الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فذكرتُ قولى لابنِ عبَّاسٍ، فقال: أصَبْتَ وأحْسَنْتَ (5). وقال ابنُ عمرَ، وأنسٌ، وعروةُ (6): يبدأُ بحِجَّةِ الإِسْلامِ، ثم يَحُجُّ لنَذْرِه. وفائدةُ انْعِقادِ نَذْرِه، لُزومُ الكفَّارةِ بتَرْكِه، وأنَّه لو لم يَنْوِه لِنَذْرِه، لزِمَه قَضاؤه. وعلى هذا لو وَافقَ نَذْرُه بعضَ رمضانَ، وبعضَ شهرٍ آخرَ، إمَّا شعبان، وإمَّا شوال، لَزِمَه صومُ ما خَرجَ عن رمضانَ، ويُتِمُّه من رمضانَ. ولو قال: للَّهِ علىَّ صومُ رمضانَ. فعلى قياسِ قولِ الْخِرَقِىِّ، يصِحُّ نَذْرُه، ويُجْزِئُه صيامُه عن الأمْرَيْن، وتَلْزَمُه الكفَّارةُ إِنْ أخلَّ به. وعلى قولِ القاضى، لا ينْعَقِدُ نَذْرُه. وهو مذهبُ الشَّافعىِّ؛ لأنَّه لا يصِحُّ صَوْمُه عنِ النَّذْرِ، فأشْبَهَ الليلَ. ولَنا، أَنَّ النَّذْرَ يَمِينٌ، فيَنْعقِدُ فى الواجبِ مُوجِبًا للكفارةِ، كاليَمِينِ باللَّهِ تعالى.
فصل:
ونُقلَ عن أحمدَ، فى مَن نَذَرَ أن يحُجَّ العامَ، وعليه حِجَّةُ الإِسْلامِ، رِوايتانِ؛ إحداهما، تُجْزِئُه حِجَّةُ الإِسلامِ عنها وعن نذْرِه. نقلَها أبو طَالبٍ. والثانية، يَنْعقِدُ نَذْرُه مُوجِبًا لحِجَّةٍ غيرِ حِجَّةِ الإِسلامِ، يَبْدَأُ بحِجَّةِ الإِسْلامِ، ثم يقْضِى نَذْرَه. نَقلَها ابنُ منصورٍ؛ لأنَّهما عِبادتانِ تجِبانِ بسبَبيْنِ مُختلِفيْنِ، فلم تسْقُطْ إحداهما بالأُخْرَى، كما لو نَذَرَ حِجَّتيْن؛ ووَجْهُ الأُولَى، أنَّه نَذَرَ عِبادةً فى وقتٍ مُعَيَّنٍ، وقد أتى بها فيه، فأشْبَهَ ما لو قال: للَّهِ علىَّ أنْ أصومَ رمضانَ.
فصل: فإنْ قال: للَّهِ علىَّ أَنْ أصومَ شهرًا. فنوَى صيامَ شهرِ رمضانَ، لنذْرِه ورمضانَ، لم يُجْزِئْه؛ لأنَّ شهرَ رمضانَ واجبٌ بفَرْضِ اللَّهِ تعالى، ونَذْرُه يقْتَضِى إيجابَ شهرٍ، فيجبُ شَهْرانِ بِسَبَبيْنِ، ولا يُجْزِئُ أحدُهما عنِ الآخرِ، كما لو نذرَ صومَ شهرْينِ، وكما لو نذرَ أَن يُصَلِّىَ ركعتيْن، لم تُجْزِئْه صلاةُ الفجرِ عن نَذْرِه، وعن صلاةِ (6) الفجرِ.
1859 -
مسألة؛ قال: (وَإِذَا (1) نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ يَقْدمُ فُلَانٌ، فَقَدِمَ يَوْمَ فِطْرٍ، أَوْ أضْحَى، لَمْ يَصُمْهُ، وَصَامَ يَوْمًا مَكَانهُ، كفَّرَ كَفَّارَةَ يَمينٍ)
وجملتُه أَنَّ مَن نَذَرَ أَنْ يصومَ يومَ يقدَمُ فلانٌ، فإِنَّ نَذْرَه صَحِيحٌ. وهو قولُ أبى حنيفةَ،
(5) فى ب: "أو أحسنت".
(6)
سقط من: ب.
(1)
فى ب: "ومن".
