الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1802 - مسألة؛ قال: (وَمَنْ حَلَفَ بِعِتْقٍ، أَوْ طَلَاقٍ، أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا، فَفَعَلَهُ نَاسِيًا، حَنِثَ)
وبهذا قال مُجاهِدٌ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، والزُّهْرِىُّ، وقَتادَةُ، ورَبِيعَةُ، ومالِكٌ، وأبو عُبَيْدٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وهو المشهورُ عن الشافِعِىِّ. وقال عَطاءٌ، وعَمْرُو بنُ دينارٍ، وابنُ أبى نَجِيحٍ، وإسحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ: لا يَحْنَثُ. وهو رِوايَةٌ عن أحمدَ؛ لأنَّ الناسِىَ لا يُكَلَّفُ حالَ نِسْيانِه، فلا يَلْزَمُه الحِنْثُ، كالحَلِفِ (1) باللَّه تعالى. ولَنا، أَنَّ هذا يَتَعَلَّقُ به حَقُّ آدَمِىٍّ، فتَعَلَّقَ الحُكْم بِه مع النِّسْيانِ، كالإِتْلافِ، ولأنَّه حُكْمٌ عُلِّقَ على شَرْطٍ، فيُوجَدُ بوجْدانِ شَرْطِه، كالمَنْعِ من الصَّلاةِ بعدَ العَصْرِ، وقد سَبَقَت هذه المسألَةُ (2).
1803 - مسألة؛ قال: (وَإِذَا حَلَفَ، فَتَأَوَّلَ فِى يَمينِهِ، فَلَهُ تَأْوِيلُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، وإِنْ كانَ ظَالِمًا، لَمْ يَنْفَعْهُ تَأْوِيلُهُ، لِمَا رُوِىَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "يَمينُك عَلَى مَا يُصَدِّقُك بِهِ صَاحِبُكَ
(1) ")
مَعْنَى التَّأْوِيل، أَنْ يقصدَ بكلامِه مُحْتَمِلًا يُخالِفُ ظاهِرَه، نحو أَنْ يَحْلِفَ أنَّه أخى، يقْصِدُ أُخُوَّةَ الإِسْلامِ، أو المُشابَهَةَ، أو يَعْنِى بالسَّقْفِ والبِناءِ السماءَ، وبالبساطِ والفِراش الأَرْضَ، وبالأَوْتادِ الجبالَ، وباللِّباسِ الليلَ، أو يقولَ: ما رَأَيْتُ فلانًا. يعنى ما ضَرَبْتُ رِئَتَه. ولا ذَكَرْتُه. يُريِدُ ما قَطَعْتُ ذَكَرَه. أو يقولَ: جَوارِىَّ أحْرارٌ. يعنى سُفُنَه. ونسائِى طَوالِقُ. يعنى نِساءَه (2) الأقارِبَ منه. أوٍ يقولَ: ما كاتَبْتُ فلانًا، ولا عَرَفْتُه، ولا أعْلَمْتُه، ولا سَأَلْتُه حاجَةً، ولا أَكَلْتُ له دَجاجَةً، ولا فَرُّوجَةً، ولا شَرِبْتُ له ماءً، ولا فى بَيْتِى فَرْشٌ ولا حَصِيرٌ، ولا بارِيةٌ. وينْوِى بالمُكاتَبَةِ مُكاتَبَةَ الرَّقِيقِ، وبالتَّعْريفِ جَعْلَه عَريفًا، وبالإعْلامِ جَعْلَه أَعلَمَ الشَّفَةِ، والحاجَةُ شَجَرَةٌ صَغِيرَةٌ، والدَّجاجَةُ الكُبَّةُ من الغَزْلِ، والفَرُّوجَةُ الدُّرَّاعَةُ، والفَرْشُ صِغارُ الإِبلِ، والحَصِيرُ الْحَبِسُ (3)، والبَاريِةُ
(1) فى ب: "بالحلف".
(2)
تقدم فى: 2/ 523، 524.
(1)
فى م: "صاحبه".
(2)
فى م: "نساء".
(3)
فى م: "والحبس".
