الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فمتى عَرَضَ اشْتَغَلُوا به، أُسْهِمَ لهم؛ لأنَّهم فى الجهادِ بمنزلَةِ غيرِهم، وإنَّما يَشْتَغِلُون بغيرِه عندَ فَراغِهم منه.
فصل:
إذا دَخَلَ قومٌ لا مَنَعَةَ لهم دارَ الحَرْبِ، بغيرِ إِذْنِ الإِمامِ، فغَنِمُوا، فعَن أحمد فيه ثلاثُ رواياتٍ؛ إحداهُنَّ، أنَّ (27) غَنِيمَتَهم كغَنِيمَةِ غيرِهم، يُخَمِّسُه الإِمامُ، ويَقْسِمُ باقيَه بَيْنَهم. وهذا قولُ أَكثرِ أهلِ العلمِ، منهم الشافِعِىُّ؛ لعمومِ قولِه سبحانه:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} (28). الآية. والقياسُ على ما إِذا دَخَلُوا بإِذْنِ الإِمامِ. والثانِيَةُ، هو لهم مِنْ غيرِ أَنْ يُخَمَّسَ. وهو قولُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّه اكْتِسابٌ مُباحٌ من غيرِ جهادٍ، فكان لهم، فأشْبَهَ (29) الاحْتِطابَ (30)، فإنَّ الجهادَ إنَّما يكونُ بإذْنِ الإِمامِ، أو من طائِفَةٍ لهم مَنَعَةٌ وقُوَّةٌ، فأمَّا هذا فَتَلَصُّصٌ وسَرِقَةٌ ومُجرَّدُ اكْتِساب. والثالثة، أنَّه لا حَقَّ لهم فيه. قال أحمد، فى عَبْدٍ أَبَقَ إلى الرُّومِ، ثمَّ رجَعَ ومعه مَتاعٌ: فالعَبْدُ لموْلاهُ، وما مَعَه من الْمَتاعِ والمالِ فهو للمسلمين؛ لأنَّهم عُصاةٌ بِفِعْلِهم، فلم يكُنْ لهم فيه حَقٌّ. والأُولَى (31) أوْلَى. قال الأوزاعِىُّ: لمَّا أقْفَلَ عمرُ بن عبد العزيز الجيشَ الذى كانُوا (32) مع مَسْلَمَة، كُسِرَ مَرْكَبُ بعضِهم، فأخذَ المشركون ناسًا من القِبْطِ، فكانُوا خَدَمًا لهم، فخرَجُوا يومًا إلى عِيدٍ لهم، وخَلَّفُوا القِبْطَ فى مَرْكَبِهم، وشَرِبَ الآخَرُون، ورَفَعَ القِبْطُ القِلَعَ [وفى المَرْكَبِ](33) مَتاعُ الآخَرِينَ وسلاحُهم، فلم يضَعُوا قِلَعَهم حتَّى أَتَوْا بيروتَ، فكُتِبَ فى ذلك إلى عمرَ بن عبد العزيز، فكتَبَ عمرُ: نَفِّلُوهم القِلَعَ وكلَّ شىءٍ جاءُوا به إلَّا الخُمْسَ. روَاه سعيدٌ، والأَثْرَمُ (34). وإِنْ كانت الطائِفَةُ ذاتَ مَنَعَةٍ،
(27) سقط من: ب.
(28)
سورة الأنفال 41.
(29)
فى أ، ب، م:"أشبه".
(30)
فى أ، ب:"كالاحتطاب".
(31)
فى أ: "والأول".
(32)
فى م: "كان".
(33)
سقط من: الأصل.
(34)
أخرجه سعيد، فى: باب ما يخمس فى النفل، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 264.
غَزَوْا بغيرِ إذْنِ الإِمامِ، ففيهم (35) رِوايتان؛ إحداهُما، لا شىءَ لهم، وهو فَىْءٌ للمسلمين. والثانيةُ، يُخَمَّسُ، والباقى لهم. وهذه (36) أَصَحُّ. ووَجْهُ الرِّوايَتَيْن ما تَقَدَّمَ. ويُخَرَّجُ فيه وَجْهٌ كالرِّوايَةِ الثالثة، وهو أَنَّ الجميعَ (37) لهم من غيرِ خُمْسٍ؛ لكونِه [اكْتِسابًا مباحًا](38) من غيرِ جهادٍ.
