الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن الوليد، فغلَّ رجلٌ مائَةَ دينارٍ، [فلمَّا قُسِمَتِ الغَنِيمةُ، وتَفَرَّقَ الناسُ، نَدِمَ، فأَتَى عبدَ الرحمنِ، فقال: قد غَلَلْتُ مائةَ دينارٍ](27)، فاقْبِضْها. قال: قد تفرَّقَ الناسُ، فلَنْ أقْبِضَها منكَ حَتَّى تُوافِىَ اللَّهَ بها يومَ القيامَةِ. فأَتَى مُعاوِيَةَ، فذكَرَ ذلك له، فقال له مثلَ ذلك. فخَرَجَ وهو يبْكِى، فمَرَّ بعبدِ اللَّهِ بن الشاعر السَّكْسَكِىِّ، فقال: ما يُبْكِيكَ؟ فأَخْبَرَه، فقال:{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (28)، أَمُطِيعِى أنْتَ يا عبدَ اللَّهِ؟ قال: نعم. قال: فانْطَلِقْ إلى مُعاوِيَةَ فقُلْ له: خُذْ مِنِّى خُمْسَك، فأعْطِه عشرين دينارًا، وانْظُرْ إلى الثمانين الباقيةِ، فتَصَدَّقْ بها عن ذلك الجيشِ، إنَّ اللَّه تعالى يَعْلَمُ أسماءَهم ومَكانَهم، وإنَّ اللَّه يقبلُ التَّوْبَةَ عن عبادِه. فقال مُعاوية: أَحْسَن واللَّهِ، لَأَنَّ أكونَ أنا أَفْتَيْتُه بهذا أحبُّ إلىَّ من أَنْ يكونَ لى مثلُ (29) كلِّ شىءٍ امْتلَكْتُ (30). وعن ابن مسعودٍ، أنَّه رَأَى أَنْ يُتَصَدَّقَ بالمالِ الذى لا يُعْرَفُ صاحِبُه. وقال الشافِعِىُّ: لا أعرفُ للصَّدَقَةِ (31) وَجْهًا، وقد جاءَ فى حديث الغالِّ، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم[قال له] (32):"لَا أَقْبَلُهُ مِنْكَ، حَتَّى تَجِىءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". ولَنا، قولُ مَنْ ذَكَرْنا من الصَّحابَةِ ومَنْ بعدَهم، ولم نَعْرِفْ لهم مُخالِفًا فى عَصْرِهم، فيكونُ إجماعًا، ولأنَّ تَرْكَه تَضْييعٌ له، وتَعْطيلٌ لِمَنْفَعَتِه التى خُلِقَ لها، ولا يتخفّفُ بِه شىءٌ من إثْمِ الغَالِّ، وفى الصَّدَقةِ به (33) نَفْعٌ لمَنْ يصلُ إليه من المساكين، وما يحْصُلُ من أجْرِ الصَّدَقَة يصِلُ إلى صاحِبِه، فيذْهَبُ به الإثمُ عن الغَالِّ، فيكونُ أَوْلَى.
1678 - مسألة؛ قال: (ولا يُقامُ الْحَدُّ عَلَى مُسْلِمٍ فِى أرْضِ الْعَدُوِّ)
وجُمْلَتُه أَنَّ مَنْ أَتَى حَدًّا من الغُزاةِ، أو ما يُوجِبُ قِصاصًا، فى أرْضِ الحَرْبِ، لم يُقَمْ
(27) سقط من: ب. نقل نظر.
(28)
سورة البقرة 156.
(29)
سقط من: أ.
(30)
فى ب: "أملكت".
(31)
فى ب: "الصدقة".
(32)
سقط من: م.
(33)
سقط من: م.