السِّكِّينُ التى يُبْرَى بها. أو يقولَ: ما لِفلانٍ عنْدِى وَدِيعَةٌ، ولا شىءٌ. يعنى بـ "ما" "الذى". أو يقولَ: ما فلانٌ ههُنا. ويعنى مَوْضِعًا بعَيْنِه. أو يقولَ: واللَّه ما أَكَلْتُ من هذا شَيْئًا، ولا أَخذْتُ منه. يعنى الباقِى بعَد أخْذِه وأَكْلِه. فهذا وأَشْباهُه ممَّا يَسْبِقُ إلى فَهْمِ السامِعِ خِلافُه، إذا عناه بيَمِينِه، فهو تَأْويلٌ؛ لأنَّه خلافُ الظَّاهِرِ. ولا يخلُو حالُ الحالِفِ المتأوِّلِ، من ثَلاثَةِ أحْوالٍ؛ أحدُها؛ أَنْ يكونَ مَظْلُومًا، مثل مَنْ يَسْتَحْلِفُه ظالِمٌ على شىءٍ، لو صَدَقَه لظَلَمَه، أو ظَلَم غَيْرَه، أو نالَ مُسْلِمًا منه ضَرَرٌ. فهذا له تَأْوِيلُه. قال مُهَنَّا: سَأَلْتُ أحمدَ، عن رَجُلٍ له امْرَأَتانِ، اسمُ كُلِّ واحِدَةٍ منهما فاطِمَةُ، فماتَتْ واحِدَةٌ منهما، فحَلَفَ بطلاقِ فاطِمَةَ، وَنَوَى التى ماتَتْ؟ قال: إِنْ كان المُسْتَحْلِفُ له ظالمًا، فالنِّيَّةُ نِيَّةُ صاحِبِ الطَّلاقِ، وإِنْ كان المُطَلِّقُ هو الظالِمَ، فالنِّيَّةُ نِيَّةُ الذى اسْتَحْلَفَ. وقد رَوَى أبو داودَ، بإسْنادِه عن سُوَيْد بنِ حَنْظَلَةَ، قال: خَرَجْنَا نُرِيدُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ومَعَنا واثِلُ بنُ حُجْرٍ، فأخَذَه عَدُوٌّ له، فتَحَرَّجَ القومُ أَنْ يَحْلِفُوا، فحَلَفْتُ أنَّه أخى، فخلَّى سَبِيلَه، فأَتَيْنا رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فذَكَرْتُ ذلك له، فقال:"أَنْتَ أَبَرُّهُمٍ وأَصْدَقُهم، الْمُسْلِمُ أخُو الْمُسْلِمِ"(4). وقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ فِى الْمَعارِيض لَمَنْدُوحَةً عَنِ الْكَذِبِ"(5). يعنى سَعَةَ الْمَعارِيض التى يُوهِمُ بها السَّامِعَ غيرَ ما عَناهُ. قال محمدُ بنُ سِيرِينَ: الكلامُ أوْسَعُ منِ أَنْ يَكْذِبَ ظَرِيفٌ. يعنى لا يَحْتاجُ أَنْ يكْذِبَ؛ لكَثْرَةِ الْمَعاريضِ، وخَصَّ الظَّرِيف بذلك؛ يعنى به الكَيِّسَ الفَطِنَ، فإنَّه يفْطِنُ للتَّأْوِيلِ، فلا حاجَةَ به إلى الكَذِبِ. الحالُ (6) الثانِى، أَنْ يكونَ الحالِفُ ظالمًا، كالذى يَسْتَحْلِفُه الحاكِمُ على حَقٍّ عِنْدَه، فهذا يَنْصَرِفُ يَمِينُه إلى ظاهِرِ اللَّفْظِ الذى عَناهُ المُسْتَحْلِفُ، ولا ينْفَعُ الحالِفَ تأويلُه. وبهذا قال الشافِعِىُّ. ولا نَعْلَمُ فيه مُخالِفًا؛ فإِنَّ أبا هُرَيْرَة قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يَمِينُكَ عَلَى ما يُصَدِّقُكَ بِهِ صاحِبُكَ". روَاه مسلمٌ، وأبو داود (7).
(4) تقدم تخريجه، فى صفحة 441.
(5)
أخرجه البيهقى، فى: باب المعاريض فيها مندوحة عن الكذب، من كتاب الشهادات. السنن الكبرى 10/ 199.
(6)
فى الأصل، أ، ب هنا وفيما يلى:"الوجه". وما فى م مطابق للإجمال السابق.