1677 -
مسألة؛ قال: (وَمَنْ غَلَّ [مِنَ الْغنِيمَةِ] (1)، حُرِّقَ رَحْلُهُ كُلُّهُ، إلَّا الْمُصْحَفَ، وَمَا فِيهِ رُوحٌ)
الغَالُّ: هو الذى يكْتُمُ ما يَأْخُذُه (2) من الغَنِيمَةِ، فلا يُطْلِعُ الإِمامَ عليه، ولا يضَعُه مع الْغَنِيمَةِ، فحُكْمُه أَنْ يُحَرَّقَ رَحْلُهُ كلُّه. وبهذا قال الحَسَنُ، وفُقَهاءُ الشامِ، منهم مَكْحُولٌ، والأوْزاعِىُّ، والوليدُ بن هِشام، ويزيدُ بنُ يزيدَ بنِ جابِر. وأُتِىَ سعيدُ بنُ عبدِ الملك بِغَالٍّ، فجمَعَ مالَه وأحْرَقَه، وعمرُ بنُ عبد العزيز خاضِرٌ ذلك، فلم يَعِبْهُ. وقال يزيدُ ابن يزيدَ بنِ جابِر: السُّنَّةُ فى الذى يَغُلُّ، أَنْ يُحَرَّقَ رَحْلُه (3). روَاهما سعيدٌ، فى "سُنَنِه"(4). وقال مالِكٌ، واللَّيْثُ، والشافِعِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْى: لا يُحَرَّقُ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لم يُحَرِّقْ، فإنّ عبدَ اللَّهِ بن عمرٍو (5) رَوَى، أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا أصابَ غنيمةً، أمرَ بلالًا فنادَى فى الناسِ، فيجيئُون بغَنائِمِهم، فيُخَمِّسُه، ويَقْسِمُه، فجاءَ رجلٌ بعد ذلك بزِمام من شَعَرٍ، فقال: يا رسولَ اللَّه، هذا فيما كُنَّا أصَبْنا من الْغَنِيمَةِ. فقال:"سَمِعْتَ بِلَالًا نَادَى ثَلَاثًا؟ ". قال: نعم. قالْ: "فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَجِىءَ بِهِ؟ ".
(35) فى م: "ففيه".
(36)
فى م: "وهذا".
(37)
فى أ، ب:"الجمع".
(38)
فى النسخ: "اكتساب مباح".
(1)
سقط من: أ.
(2)
فى ب: "أخذه".
(3)
سقط من: ب.
(4)
أخرج الأول سعيد بن منصور، فى: باب ما جاء فى عقوبة من غل، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 270. ولم نجد الثانى فيه.
(5)
فى م: "عمر" خطأ.
فاعْتَذَرَ، فقال:"كُنْ (6) أنْتَ تَجىءُ بِهِ يَوْمَ الْقيامَةِ، فَلَنْ أقْبَلَهُ عَنْكَ (7) ". أَخْرَجَه أبو داوُدَ (8). ولأنَّ إحْراقَ الْمَتاعِ إضاعَةٌ له، وقد نَهَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عن إضاعَةِ المالِ. ولَنا؛ ما رَوَى صالحُ بنُ محمد بن زائِدةَ (9)، قال: دَخَلْتُ مع مَسْلَمَةَ أرْضَ الرُّومِ، فأُتِىَ برَجُلٍ قد غَلَّ، فسألَ (10) سالمًا عنه، فقال: سَمِعْتُ أبى يُحدِّثُ عن عمرَ بنِ الخَطَّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إذَا وَجَدْتُمُ الرَّجُلَ قَدْ غَلَّ، فَاحْرِقُوا مَتَاعَهُ، واضْرِبُوهُ". قال: فوَجَدْنا فى مَتاعِه مُصْحَفًا، فسأل سالمًا عنه، فقال: بِعْهُ، وتَصَدَّقْ بثَمَنِه (11). أَخْرَجَه سعيدٌ، وأبو داوُدَ، والأَثْرَمُ (12)، ورَوَى عَمْرُو بن شُعَيْبٍ، عن أبِيه، عن جَدِّه، أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبا بُكَرٍ وعمرَ أحْرَقُوا متاعَ الغَالِّ (13). فأمَّا حَدِيثُهم، فلا حُجَّةَ لهم فيه، فإنَّ الرَّجُلَ لم يعْتَرِفْ أنَّه أخَذَ ما أخَذَه على سبيلِ الغُلولِ، ولا أخَذَه لنَفْسِه، وإنَّما تَوانَى فى الْمَجىءِ به، وليس الخلافُ فيه، ولأنَّ الرجُلَ جاءَ به من عِنْد نَفْسِه تائِبًا مُعْتَذِرًا، والتَّوْبَةُ تجُبُّ ما قَبْلَها، وَتَمْحُو الحَوْبَةَ. وأمَّا النَّهْىُ عن إضاعَةِ المالِ، فإنَّما نُهِىَ عنه إذا لم تكُنْ فيه مصلحَةٌ، فأمَّا إذا كان فيه مَصْلحةٌ، فلا بأسَ به، ولا يُعَدُّ تَضْيِيعًا، كإلقاءِ الْمَتاعِ فى البحْرِ إذا خِيفَ الغَرَقُ، وقَطْعُ يدِ العَبْدِ السارِقِ، مع أَنَّ المالَ لا تكادُ المصلحَةُ تحصلُ به إلَّا بذهابِه، فأكْلُه إتْلافُه، وإنْفاقُه إذْهابُه، ولا يُعَدُّ شىءٌ من ذلك
(6) سقط من: أ.
(7)
فى م: "منك".
(8)
فى: باب فى الغلول إذا كان يسيرا. . .، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 63.
(9)
فى أ: "زيادة". وفى م: "زرارة".
(10)
أى مسلمة.
(11)
فى ب: "عنه".
(12)
أخرجه سعيد بن منصور، فى: باب فى عقوبة من غل، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 269. وأبو داود، فى: باب فى عقوبة الغال، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 63.
كما أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى الغال ما يُصنع به، من أبواب الحدود. عارضة الأحوذى 6/ 247. والدارمى، فى: باب فى عقوبة الغال، من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 231.
(13)
أخرجه البيهقى، فى: باب لا يقطع من غلّ. . .، ولا يحرق. ومن قال: يحرق، من كتاب السير. السنن الكبرى 9/ 102. وابن أبى شيبة، فى: باب الرجل يوجد عنده الغلول، من كتاب الجهاد. المصنف 12/ 496.