الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثِّقاتُ فأَوْقَفُوه على جابرٍ، وقد أَسْنِدَ من وَجْهٍ ضعيفٍ. وإِنْ صَحَّ فنَحْمِلُه على نَهْىِ الكَراهَةِ؛ لأنَّه إذا ماتَ رَسَا (9) فى أسفَلِه، فإذا أَنْتَنَ طفَا، فكرِهَه لِنَتْنِه، لا لتَحْرِيمِه.
فصل:
يُباحُ أكلُ الْجرادِ بإِجْماعِ أهلِ العلمِ. وقد قال عبدُ اللَّه بنُ أبى أَوْفَى: غَزَوْنا مع رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَواتٍ، نَأْكلُ الجَرادَ. رواه البخارِىُّ، وأبو داودَ (10). ولا فَرْقَ بين أَنْ يمُوتَ بسبَبٍ أو غيرِ (11) سبَبٍ، فى قولِ عامَّةِ أهلِ العلمِ؛ منهم الشافِعِىُّ، وأصْحابُ الحديثِ، وأصحابُ الرَّأْىِ، وابنُ المنذِرِ. وعن أحمد، أنَّه إذا قَتَلَه البردُ، لم يُؤْكَلْ. وعنه، لا يُؤْكَلْ إذا ماتَ بغيرِ سبَبٍ. وهو قولُ مالِكٍ. ويُرْوَى أيضًا عن سعيدِ بن المُسَيَّبِ، ولَنا، عمومْ قولِه عليه السلام:"أُحِلَّت لَنا مَيْتَتان ودَمانِ، فالمَيْتتانِ السَّمَكُ والجَرادُ "(12). ولم يفصِّلْ. ولأنَّه تُباحُ مَيْتَتُه، فلم يُعْتبَرْ له سببٌ، كالسَّمَكِ، ولأنَّه لو افْتَقَرَ إلى سبَبٍ، لَافْتَقَرَ إلى ذَبْحٍ وذابِحٍ وآلةٍ، كبهيمَةِ الأَنْعامِ.
فصل: ويُباحُ أَكْلُ الجَرادِ بما فيه، وكذلك السَّمَكُ، يجوزُ أَنْ يُقْلَى من غيرِ أَنْ يُشَقَّ جَوْفُه (13)، وقال أصحابُ الشافِعِىِّ فى السَّمكِ: لا يجوزُ؛ لأنَّ رَجِيعَه نَجِسٌ. ولَنا، عُمومُ النَّصِّ فى إباحَتِه، وما ذَكَرُوهُ غيرُ مُسَلَّمٍ. وإِنْ بَلَعَ إنسانٌ شيئًا منه حَيًّا كُرِهَ؛ لأنَّ فيه تَعْذِيبًا له.
فصل: وسُئِلَ أحمدُ عن السَّمَكِ يُلْقَى فى النَّارِ؟ فقال: ما يُعْجِبُنِى. والجَرادِ؟ [فقال: ما يُعْجِبُنِى، والجَرادُ](14) أَسْهَلُ، فإنَّ هذا له دَمٌ. ولم يَكْرَهْ أكْلَ السَّمَكِ إذا
(9) فى أ، م:"رسب". ورسم الكلمة فى الأصل، ب:"رسى".
(10)
أخرجه البخارى، فى: باب أكل الجراد، من كتاب الذبائح. صحيح البخارى 7/ 117. وأبو داود، فى: باب فى أكل الجراد، من كتاب الأطعمة. سنن أبى داود 2/ 321.
كما أخرجه مسلم، فى: باب إباحة الجراد، من كتاب الصيد والذبائح. صحيح مسلم 3/ 1546. والترمذى، فى: باب ما جاء فى أكل الجراد، من أبواب الأطعمة. عارضة الأحوذى 8/ 15، 16. والنسائى، فى: باب الجراد، من كتاب الصيد والذبائح. المجتبى 7/ 185. والدارمى، فى: باب فى أكل الجراد، من كتاب الصيد. سنن الدارمى 2/ 91. والإِمام أحمد، فى: المسند 4/ 353، 357، 380.
(11)
فى م: "بغير".
(12)
تقدم تخريجه، فى صفحة 298.
(13)
فى م: "بطنه".