وأحدُ قَوْلَى الشافعىِّ، وقال فى الآخَرِ: لا يصِحُّ نَذْرُه؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ صَوْمُه بعدَ وُجودِ شَرْطِه، فلم يصِحَّ، كما لو قال: للَّهِ علىَّ أَنْ أصومَ اليومَ الذى قبلَ اليومِ الذى يَقْدَمُ فيه. ولَنا، أنَّه زمنٌ يَصِحُّ (2) فيه صومُ التَّطوُّع، فانْعَقدَ نَذْرُه لِصَوْمِه، كما لو أصْبحَ صائمًا تَطوُّعًا، قال: للَّهِ علىَّ أَنْ أصومَ يَوْمِى. وقولُهم: لا يُمْكِنُ صَوْمُه. لا يصِحُّ، فإنَّه قد يَعْلَمُ اليومَ الذى يَقْدَمُ فيه قبلَ قُدومِه، فيَنْوِىَ صَومَه من اللَّيلِ، ولأنَّه (3) قد يجبُ عليه ما لا يُمْكِنُه، كالصَّبِىِّ يبْلُغُ فى أثناءِ يومٍ من رمضانَ، أو الحائض تَطْهُرُ فيه، ولا نُسلِّمُ ما قاسُوا عليه، إذا ثَبتتْ صِحَّتُه، ولا يخْلُو من أقْسامٍ خَمْسةٍ؛ أحدِها، أَنْ يَعْلَمَ قُدومَه من اللَّيلِ، فيَنْوِىَ صَومَه، ويكونَ يومًا يجوزُ فيه صومُ النذرِ، فيصِحَّ صَومُه ويُجْزِئَه؛ لأنَّه وَفَّى بنَذْرِه. الثانى، أن يقْدَمَ يومَ فِطْرٍ أو أضْحَى، فاخْتلَفتِ الرِّوايةُ عن أحمدَ، فى هذه المسألةِ؛ فعنه: لا يصُومُه، ويقْضِى، ويكفِّرُ. نقلَه عن أحمدَ جماعةٌ. وهو قولُ أكثرِ أصْحابِنا، ومذهبُ الحَكَمِ، وحمَّادٍ. الرواية الثانية، يقضِى، ولا كفَّارةَ عليه. وهو قولُ الحسنِ، والأوْزاعىِّ، وأبى عُبَيْدٍ، وقَتادةَ، وأبى ثَوْرٍ، وأحدُ قولَى الشافعىِّ؛ فإنَّه (4) فاتَه الصَّومُ الواجبُ بالنَّذْرِ، فلَزِمَه قَضاؤُه، كما لو تَرَكَه نِسْيانًا، ولم تَلْزَمْه كفَّارةٌ؛ لأنَّ الشَّرْعَ منعَه من صَوْمِه، فهو كالمُكْرَهِ. وعن أحمدَ، روايةٌ ثالثةٌ، إن صامَه صَحَّ صَومُه. وهو مذهبُ أبى حنيقةَ؛ لأنَّه وفَّى بما نذَرَ (5)، فأشْبَهَ ما لو نذَرَ مَعْصِيَةً ففعَلَها. ويَتخرَّجُ أَنْ (6) يُكفِّرَ من غيرِ قَضاءٍ؛ لأنَّه وافقَ يومًا صَومُه حرامٌ، فكان مُوجَبُه الكفَّارَةَ، كما لو نَذرتِ المرأةُ صومَ يومِ حَيْضِها. ويَتخرَّجُ أَنْ لا يَلْزَمَه شىء من كفَّارةٍ ولا قضاءٍ، بِناءً على مَن نَذَرَ المَعْصِيَةَ. وهذا قولُ مالكٍ، والشافعىِّ فى أحدِ قَوْلَيْه، بِناءً على نذرِ المعْصِيَةِ. ووجهُ قولِ الْخِرَقِىِّ، أَنَّ النَّذْرَ ينْعقِدُ؛ لأنَّه نَذَرَ نَذْرًا يُمْكِنُ الوفاءُ به غالبًا، فكانَ مُنْعقِدًا، كما لو وافقَ غيرَ يومِ العيدِ، ولا يجوزُ أَنْ يصومَ يومَ العيدِ؛ لأنَّ الشَّرْعَ حرَّمَ صَوْمَه، فأشْبَهَ زمنَ الحَيْضِ، ولَزِمَه القضاءُ؛ لأنَّه نَذْرٌ مُنْعقِدٌ، وقد فاتَه الصيامُ بالعُذْرِ، ولَزِمَتْه الكفَّارةُ؛ لفَواتِه، كما لو
(2) فى م: "صح".
(3)
سقطت الواو من: م.
(4)
فى ب: "لأنه".
(5)
فى ب: "نذره".
(6)
فى ب زيادة: "لا".