الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1637 - مسألة؛ قال: (ويُنَفِّلُ الْإِمَامُ ومَن اسْتَحْلَفَهُ الْإمَامُ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في بَدْأَتِهِ الرُّبْعَ بَعْدَ الخَمْسِ، وفِي رَجْعَتِهِ الثُّلْثَ بَعْدَ الْخُمْسِ)
النَّفَلُ: زيادةٌ تُزادُ على سَهْمِ الغازِى، ومنه نفلُ الصلاةِ، وهو ما زِيدَ على الفَرْضِ، وقولُ اللَّه تعالَى:{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} (1). كأنَّه سألَ اللهَ ولدًا، فأعْطاهُ ما سأَلَ وزادَه ولدَ الْوَلَدِ، والمرادُ بالبِدايَةِ ههُنا، ابْتِداءُ دُخولِ دارِ (2) الحَرْبِ، والرَّجْعَةِ رُجُوعُه عنها. والنَّفَلُ في الغَزْو ينْقَسِمُ ثلاثةَ أقسامٍ؛ أحدُها، هذا الذي ذكَرَه (3) الْخِرَقِىُّ، وهو أنَّ الإِمامَ أو نائِبَه إذا دخلَ دارَ الحَرْبِ غازيًا، بعَثَ بيْنَ يدَيْهِ سَرِيَّةً تُغِيرُ على العَدُوِّ، ويَجْعَلُ لهم الرُّبْعَ بَعد الْخُمْسِ، فما قَدِمَتْ به (4) السَّرِيَّةُ من شيءٍ، أخْرَجَ خُمْسَهُ، ثمّ أعْطَى السَّرِيَّةَ ما جَعَلَ لهم، وهو رُبْعُ الباقى، وذلك خُمْسٌ آخَرُ، ثم قسَم ما بَقِىَ في الجيشِ والسَّرِيَّةُ معه. فإذا قَفَلَ، بعَثَ سَرِيَّةً تُغِيرُ، وجعَلَ لهم الثُّلْثَ بعد الخُمْسِ، فما قَدِمَت به السَّرِيَّةُ، أخْرَجَ خُمْسَه، ثمّ أعْطَى السَّرِيَّةَ ثُلثَ ما بَقِى، ثم قسَمَ سائِرَه في الجيش والسَّرِيَّةِ معه. وبهذا قال حبيبُ بن مَسْلَمَة، والحَسَنُ، والأَوْزاعِىّ، وجماعةٌ، ويُروَى عن عَمْرٍو بن شُعَيْبٍ، أنَّه قال: لا نَفَلَ بعدَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم. ولعَلَّه يحتَجُّ بقولِه تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} (5). فخَصَّه بها، وكان سعيدُ بن المُسَيَّب ومالِكٌ يقولان: لا نَفَلَ إلَّا من الْخُمْسِ. وقال الشافِعِىُّ: يُخْرَجُ من خُمْسِ الخُمْسِ؛ لما روَى ابنُ عمرَ، أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم بعَثَ سرِيَّةً فيها عبدُ اللَّه بنِ عمرَ، فغنِمُوا إبِلًا كثيرةً، فكانت سُهْمانُهم اثْنَىْ عشرَ بعيرًا، وَنُفِّلُوا بعيرًا بعيرًا. مُتَّفَقٌ عليه (6). ولو أعْطاهم من أربعةِ الأخْماسِ التي هي لهم، لم يكُنْ نَفَلًا، وكان من
(1) سورة الأنبياء 72.
(2)
سقط من: م.
(3)
في الأصل: "ذكر". وفى ا: "ذكرها".
(4)
سقط من: الأصل.
(5)
سورة الأنفال 1.