(7)
أخرجه مسلم، فى: باب يمين الحالف على نية المستحلف، من كتاب الأيمان. صحيح مسلم 3/ 1274. وأبو داود، فى: باب المعاريض فى الأيمان، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود 2/ 200. =
وعن أبى هُرَيْرَةَ قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْيَمِينُ عَلى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ". روَاه مسلمٌ (8). وقالت عائِشَةُ: "الْيَمِينُ عَلَى مَا وَقَعَ لِلْمَحْلوفِ لَهُ"(9). ولأنَّه لو ساغَ التَّأْويلُ، لَبطلَ المَعْنَى المُبْتَغَى باليَمِينِ، إذْ (10) مَقْصودُها تَخْويفُ الحالِفِ ليَرْتَدِعَ عن الجُحودِ، خوفًا من عاقبَةِ اليَمينِ الكاذِبَةِ، فمتَى ساغَ التَّأْوِيلُ له، انْتَفَى ذلك، وصارَ التَّأْوِيلُ وَسِيلةً إلى جَحْدِ الحُقوقِ، ولا نعلَمُ فى هذا خِلافًا. قال إبراهيم، فى رجلٍ اسْتَحْلَفَه السلطانُ بالطَّلاقِ على شىءٍ، فوَرَّكَ (11) فى يَمِينِه إلى شىءٍ آخَرَ: أَجْزَأَ عنه، وإِنْ كان ظالِمًا لم يُجْزِئْ عنه التَّوْرِيكُ (12). الجالُ الثالِثُ، لم يكُنْ ظالمًا ولا مَظْلُومًا، فظاهِرُ كلامِ أحمد، أَنَّ له تَأْوِيلَه، [فإنَّه رُوِىَ](13) أَنَّ مُهَنَّا كان عندَه، هو والْمَرُّوذِىُّ وجماعَةٌ، فجاءَ رجلٌ يطْلُب الْمَرُّوذِىَّ، ولم يُرِدِ الْمَرُّوذِىُّ أَنْ يكلِّمَه، فوَضَعَ مُهَنَّا أُصْبُعَه فى كَفِّه، وقال: ليس الْمَرُّوذِىُّ ههُنا، وما يَصْنَعُ الْمَرُّوذِىُّ ههُنا! يُرِيد: ليس هو فى كَفِّه. ولم يُنْكِرْ ذلك أبو عبدِ اللَّه. ورُوِىَ أَنَّ مُهَنَّا قال له: إنِّى أُريدُ الخُروجَ -يعنى السَّفرَ إلى بلدِه- وأُحِبُّ أَنْ تُسْمِعَنِى الجُزءَ الفُلانِىَّ. فأسْمَعَه إيَّاهُ، ثم رآهُ بعدَ ذلك، فقال: أَلمْ تَقُلْ إنَّك تُرِيدُ الخروجَ؟ فقال له مُهَنَّا: قلتُ لَكَ: إنِّى أريدُ الخروجَ الآنَ؟ فلم يُنْكِرْ عليه. وهذا مذهبُ الشافِعِىِّ. ولا نَعْلَم فى هذا خلافًا. رَوَى سعيدٌ، عن جَرِيرٍ، عن المُغِيرَةِ، قال: كان إذا طَلَبَ إنسانٌ إبراهيمَ (14)، ولم يُرِدْ إبراهيمُ أَنْ يَلْقاهُ (15)، خَرَجَتْ إليه الخادِمُ،
= كما أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء أن اليمين على ما يصدقه صاحبه، من أبواب الأحكام 6/ 107. وابن ماجه، فى: باب من ورى فى يمنه، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه 1/ 686. والدارمى، فى: باب الرجل يحلف على الشىء وهو يورِّكُ على يمينه، من كتاب النذور. سنن الدارمى 2/ 187. والإمام أحمد، فى: المسند 2/ 288، 331.
(8)
فى: باب يمين الحالف على نية المستحلف، من كتاب الأيمان. صحيح مسلم 3/ 1274.
كما أخرجه ابن ماجه، فى: باب من ورى فى يمينه، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه 1/ 685.
(9)
أخرج نحوه عبد الرزاق، فى: باب اليمين بما يصدقك صاحبك، من كتاب الأيمان والنذور. المصنف 8/ 493.
