما أخرجه النسائي، في: باب فضل الرباط، من كتاب الجهاد. المجتبى 6/ 33. وابن ماجه، في: باب فضل الرباط في سبيل اللَّه، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 924. والإِمام أحمد، في: المسند 5/ 440، 441.
الْمُرَابِطُ في سَبِيلِ اللهِ، فَإنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ويُؤْمَنُ مِنْ فُتَّانِ القَبْرِ". روَاه أَبو داودَ، والتِّرْمِذِيُّ (4)، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وعن عثمانَ بن عفَّانَ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه قال على المِنْبر: إنِّي كنتُ كتَمْتُكم حديثًا سمعتُه من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، كراهِيَةَ تَفرُّقِكم عنِّى، ثم بَدَا لى أنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ، ليخْتارَ امرؤٌ منكم لنفسه، سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "رِبَاطُ يَوْمٍ في سَبِيلِ اللهِ، خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَنَازِلِ". روَاه أبو داودَ، والأَثْرَمُ، وغيرُهما (5). إذا ثَبَتَ هذا؛ فإنَّ الرِّباطُ يَقِلُّ ويكْثُرُ، فكلُّ مُدَّةٍ أقامَها بنِيَّةِ الرِّباطِ، فهو رِبَاطٌ قلَّ أو كثُرَ؛ ولهذا قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "رِبَاطُ يَوْمٍ"، و"رِبَاطُ لَيْلَةٍ". قال أحمد: يومٌ رِبَاطٌ، وليلةٌ رِبَاطٌ، وساعةٌ رِبَاطٌ. وقال، عن أبي هُرَيْرَةَ: مَنْ (6) رَابَطَ يَوْمًا في سَبِيلِ اللهِ، كُتِبَ (7) لَهُ أجْرُ الصَّائِمِ والْقَائِمِ (8)، وَمَنْ زَادَ، زَادَهُ اللهُ (9). وروَى سعيد بن منصورٍ (10)، بإسْنادِه عن عَطاء الخُرَاسانِىِّ، عن أبي هُرَيْرَةَ قال (11): رِبَاطُ يَوْمٍ في سَبِيلِ اللهِ، أحَبُّ إلَىَّ مِنْ أنْ أُوَافِقَ لَيْلَةَ القَدْرِ فِي أحَدِ الْمَسْجِدَيْنِ؛ مَسْجِدِ الْحَرامِ، أو مَسْجِدِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، ومن رابَطَ أربعين يومًا، فقد اسْتَكْملَ الرِّباطَ. وتَمامُ الرِّباطِ أربعون يومًا. رُوِىَ ذلكَ عن أبي
(4) أخرجه أبو داود، في: باب فضل الرباط، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود 2/ 9. والترمذي، في: باب ما جاء في فضل من مات مرابطا، من أبواب فضائل الجهاد. عارضة الأحوذي 7/ 123.
كما أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند 6/ 20.
(5)
في م: "وغيرهم". ولم نجد الحديث في سنن أبي داود، وأخرجه الترمذي، في: باب فضل المرابط، من كتاب فضائل الجهاد. عارضة الأحوذي 7/ 163. والنسائي، في: باب فضل الرباط، من كتاب الجهاد. المجتبى 6/ 33، 34. وابن ماجه، في: باب فضل الرباط في سبيل اللَّه، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 924. والدارمي، في: باب فضل من رابط يوما وليلة، من كتاب الجهاد. سنن الدارمي 2/ 211. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 61، 64، 65، 75.
(6)
في م: "ومن".
(7)
بعد هذا في اورد لفظ الجلالة.
(8)
في أ، م:"القائم".
(9)
أخرج السيوطي نحوه عن غير أبي هريرة. انظر: الجامع الكبير 1/ 779.
(10)
في: باب ما جاء في فضل الرباط، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 159.
كما أخرج بعضه عبد الرزاق، في: باب الرباط، من كتاب الجهاد. المصنف 5/ 281.
(11)
سقط من: م.