(6)
أخرجه البخاري، في: باب السرية التي قِبَلَ نجد، من كتاب المغازى. صحيح البخاري 5/ 203. ومسلم، =
سِهامِهم. ولَنا، ما رَوَى حبيبُ بن مَسْلَمَة الفِهْرِىُّ، قال: شَهِدْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم نَفَّلَ الرُّبْعَ في البَداءةِ، والثُّلثَ في الرَّجْعَةِ. وفى لفْظٍ: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يُنَفِّلُ الرُّبْعَ بعدَ الخُمْسِ، والثُّلثَ بعد الْخُمْسِ إذا قَفَلَ. رَواهما أبو داودَ (7)؛ وعن عُبادَةَ بن الصَّامِتِ، أنّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كان يُنَفِّلُ في الْبَداءةِ الرُّبعَ، وفى الْقُفُولِ الثُّلثَ. روَاه التِّرْمِذِىُّ (8)، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وفى لفظٍ: قال: كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُنَفِّلُهم إذا خَرَجُوا بادِينَ الرُّبعَ، ويُنَفِّلُهم إذا قَفَلُوا الثُّلثَ. روَاه الخَلَّالُ بإسْنادِه. وروَى الأثْرَمُ، بإسْنادِه عن جَرِيرٍ بن عبد اللَّه البَجَلِىِّ، أنَّه لمَّا قدِمَ على عمرَ في قَوْمِه، قال له عمرُ: هل لكَ أنْ تأتِىَ الكُوفةَ، ولك الثُّلثُ بعدَ الخُمْسِ من كلِّ أرضٍ وشىءٍ؟ وذكَره ابنُ المُنْذِرِ أيضًا عن عمرَ. وقال إبراهيمُ النَّخَعِىُّ: يُنَفِّلُ السَّرِيَّةَ الثُّلثَ والرُّبعَ، يُغْرِيهم (9) بذلك. فأمَّا قولُ عمرِو بن شُعَيْبٍ، فإنَّ مَكْحُولًا قال له حين قال: لا نَفَلَ بعدَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم. وذكرَ له حديثَ حَبِيبِ بن مَسْلَمة: شَغَلَك أكْلُ الزَّبِيبِ بالطَّائِفِ. وما ثَبَتَ للنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، ثبَتَ للأَئِمَّةِ بعدَه، ما لم يقُمْ على تَخْصِيصِه به دليلٌ. فأمَّا حديثُ ابنِ عمرَ، فهو حُجَّةٌ عليهم، فإنَّ بعيرًا على اثْنَى عشرَ، يكونُ جزءًا من ثلاثةَ عشرَ، وخُمْسُ الخُمْسِ جزءٌ من خمسةٍ وعشرين، وجزءٌ من ثلاثةَ عشرَ أكثرُ، فلا يُتَصَوَّرُ أخْذُ الشىءِ من أقلَّ منه، يُحقِّقُه أنَّ الاثْنَىْ عشرَ إذا كانت أربعةَ أخْماسٍ، والبعيرُ منها ثُلثُ
= في: باب الأنفال، من كتاب الجهاد. صحيح مسلم 3/ 1368.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في نفل السرية تخرج من المعسكر، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود 2/ 71، 72. والدارمى، في: باب في أن النفل إلى الإِمام، من كتاب السير. سنن الدارمي 2/ 228. والإِمام مالك، في: باب جامع النفل في الغزو، من كتاب الجهاد. الموطأ 2/ 450. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 62.
(7)
في: باب في من قال: الخمس قبل النفل، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود 2/ 72، 73.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب النفل، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 951. والدارمى، في: باب النفل بعد الخمس، من كتاب السير. سنن الدارمي 2/ 229. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 159، 160.
(8)
في: باب في النفل، من أبواب السير. عارضة الأحوذى 7/ 52.
كما أخرجه الدارمي، في: باب في أن ينفل في البدأة الربع. . .، من كتاب السير. سنن الدارمي 2/ 229. والإِمام أحمد، في: المسند 5/ 324.
(9)
في النسخ: "يضربهم".