(14)
سقط من: الأصل. نقل نظر.
أُلْقِىَ فى النَّارِ، إِنَّما كَرِهَ تَعْذِيبَه بالنَّارِ. وأمَّا الجَرادُ فسَهَّلَ فى إِلْقائِه؛ لأنَّه لا دَمَ له، ولأنَّ السَّمَكَ لا حاجَةَ إلى إلْقائِه فى النَّارِ، لإِمْكانِ تَرْكِه حتَّى يموتَ بسُرْعَةٍ، والجَرادُ لا يموتُ فى الحالِ، بل يَبْقَى مُدَّةً طويلَةً. وفى "مُسْنَدِ الشافِعِىِّ"(15) أنّ كَعْبًا كان مُحْرِمًا، فَمَرَّت به رَجْلٌ (16) من جَرادٍ، فنَسِىَ، وأَخَذَ جرادَتَيْن، فأَلقاهُما فى النَّارِ، [فشَواهما فى النارِ](17)، وذَكَرَ ذلك لعُمَرَ، فلم يُنْكِرْ عمرُ تَرْكَهُما فى النارِ. وذُكِرَ له حَدِيثُ ابنِ عُمَرَ: كان الجرادُ يُقْلَى له. فقالَ: إنّما يُؤْخَذُ الجَرادُ فتُقْطَعُ أجْنِحَتُه، ثمَّ يُلْقَى فى الزَّيْتِ وهو حَىٌّ.
1725 -
مسألة؛ قال: (وذَكاةُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنَ الصَّيْدِ والْأَنْعَامِ (1) فِى الْحَلْقِ واللَّبَّةِ)
قد ذكرْنا حُكْمَ المَعْجُوزِ عنه، من الصَّيْدِ والأَنْعامِ، فأَمَّا المَقْدورُ عليه منهما، فلا يُباحُ إلَّا بالذَّكاةِ، بلا خِلافٍ بينَ أهلِ العلمِ. وتفتَقِرُ الذَّكاةُ إلى خَمْسَةِ أشياء؛ ذابِحٍ، وآلةٍ، ومَحَلٍّ، وفِعْلٍ، وذِكْرٍ. أمَّا الذابِحُ فيُعْتبَرُ له شَرْطان؛ دِينُه، وهو كونُه مسلمًا أو كتابيًّا، وعَقْلُه، وهو أَنْ يكونَ ذا عقْلٍ يَعْرِفُ الذَّبْحَ ليَقْصِدَه (2)، فإنْ كان لا يَعْقِلُ، كالطِّفلِ الذى لا يُمَيِّزُ، والمجنونِ، والسَّكْرانِ، لم يحلَّ ما ذَبَحَه؛ لأنَّه لا يَصِحُّ منه القَصْدُ، فأشْبَهَ ما لو ضَرَبَ إنْسانًا بالسَّيْفِ فقَطَعَ عُنُقَ شاةٍ. وأما الآلةُ، فلها شرطان؛ أحدُهُما، أَنْ تكونَ مُحَدَّدَةً، تقطعُ أو تَخْرِقُ بحدِّها، لا بِثِقَلِها. والثانى، أَنْ لا تكونَ سِنًّا ولا ظُفْرًا. فإذا اجْتَمَع هذان الشَّرْطَان فى شىءٍ، حَلَّ الذَّبْحُ به، سواءٌ كان حَديدًا، أو حَجَرًا، أو لِيطَةً (3)، أو خَشَبًا، لقولِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وذُكِرَ اسْم اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلُوهُ (4)، مَا لَمْ يكُنْ سِنًّا أَوْ ظُفْرًا". مُتَّفَقٌ عليه (5). وعن عَدِىِّ بنِ حاتِمٍ قال: قُلْتُ:
(15) انظر: الباب الخامس، فيما يباح للمحرم وما يحرم، من كتاب الحج. ترتيب مسند الشافعى 1/ 326، 327.
(16)
الرجل من الجراد: الطائفة العظيمة منه.
(17)
فى م: "وشواهما".
(1)
فى ب: "وبهيمة الأنعام".
(2)
فى م: "ليقصد".
(3)
فى م: "بلطة". والليطة: قشر القصبة والقوس والقناة.
(4)
فى ب، م:"فكلوا".
