الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا كان قُرْبةً وَأمْكنَهُ فِعْلُه، ودليلُ هذا الأصلِ قولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم لأُختِ عُقبةَ، لمّا نذَرتِ المَشْىَ فلم تُطِقْهُ:"وَلْتُكَفِّرْ يَمِينَهَا". وفى رِوايةٍ: "فَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ". قال أحمدُ: إليه أذْهبُ. وعن عُقْبةَ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"كَفَّارَةُ النَّذْر كَفَّارَةُ اليَمِينِ". أخرجَه مسلمٌ. وقولُ ابنِ عبَّاسٍ لِلَّتِى (43) نذرَتْ ذَبْحَ وَلَدِها (44): كفِّرِى يَمِينَكِ. ولأنَّه قد (45) ثَبَتَ أَنَّ حُكمَه حكمُ اليَمِينِ فى أحَدِ أقسْامِه وهو نَذْرُ اللَّجاجِ، فكذلك سائرُه، فى سِوَى ما اسْتثناهُ الشَّرعُ.
فصل:
وإِنْ نذرَ فعلَ طاعةٍ، وما ليس بطاعةٍ، لَزِمَه فِعلُ الطَاعةِ، كما (46) فى خبرِ أبى إسْرائيلَ؛ فإِنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أمرَهُ بإتْمامِ الصَّومِ، وترْكِ ما سِواهُ، لِكَوْنِه ليس بطاعةٍ. وفى وُجوبِ الكفَّارةِ لِمَا تَرَكه الاخْتلافُ الذى ذكَرْناه. وقد رَوى عُقْبةُ بنُ عامرٍ. قال: نَذَرتْ أخْتى أن تَمْشِىَ إلى بيتِ اللَّهِ الحرام حافِيَةً غيرَ مُخْتَمِرةٍ، فذَكَرَ ذلك عُقْبَةُ لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال:"مُرْ أُخْتَكَ فَلْتَرْكَبْ، وَلْتَخْتَمِرْ، وَلْتَصُم ثَلَاثَةَ أيَّامٍ". رواه الجُوزجَانِىُّ، والتِّرْمذِىُّ. فإن كان المتْروكُ خِصالًا كثيرةً، أجْزأَتْه كفَّارةٌ واحدةٌ؛ لأنَّه نذْرٌ واحدٌ، فتكونُ كفَّارتُه واحدةً، كاليمينِ الواحدةِ على أفْعالٍ، ولهذا لم يأْمُرِ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أُختَ عُقْبةَ بنِ عامرٍ فى تَرْكِ التَّحَفِّى والاخْتِمارِ، بأكثرَ من كفَّارةٍ.
1853 - مسألة؛ قال: (وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ، أَجْزَأَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثلُثِهِ، كَمَا رُوِىَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ لِأَبِى لُبابَةَ، حِينَ قَالَ: إِنَّ مِنْ توبتِى يَا رَسُولَ اللَّه أَنْ أنْخلِعَ مِنْ مَالِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُجْزِئُك الثُّلُثُ
")
وجملةُ ذلك أَنَّ مَن نَذَرَ أن يتصدَّقَ بمالِه كلِّه، أجْزأه ثُلثُه. وبهذا قال الزُّهْرِىُّ، ومالك. ورَوَى الحسينُ بنُ إسحاقَ الْخِرَقِىُّ (1)، عن أحمدَ، قال: سألتُه عن رجلٍ قال: جميعُ ما أملِك فى المساكينِ صَدَقةٌ. قال: كفَّارتُه (1) كفَّارةُ اليَمِين. قال: وسُئل عن رجلٍ
(43) فى ب: "فى التى".
(44)
فى ب: "ابنها".
(45)
سقط من: ب.
(46)
فى ب: "كالذى".
(1)
سقط من: ب. وذكره ابن أبى يعلى فى من سأل الإمام أحمد عن أشياء. طبقات الحنابلة 1/ 142.
