الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إعْتاقِ غيرِه. وهذا التَّعْلِيلُ يدُل على أَنَّ سَيِّدَه لو (11) أذِنَ له فى إعْتاقِ نَفْسِه عن كَفَّارَتِه، جازَ، فأمَّا إِنْ أطلقَ الإِذْنَ فى الإِعْتاقِ، فليس له أَنْ يَعْتِقَ إِلَّا أقلَّ رَقَبَةٍ تُجْزِئُ عن الواجِبِ، وليس له إعْتاقُ نَفْسِه إذا كانَتْ أفضلَ مما يُجْزِئُ. وهذا من أبى بَكْرٍ يَقْتَضِى أنَّه لا يعْتَبِرُ فى التَّكْفيرِ أَنْ يُمَلِّكَهُ سَيِّدُه ما يُكَفِّرُ به؛ لأنَّه لا يَمْلِكُ نفْسَه، بل متى أذِنَ له فى التَّكْفِيرِ بالإِعْتاقِ (12) أو الإِطعامِ، أَجْزَأَه؛ لأنَّه لو اعْتَبَرَ التَّمْليكَ، لَما صَحَّ له أَنْ يَعْتِقَ نَفْسَه، لأنَّه لا يَمْلِكُها، ولأنَّ التَّمْلِيكَ لا يكونُ إِلَّا فى مُعَيَّنٍ، فلا يصِحُّ أَنْ (13) يأذنَ فيه مُطْلَقًا.
فصل:
وإذا أعْتَقَ العبدُ عَبْدًا عن كَفَّارَتِه، بإذْنِ سَيِّدِه، وقُلْنا: إِنَّ الإِعْتاقَ فى الكفَّارَةِ يثْبُتُ به الوَلاءُ لمُعتِقِه. ثَبَتَ وَلاؤُه للعَبْدِ الذى أَعْتَقَه؛ لقولِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: "إنّما الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ"(14). ولا يَرِثُ؛ لأنَّه ليس من أهلِ الميراثِ، ولا يمْتَنِعُ (15) ثُبوتُ الوَلاءِ مع انْتفِاءِ الإِرْثِ، كما لو اخْتَلفَ دِينُهما، أو قتلَ المُعْتِقُ عَتِيقَه؛ فإنَّه لا يَرِثُه مع ثُبوتِ الوَلاءِ له (16) عليه. فإنْ عَتَقَ المُعْتِقُ (17)، وَرِثَ بالولاءِ؛ لزَوالِ المانِعِ، كما إذا كانا مُخْتَلِفَىِ الدِّين، فأسْلَمَ الكافِرُ منهما. ذكرَ هذا طلحَةُ العَاقُولِىّ. ومُقْتَضَى هذا أَنَّ سَيِّدَ العَبْدِ لا يَرِثُ عَتِيقَه فى حَياةِ عَبْدِه، كما لا يَرِثُ ولَدَ عَبْدِه، فإنْ أعتقَ عبدَهُ، ثم مات، ورِثَ السَّيِّدُ مَوْلَى عَبْدِه؛ لأنّه مَوْلَى مَوْلاه، كما أنَّه لو أعْتَقَ العبدَ، وله ولَدٌ عليه الولاءُ لمَوْلَى أُمِّه لَجَرَّ (18) وَلَاءَه، ويَرِثُه سَيِّدُه إذا ماتَ أَبُوه.
فصل: وليس للسَّيِّدِ منعُ عَبْدِه من التَّكْفيرِ بالصِّيامِ، سواءٌ كان الحَلِفُ أو الحِنْثُ بإذْنِه أو بغيرِ إذْنِه، وسواء أضَرَّ به الصِّيامُ أو لم يَضُرَّ به. وقال الشافِعِىُّ: إِنْ حَنِثَ بغيرِ
(11) فى الأصل: "إن".
(12)
فى ب، م:"بالعتق".
(13)
فى الأصل.: "بألا".
(14)
تقدم تخريجه، فى: 6/ 44.
(15)
فى الأصل، أ:"يمنع".
(16)
لم يرد فى: الأصل.
(17)
فى م زيادة: "له".
(18)
فى أ، م:"يجر".