(5)
تقدم تخريجه، فى صفحة 265.
يا رسولَ اللَّه، أَرَأَيْتَ إنْ أحَدُنا أصابَ صَيْدًا، وليس معه سِكِّينٌ، أيذْبَحُ بالْمَرْوَةِ وشَقَّةِ العَصا؟ فقال:"أَمْرِرِ الدَّمَ بمَا شِئْتَ، واذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ". والمَرْوَةُ: الصَّوَّانُ. وعن رجُلٍ من بنى حارِثَةَ، أَنَّهُ كان يَرْعَى لِقْحَةً (6)، فأَخَذَها الموتُ، فلم يجدْ شيئًا ينْحَرُها به، فأخَذَ وَتِدًا، فوَجَأَها به فى لَبَّتِها حتَّى أُهَرِيقَ دَمُها، ثمَّ جاءَ إلى (7) النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فأَمَرَه بأَكْلِها. رواهما (8) أبو داودَ (9). وبهذا (10) قال الشافِعِىُّ، وإسْحاقُ، وأبو ثَوْرٍ. ونحوُه قولُ مالِكٍ، وعمرِو بن دينارٍ. وبه قال أبو حَنِيفَةَ، إلَّا فى السِّنِّ والظُّفْرِ، قال: إذا كانَا مُتَّصِلَيْن، لَم يُجزِ الذَّبْحُ بهما، وإِنْ كانا مُنْفَصِلَيْن، جازَ. ولَنا، عُمومُ حَديثِ رافِعٍ، ولأَنَّ ما لم تَجُزِ الذَّكاةُ به مُتَّصِلًا، لم تَجُزْ مُنْفَصِلًا، كغيرِ المُحَدَّدِ. وأمَّا العَظْمُ غيرُ السِّنِّ، فمُقْتَضَى إطلاق قَوْلِ أحمدَ، والشافِعِىِّ، وأبى ثَوْرٍ، إباحَةُ الذَّبْحِ به. وهو قولُ مالِكٍ، وعمرِو بن دينار، وأصْحاب الرَّأْىِ. وقال ابنُ جُرَيْجٍ: يُذَكَى بعَظْمِ الحِمارِ، ولا يُذكَّى بعظمِ القِرْدِ؛ لأنَّكَ تُصلِّى على الحمارِ وتَسْقِيه فى جَفْنَتِك. وعن أحمد: لا يُذَكَّى بعَظْمٍ ولا ظُفْرٍ. وقال النَّخَعِىُّ: لا يُذَكَّى بالعظْمِ والقَرْنِ. ووَجْهُهُ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلُوا، لَيْسَ السِّنَّ والظُّفْرَ، وسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذلِكَ، أمَّا السِّنُّ فعَظْمٌ، وأمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ". فعَلَّلَه بكونِه عَظْمًا.، فكُلُّ عظمٍ فقد (11) وُجِدَتْ فيه العِلَّةُ. والأوَّلُ (12) أصَحُّ، إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى؛ لأَنَّ العظْمَ دَخَلَ فى عُمومِ اللَّفظِ المُبِيحِ، ثمَّ اسْتُثْنِىَ السِّنُّ والظُّفْرُ خاصَّةً، فيبقَى سائِرُ العِظامِ دَاخِلَةً (13) فيما يباحُ الذَّبْحُ به، والمنطوقُ
(6) اللقحة: الناقة قريبة العهد بالنتاج.
(7)
سقط من: أ، م.
(8)
فى م: "رواه".
(9)
فى: باب فى الذبيحة بالمروة، من كتاب الأضاحى. سنن أبى داود 2/ 92.
وأخرج الأول ابن ماجه، فى: باب ما يذكى به، من كتاب الذبائح. سنن ابن ماجه 2/ 1060. والإِمام أحمد، فى: المسند 4/ 256، 258، 377.
وأخرج الثانى الإِمام أحمد، فى: المسند 5/ 430.
(10)
فى ب: "وبه".
(11)
فى ب: "قد".
(12)
سقطت الواو من: م.
(13)
فى م: "داخلا".