قال: ما يَرِثُ عن فُلانٍ (2)، فهو لِلمساكينِ. فذكروا أنَّه قال: يُطْعِمُ عشَرةَ مَساكينَ. وقال رَبِيعةُ: يتصَدَّقُ منه بقَدْرِ الزَّكاةِ؛ لأنَّ المطْلَقَ مَحمولٌ على مَعْهودِ الشَّرْعِ، ولا يجِبُ فى الشَّرْعِ إِلَّا قَدْرُ الزَّكاةِ. وعن جابرِ بنِ زيدٍ، قال: إِنْ كان كثيرًا، وهو ألْفانِ، تصَدَّقَ بِعشرةٍ، وإن كان مُتَوسِّطًا وهو ألفٌ، تصَدَّقَ بسبعةٍ، وإن كان قليلًا، وهو خَمْسُمائةٍ، تصَدَّقَ بخَمسةٍ. وقال أبو حنيفةَ: يتصَدَّقُ بالمالِ الزَّكَوىِّ كلِّه. وعنه فى غيرِه رِوايَتان؛ إحداهما، يتصَدَّقُ به. والثانية، لا يَلْزَمه منه شىءٌ. وقال النَّخَعِىُّ، والْبَتِّىُّ، والشافعىُّ: يتصَدَّقُ بمالِه كلِّه، لقولِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ نَذَرَ أن يُطِيعَ اللَّه فَلْيُطِعْهُ"(3). ولأنَّه نَذْرُ طاعةٍ، فلَزِمَه (4) الوفاءُ به، كنذْرِ الصلاةِ والصيامِ. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم لأبى لُبَابةَ، حين قال: إِنَّ مِن تَوبتِى أَنْ أنخلِعَ بن مالِى صَدَقةً إلى اللَّهِ وإلى رسولِه. فقال: "يُجْزِئُكَ الثُّلُثُ"(5). وعن كعبِ بنِ مالكٍ، قال: قلتُ: يا رسولَ اللَّه، إِنَّ مِن تَوْبَتِى أَنْ أنْخلِعَ من مالى صَدَقةً إلى اللَّهِ وإلى رسولِه. فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ". مُتَّفَقٌ عليه (6). ولأَبى داودَ: "يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ". فإنْ قالوا: هذا ليس بنَذْرٍ، وإنَّما أرادَ الصدقةَ بجَمِيعِه، فأمرَه النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بالاقْتِصارِ على ثُلثِه، [كما أمرَ سعدًا حين أرادَ الوَصِيَّةَ بِجَميعِ مالِه، بالاقْتِصارِ على الوَصِيَّةِ بثُلثِه](7)، وليس هذا مَحَلَّ النِّزاعِ،
(2) فى ب: "والده".
(3)
تقدم تخريجه، فى: صفحة 621.
(4)
فى ب: "فيلزمه".
(5)
أخرجه الإمام مالك، فى: باب جامع الأيمان، من كتاب النذور. الموطأ 2/ 481. وعبد الرزاق، فى: باب من قال: مالى فى سبيل اللَّه، من كتاب الأيمان والنذور. المصنف 8/ 484.
(6)
أخرجه البخارى، فى: باب إذا تصدق أو أوقف بعض ماله. . .، من كتاب الوصايا، وفى: باب سورة التوبة، من كتاب التفسير، وفى: باب إذا أهدى ماله على وجه النذر والتوبة، من كتاب الأيمان والنذور. صحيح البخارى 4/ 9، 6/ 87، 88، 8/ 175. ومسلم، فى: باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، من كتاب التوبة. صحيح مسلم 4/ 2127.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب من نذر أن يتصدق بماله، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود 2/ 215. والنسائى، فى: باب إذا أهدى ما له على وجه النذر، من كتاب الأيمان والنذور. المجتبى 7/ 21، 22. والإمام أحمد، فى: المسند 3/ 454، 456، 459، 6/ 389.
(7)
سقط من: ب. نقل نظر. وحديث سعد تقدم تخريجه، فى: 6/ 37.