عليه حَتَّى يقْفُلَ، فيُقامَ عليه حَدُّه. وبهذا قال الأوْزاعِىُّ، وإسحاقُ. وقال مالِكٌ، والشافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ: يُقامُ الحَدُّ فى كلِّ مَوْضِعٍ؛ لأَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تعالى بإقامَتِه مُطْلَقٌ فى كلِّ مكانٍ وزمانٍ، إلَّا أنَّ الشافِعِىَّ قال: إذا لم يكُنْ أميرُ الجيشِ الإِمامَ، أو أميرَ إقْليمٍ، فليس له إقامَةُ الحَدِّ، ويُؤَخَّرُ حَتَّى يأتِىَ الإِمامَ؛ لأنَّ إقامَةَ الحدودِ إليه، وكذلك إنْ كان بالمسلمين حاجَةٌ إلى المَحْدُودِ، أو قوَّةٌ به، أو شُغْلٌ عنه، أُخِّرَ. وقال أبو حَنِيفة: لا حَدَّ ولا قِصاصَ فى دارِ الحَرْبِ، ولا إذا رَجَعَ. ولَنا، على وُجُوبِ الحَدِّ، أَمْرُ اللَّهِ تعالى ورَسُولِه به، وعلى تَأْخيرِه، ما رَوَى بُسْرُ بن (1) أرْطاةَ، أنَّه أُتِىَ برجلٍ فى الغَزاةِ قد (2) سَرَقَ بُخْتِيَّةً (3)، فقال: لولا أنِّى سمِعْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِى فِى الْغَزَاةِ" لقَطَعْتُكَ. أخرَجَه أبو داوُدَ، وغيرُه (4). ولأنَّه إجْماعُ الصَّحابَةِ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم. ورَوَى سعيدٌ، فى "سُنَنِه"(5)، بإسْنادِه عن الأَحْوَصِ بن حَكِيمٍ، عن أبيه، أَنَّ عمرَ كتبَ إلى الناسِ، أَنْ لا يَجْلِدَنَّ أميرُ جيشٍ ولا سَرِيَّةٍ ولا رَجُلًا من المسلمين حَدًّا، وهو غازٍ، حتَّى يقْطعَ الدَّرْبَ قافِلًا، لئلَّا تَلْحَقَه حَمِيَّةُ الشيطانِ، فيَلْحَقَ بالكُفَّارِ. وعن أبى الدَّرْداءِ مثلُ ذلك. وعن عَلْقَمَةَ، قال: كُنَّا فى جيشٍ فى أرضِ الرُّومِ، ومَعنا حُذَيْفَة بن الْيَمان، وعلينا الوليدُ بنُ عُقْبةَ، فشَرِبَ (6) الخمرَ، فأرَدْنا أَنْ نَحُدَّه، فقال حُذَيْفَةُ: أتَحُدُّونَ أميرَكم وقَدْ دَنَوْتُم من عَدُوِّكم، فيَطْمَعُوا فيكم (7). وأُتِىَ سعدٌ بأبى مِحْجَنٍ يومَ القادِسِيَّةِ، وقد شَرِبَ الخمرَ، فأمَرَ به إلى القَيْدِ، فلمَّا الْتَقَى الناسُ قال أبو مِحْجَنٍ:
(1) فى الأصل، ب زيادة:"أبى". وفى م زيادة: "أبا".
(2)
فى أ، ب:"وقد".
(3)
البختية من الإبل: الخراسانية.
(4)
أخرجه أبو داود، فى: باب الرجل يسرق فى الغزو، أيقطع؟ ، من كتاب الحدود. سنن أبى داود 2/ 453. والترمذى، فى: باب ما جاء أن لا تقطع الأيدى فى الغزو، من أبواب الحدود. عارضة الأحوذى 6/ 231. والدارمى، فى: باب فى أن لا يقطع الأيدى فى الغزو، سنن الدارمى 2/ 231.
(5)
فى: باب كراهية إقامة الحدود فى أرض العدو، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 196.
كما أخرجه عبد الرزاق، فى: باب هل يقام الحد على المسلم فى بلاد العدو؟ ، من كتاب الجهاد. المصنف 5/ 197. وابن أبى شيبة، فى: باب فى إقامة الحد على الرجل فى أرض العدو، من كتاب الحدود. المصنف 10/ 103.
(6)
فى ب: "يشرب".
(7)
أخرجه سعيد، فى الباب السابق. السنن 2/ 197. وعبد الرزاق، فى: الباب السابق. المصنف 5/ 198.