مقدَّم على التَّعْلِيلِ، ولهذا عَلَّلَ الظُّفْرَ بكو نِه من مُدَى الْحَبَشَةِ، ولا يَحْرُمُ الذَّبْحُ بالسِّكِّينِ وإِنْ كانت مُدْيَةً لهم، ولأنَّ العِظامَ يتَناوَلُها سائِرُ الأحادِيث العامَّةِ، ويحصُلُ بها المقصودُ، فأَشْبَهت سائِرَ الآلاتِ. وأمّا المحلُّ فالحَلْقُ (14) واللَّبَّةُ وهى الوَهْدَةُ التى بين أَصْلِ العُنُقِ والصَّدْرِ. ولا يجوزُ الذَّبحُ فى غيرِ هذا المحلِّ بالإِجْماعِ، وقد رُوِىَ فى حديثٍ، عن النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:"الذَّكاةُ فِى الحَلْقِ واللَّبَّةِ"(15). وقال (16) أحمدُ: الذَّكاةُ فى الحَلْقِ واللَّبَّةِ. واحْتَجَّ بحديثِ عمرَ، وهو ما رَوَى سعيدٌ، والأَثْرَمُ، بإسْنادِهما عن الفُرافِصَةِ، قال: كُنَّا عندَ عمرَ، فنادَى أَنَّ النَّحْرَ فى اللَّبَّةِ أو الحَلْقِ (17) لِمَن قَدَرَ (18). وإنَّما نَرَى أَنَّ الذَّكاةَ اخْتَصَّت بهذا المحلِّ؛ لأنَّه مَجْمَعُ العُروقِ، فتَنْفَسِحُ بالذَّبحِ فيه الدِّماءُ السَّيَّالَةُ، ويُسْرِعُ زُهوقُ النَّفْسِ، فيكونُ أطْيَبَ للَّحْمِ، وأَخفَّ على الحيوانِ. قال أحمدُ: لو كان حَدِيثُ أبى العُشَراءِ حديثًا. يعنى ما رَوَى أبو العُشَراءِ عن أبيه، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّه سُئِلَ: أمَّا تكونُ الذَّكاةُ إلَّا فى الحَلْقِ واللَّبَّةِ؟ فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لَوْ طَعَنْتَ فِى فَخِذِهَا، لَأَجْزَأَ عَنْكَ"(19). قال أحمد: أبو العُشَراءِ هذا ليس بمَعْرُوفٍ. وأمَّا الذِّكْرُ فالتَّسْمِيةُ، وقد مَرَّ ذِكْرُها (20). وأمَّا الفِعْلُ فيُعْتَبَرُ قَطْعُ الحُلْقُومِ والْمَرِىءِ. وبهذا قال الشافِعِىُّ. وعن أحمدَ، رِوايةٌ أُخْرَى، أَنَّه يُعْتَبَرُ مع هذا قَطْعُ الوَدَجَيْن. وبه قال مالِكٌ، وأبو يوسفَ؛ لما روَى أبو هُرَيْرَةَ، قال: نَهَى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن شَرِيطَةِ الشَّيْطَانِ. وهى التى
(14) فى الأصل: "فهى الحلق".
(15)
أخرجه الدارقطنى، فى: كتاب الصيد والذبائح. سنن الدارقطنى 4/ 283.
(16)
سقطت الواو من: ب، م.
(17)
فى م: "والحلق".
(18)
وأخرجه البيهقى، فى: باب الذكاة فى المقدور عليه ما بين اللبة والحلق، من كتاب الضحايا. السنن الكبرى 9/ 278.
(19)
أخرجه أبو داود، فى: باب ما جاء فى ذبيحة المتردية، من كتاب الأضاحى. سنن أبى داود 2/ 92. والترمذى، فى: باب ما جاء فى الذكاة فى الحلق واللبة، من أبواب الصيد. عارضة الأحوذى 6/ 274. والنسائى، فى: باب ذكر المتردية فى البئر. . .، من كتاب الضحايا. المجتبى 7/ 200. وابن ماجه، فى: باب ذكاة النَّادّ من البهائم، من كتاب الذبائح. سنن ابن ماجه 2/ 1063. والدارمى، فى: باب فى ذبيحة المتردى. . .، من كتاب الأضاحى. سنن الدارمى 2/ 82. والإِمام أحمد، فى: المسند 4/ 334.
(20)
فى صفحة 258.