الخُمسِ، فكيف يُتَصَوَّرُ أخذ ثُلثِ الخُمْسِ من خُمْسِ الخُمْسِ؟ فهذا محالٌ، فتعَيَّنَ أنْ يكونَ ذلك من غيرِه، أو أنَّ النَّفَلَ كان للسَّرِيَّةِ دونَ سائرِ الجيشِ. على أنَّ ما رَوَيْناه صريحٌ (10) في الحُكْمِ، فلا يُعارَضُ بشيءٍ مُسْتَنْبَطٍ، يَحْتَمِلُ غيرَ ما حمَلَه عليه مَن اسْتَنْبَطَه. إذا ثَبَتَ هذا، فظاهِرُ كلامِ أحمد أنَّهُم إنَّما يستحِقُّون هذا النَّفَلَ بالشَّرْطِ السَّابقِ، فإنْ لم يكُنْ شَرَطَه لهم فَلا، فإنَّه قيلَ له: أليسَ قد نفَّلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الْبَداءةِ الرُّبعَ، وفى الرُّجوعِ الثُّلثَ؟ قال: نعم، ذاك إذا نَفَّلَ، وتقدَّمَ القولُ فيه. فعلى هذا إنْ رأَى الإِمامُ أنْ لا يُنَفِّلَهم شيئًا، فله ذلك، وإنْ رأَى أنْ يُنَفِّلَهم دونَ الثُّلثِ والرُّبعِ، فله ذلك؛ لأنَّه إذا جازَ أنْ لا يَجْعَلَ لهم شيئًا، جازَ أنْ يجعلَ لهم شيئًا يَسِيرًا، ولا يجوز أن يُنَفِّلَ أكثرَ من الثُّلثِ. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ مَكْحُولٍ، والأوْزَاعِىِّ، والجُمْهورِ من العلماء. وقال الشافِعِىُّ: لا حَدَّ للنَّفَلِ، بل هو مَوْكولٌ إلى اجتهادِ الإِمامِ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم نَفَّلَ مرَّةً الثُّلُثَ وأخْرَى الرُّبعَ. في حديثِ ابن عمرَ: نفَّلَ. نصفَ السُّدسِ. فهذا يدُلُّ على أنَّه ليسَ للنّفَلِ حَدٌّ لا يتجاوزُه الإِمامُ، فيَنْبَغِى أن يكونَ مَوْكُولًا إلى اجْتهادِهِ. ولَنا، أنَّ نَفَلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى إلى الثُّلثِ، فيَنْبَغِى أنْ لا يتَجاوزَه، وما ذكَرَه الشافِعِىُّ يدلُّ على أنَّه ليس لأقَلِّ النَّفَلِ حَدٌّ، وأنَّه يجوزُ أنْ يُنَفِّلَ أقلَّ من الثُّلثِ والرُّبعِ، ونحن نقولُ به، على أنَّ هذا القَوْلَ مع قولِه: إنَّ النّفَلَ من خُمْسِ الخُمْسِ. تناقُضٌ. فإنْ شَرَطَ لهم الإِمامُ زيادةً على الثُّلثِ، رُدُّوا إليه. وقال الأوْزَاعِىُّ: لا ينْبَغِى أنْ يشْرِطَ النِّصْفَ، فإن زادَهُم على ذلك، فلْيَفِ لهم بِه، ويجْعَلْ ذلك من الخُمْسِ. وإنَّما زِيدَ في الرَّجْعَةِ على البَداءَةِ في النَّفلِ؛ لمَشقَّتِها، فإنّ الجيشَ في الْبَداءَةِ رِدْءٌ للسَّرِيَّةِ، تابعٌ لها، والعدُوُّ خائِفٌ، وربَّما كان غارًّا، وفى الرَّجْعةِ لا رِدْءَ للسَّرِيَّةِ؛ لأنَّ الجيشَ مُنْصَرِفٌ عنهم، والْعَدُوَّ مستيقظٌ كَلِبٌ. قال أحمد: في الْبَداءةِ إذا كان ذاهبًا الرُّبعُ، وفى القَفْلَةِ إذا كان في الرُّجوعِ الثُّلثُ؛ لأنَّهم يشْتاقُون إلى أهْلِيهم، فهذا أكبرُ. القسم الثاني، أنْ يُنفِّلَ الإِمامُ بعضَ الجيشِ؛ لغَنائِه وبَأْسِه وبَلائِه، أو لمَكْروهٍ تحمَّلَه دونَ سائرِ الجيشِ. قال أحمد: في
(10) في الأصل: "صحيح".