إذْنِه، والصَّوْمُ يضرُّ به، فله مَنْعُه؛ ولأنَّ السَّيِّدَ لم يأْذَنْ له فيما أَلْزَمَه نَفْسَه، ممَّا يَتَعَلَّقُ به ضَرَرٌ على السَّيِّدِ، فكان به مَنْعُه وتَحْلِيلُه، كما لو أَحْرَمَ بالحجِّ بغيرِ إذْنِه. ولَنا، أَنَّه صومٌ واجِبٌ لحَقِّ اللَّه تعالى، فلم يكُنْ لسَيِّدِه مَنْعُه منه، كصيامِ رمضانَ وقَضائِه، ويُفارِقُ الحجَّ؛ لأَنَّ ضَرَرَهُ كثيرٌ، لطُولِ مُدَّتِه، وغَيْبَتِه عن سَيِّدِه، وتَفْويتِ خِدْمَتِه، ولهذا مَلَكَ تحليلَ زَوْجَتِه منه، ولم يَمْلِكْ مَنْعَها صَوْمَ الكَفَّارَةِ. فأمَّا صومُ التَّطَوُّعِ، فإن كان فيه ضَرَرٌ عليه، فللسَّيِّدِ مَنْعُه منه؛ لأَنَّه يُفَوِّتُ حَقَّه بما ليس بواجِبٍ عليه، وإِنْ كان لا يَضُرُّ به، لم يكُنْ لسَيِّدِه مَنْعُه منه (19)؛ لأنَّه يَعْبُدُ رَبَّه بما لامَضَرَّةَ فيه، فأشْبَهَ ذِكْرَ اللَّه تعالَى، وصلاةَ النَّافِلةِ فى غيرِ وَقْتِ خِدْمَتِه، وللزَّوْجِ منعُ زَوْجَتِه منه فى كُلِّ حالٍ؛ لأنَّه يُفَوِّتُ حَقَّه من الاسْتِمْتاعِ، ويَمْنَعُه منه.
1820 -
مسألة؛ قال: (وَلَو حَنِثَ وهُوَ عَبْدٌ، فَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى عَتَقَ (1)، فعَلَيْهِ الصَّوْمُ، لا يُجْزِئُه غَيْرُهُ)
ظاهِرُ هذا أَنَّ الاعْتبارَ فى الكَفَّارَاتِ بحالَةِ الحِنْثِ؛ لأنَّه وَقْتُ الوُجوبِ، وهو حِينَئِدٍ عَبْدٌ، فوَجَبَ عليه الصَّوْمُ، فلا يُجْزِئُه غيرُ ما وَجَبَ عليه. وقال القاضى: هذا فيه نَظَرٌ؛ فإِنَّ المنصوصَ أنَّه يُكَفِّرُ كفَّارَةَ عَبْدٍ؛ لأنَّه إنَّما يُكَفِّرُ ما (2) وَجَبَ عليه يومَ حَنِثَ، ومَعْناه أنَّه لا يَلْزَمُه التَّكْفِيرُ بالمالِ، فإنْ كَفَّرَ به أجْزَأهُ. وهذا مَنْصوصُ (3) الشافِعِىِّ، ومِن أصحابِه مَنْ قال كَقَوْلِ (4) الْخِرَقِىِّ، وليس على الْخِرَقِىِّ حُجَّةٌ مِن كلامِ أحمدَ، بل هو حُجَّةٌ له؛ لقولِه: إنَّما يُكفِّرُ ما وجَبَ عليه. و"إنَّما" للحَصْرِ، تُثْبِتُ المذكورَ وتَنْفِى ما عَداهُ، ولم يجِبْ عليه إِلَّا الصَّومُ، فلا يُكَفِّرُ بغَيْرِه. ووَجْهُ ذلك، أنَّه حكمٌ تعَلَّقَ بالعَبْدِ فى رِقِّهِ، فلم يَتَغَيَّر بحُرِّيَّتِه، كالحَدِّ، وهذا على القولِ الذى لم يَجُزْ فيه للعَبْدِ التَّكْفِيرُ بالمالِ بإذْنِ
(19) سقط من: ب.
(1)
فى م زيادة: "عليه".
(2)
فى م: "بما".
(3)
فى م زيادة: "عن".
(4)
فى م: "بقول".