(10)
فى ب، م:"إذا".
(11)
فى م: "فورَّى". والتوريك فى اليمين: نية ينويها الحالف غير ما نواه مستحلفه.
(12)
فى م: "التورية".
(13)
فى م: "فروى".
(14)
أى: النخعى.
(15)
فى ب: "يخرج".
فقالتْ: اطْلُبُوه فى المَسْجِد. وقال له رجلٌ: إنِّى ذكَرْتُ رجُلًا بشىءٍ، فكيف لى أَنْ أَعْتَذِرَ إليه؟ قال: قُلْ له: واللَّهِ إنَّ اللَّهَ يعلَمُ ما قُلْتُ من ذلك من شَىءٍ. وقد كان النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَمْزَحُ، ولا يقولُ إِلَّا حَقًّا (16)، ومُزاحُه أَنْ يُوهِمَ السَّامِعَ بكلامِه غيرَ ما عَناهُ، وهو التَّأْويلُ، فقال لِعَجوزٍ:"لا تَدْخُلُ الجَنَّةَ عجُوزٌ"(17). يعنى أَنَّ اللَّه يُنْشِئُهُنَّ أَبْكارًا عُرُبًا أَتْرابًا. وقال أَنَس: إن رجُلًا جاءَ إلى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللَّه، احْمِلْنِى. فقال رسولُ اللَّه:"إِنَّا حَامِلُوكَ عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ"(18). قال: وما أَصْنَعُ بوَلَدِ النَّاقَةِ؟ قال: "وهَلْ تَلِدُ الإِبلَ إِلَّا النُّوقُ؟ ". روَاه أبو داود (19). وقال لامْرَأَةٍ وقد ذَكَرَت له زَوْجَها: "أهُوَ الذِى فِى عَيْنِهِ بَيَاضٌ". فقالتْ: يا رَسُولَ اللَّه، إنَّه لَصَحِيحُ العَيْنِ (20). وأرادَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم بالبياضِ (21) الذى حولَ الحَدَق. وقال لرجُلٍ احْتَضَنَه مِن ورائِه:"مَنْ يَشْتَرِى (22) العَبْدَ؟ ". فقال: يا رسولَ اللَّهَ، تَجِدُنِى إذًا كاسِدًا. قال:"لكِنَّكَ عِنْدَ اللَّهِ لَسْت بِكاسِدٍ"(23). وهذا كُلُّه من التأوِيلِ والْمَعاريضِ، وقد سَمّاه النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم حَقًّا، فقال:"لَا أَقُولُ إلا حَقًّا"(16). ورُوِىَ عن شُرَيْحٍ، أنَّه خرجَ من عند زيادٍ، وقد حَضَرَه الموتُ، فقيل له: كيف تَرَكْتَ الأَمِيرَ؟ قال: ترَكْتُه يأمرُ ويَنْهَى. فلمَّا ماتَ قيل له: كيف قُلْتَ ذلك؟ قال: تَرَكْتُه يأمُر بالصَّبْرِ، ويَنْهَى عن البُكاءِ والجَزَعِ. ويُرْوَى عن شَقِيقٍ، أَنَّ رجُلًا خطبَ امرأَةً، وتحتَه أُخْرَى، فقالُوا: لا نُزوِّجُك حتى تُطَلِّقَ امْرَأَتَك. فقال: اشْهَدُوا أَنِّى قد طَلَّقْتُ ثلاثًا. فَزَوَّجُوه، فأقامَ على امْرَأَتِه، فقالُوا: قد طَلَّقْتَ
(16) أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى المزاح، من أبواب البر والصلة. عارضة الأحوذى 8/ 157. والإمام أحمد، فى: المسند 2/ 340، 360.
(17)
عزاه السيوطى إلى البيهقى فى شعب الإيمان، والطبرانى فى الأوسط. الدر المنثور 6/ 158.
(18)
فى م: "الناقة".
(19)
فى: باب ما جاء فى المزاح، من كتاب الأدب. سنن أبى داود 2/ 596.
كما أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى المزاح، من أبواب البر والصلة. عارضة الأحوذى 8/ 158.
(20)
انظر: الطبقات السنية 1/ 61.
(21)
فى م: "البياض".
(22)
فى م زيادة: "هذا".
(23)
أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند 3/ 161.