الرَّجُلِ يأمرُه الأميرُ يكونُ طليعةً، أو عندَه، يدفعُ إليه رأسًا من السَّبْىِ أو دابَّةً، قال: إذا كان رجلٌ له غَناءٌ، ويُقاتِلُ [في سبيلِ اللهِ](11)، فلا بأْسَ بذلك، ذلك أنفعُ لهم، يُحَرَّضُ هو وغيرُه، يقاتِلُون ويغْنَمُون. وقال: إذا نفَّذ الإِمامُ صَبِيحةَ الْمَغارِ الخيلَ، فيُصيبُ بعضُهم، وبعضُهم لا يأْتِى بشيءٍ، فللْوالِى أنْ يخُصَّ بعضَ هؤلاء الذين جاءُوا بشيءٍ دونَ هؤلاء. وظاهرُ هذا أنَّ له إعْطاءَ مَن هذه حالُه مِن غيرِ شرْطٍ. وحُجَّةُ هذا حديثُ سَلَمة بن الأكْوَع، أنَّه قال: أغارَ عبدُ الرحمن بنُ عُيَيْنَة على إِبلِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فاتَّبَعْتُهم - فذكَرَ الحديثَ - فأعْطَانِى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم سهمَ الفارسِ والرَّاجلِ. رواه مُسْلِم، وأبو داود (12). وعنه، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أمَّرَ أبا بكرٍ، قال: فبَيَّتْنا عَدُوَّنا، فقَتَلْتُ ليلَتَئِذٍ تسعةَ أهلِ أبياتٍ، وأخذْتُ منهم امرأةً، فنَفَّلَنِيها أبو بكرٍ، فلما قَدِمْتُ المدينةَ، اسْتَوْهَبَها منِّى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فوَهَبْتُها له. رواهُ مُسلم بمَعْناه (13). القسم الثالث، أنْ يقولَ الأميرُ: مَنْ طلَعَ هذا الحِصْنَ، أو هَدَمَ هذا السُّورَ، أو نَقَبَ هذا النَّقْبَ، أو فعلَ كذا، فلَهُ كذا. أو: مَنْ جاءَ بأسيرٍ، فله كذا. فهذا جائِزٌ، في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ؛ منهم الثَّوْرِىُّ. قال أحمد: إذا قال: مَنْ جاءَ بعَشْرِ دَوابَّ، أو بَقَرٍ، أو غنمٍ، فله واحدٌ. فمَنْ جاءَ بخَمْسةٍ أعطاهُ نِصْفَ ما قال لهم، ومَنْ جاءَ بشيءٍ أعطاهُ بقَدْرِه. قيل له: إذا قال: مَنْ جاءَ بعِلْجٍ فله كذا وكذا. فجاءَ بعِلْجٍ، يَطِيبُ له ما يُعْطَى؟ قال: نعم. وكَرِهَ مالكٌ هذا القَسْمَ، ولم يَرَه، وقال: قتالُهم على هذا الوَجْه إنَّما هو للدُّنْيا. وقال هو وأصحابُه: لا نَفَلَ إلَّا بعدَ إحْرازِ الغَنيمَةِ. قال مالك: ولم يقُلْ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قتَلَ قتيلًا فَلَهُ سَلَبُه"(14). إلَّا بعدَ أنْ بَرَدَ القتالُ. ولَنا، ما تقدَّمَ من حديثِ حَبِيبٍ وعُبادَةَ، وما شَرَطَه عمرُ لجَرِيرِ (15) بن عبدِ اللَّه، وقولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
(11) سقط من: الأصل، أ.
(12)
تقدم تخريجه، في صفحة 34.
(13)
تقدم تخريجه، في صفحة 48.
(14)
يأتى تخريجه، في حديث أبى قتادة، في المسألة رقم 1636.
(15)
في م: "لجويبر" خطأ.