الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب (1) الكَفَّارات
الأَصْلُ فى كفّارَةِ اليَمِينِ، الكتابُ والسُّنَّةُ والإِجْماعُ؛ أمَّا الكتابُ فقولُ اللَّه تعالى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (2). وأمَّا السُّنَّةُ، فقولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غيْرَهَا خَيرًا مِنْهَا، فَائْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ"(3). فى أخْبارٍ سِوَى هذا. وأجمعَ المسلِمُون على مَشْرُوعِيَّةِ الكَفَّارَةِ فى الْيَمِينِ باللَّهِ تعالى.
1804 - مسألة؛ قال أبو القاسِمِ، رحمه الله:(وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْه بِالْحِنْثِ كَفَّارَةُ يَمينٍ، فَهُوَ مُخيَّرٌ؛ إِنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ مُسْلِمينَ أَحْرَارًا، كِبارًا كَانُوا أَوْ صِغارًا، إِذَا أَكَلُوا الطَّعَامَ)
أجْمَع أهلُ العلمِ، على أَنّ الحانِثَ فى يَمِينِه بالْخِيارِ؛ إِنْ شاءَ أَطْعَمَ، وإِنْ شاءَ كَسَا، وإِنْ شاءَ أَعْتَقَ، أَىُّ ذلك فَعَلَ أَجْزَأَه؛ لأَنَّ اللَّه تعالى عَطَفَ بعضَ هذه الْخِصالِ على بعضٍ بحَرْفِ "أو"، وهو للتَّخْيِير. قال ابنُ عبَّاسٍ: ما كان فى كتابِ اللَّه {أَوْ} فهو مُخَيَّرٌ فيه، وما كان {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} فالأوَّلُ الأوَّلُ. ذكَره الإمامُ أحمدُ فى "التفسير". والواجِبُ فى الإِطْعامِ إطعامُ عَشَرَةِ مساكِينَ؛ لنَصِّ اللَّهِ تعالى على عَدَدِهم، إِلَّا أَنْ لا يَجِدَ عَشَرَةَ مساكِينَ (1)، فيأْتى ذِكْرُه (2)، إِنْ شاءَ اللَّهُ تعالى. ويُعْتَبَرُ فى المَدْفوعِ إليهم أَرْبَعَةُ
(1) فى ب، م:"كتاب".
(2)
سورة المائدة 89. وورد منها فى م إلى قوله تعالى: {مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}. ثم جاء مكان الباقى: "الآية".
(3)
تقدم تخريجه، فى: 11/ 39.
(1)
لم يرد فى: الأصل، أ، ب.
(2)
فى الأصل: "ذكرهم".
أوْصافٍ؛ أَنْ يكونُوا مَساكِينَ، وهم الصِّنْفانِ اللَّذانِ تُدْفَعُ إليهم الزَّكَاةُ، المَذْكُورَانِ فى أَوَّلِ أصْنافِها (3)، فى قولِه تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} (4). والفُقَراءُ مَساكِينُ وزِيادَةٌ؛ لكَوْنِ الفقيرِ أشَدَّ حاجَةً من المِسْكينِ، على ما قَرَّرْناهُ (5)، ولأنَّ الفَقْرَ والمَسْكَنَةَ فى غيرِ الزَّكاةِ شىءٌ واحِدٌ؛ لأنَّهُما جَمِيعًا اسمٌ للحاجَةِ إلى ما لابُدَّ منه فى الكِفايَةِ، ولذلك لو وَصَّى للفُقَراءِ، أو وَقَفَ عليهم، أو للمساكِينِ، لَكانَ ذلك لهما (6) جميعًا، وإنَّما جُعِلَا صِنْفَيْنِ فى الزَّكَاةِ، وفُرِّقَ بينهما؛ لأنَّ اللَّه تعالى ذكرَ الصِّنْفَيْن جميعًا باسْمَيْن، فاحْتِيجَ إلى التَّفْرِيقِ بينهما، فأمَّا فى غيرِ الزَّكاةِ، فكُلُّ واحِدٍ من الاسْمَيْنِ يُعَبَّرُ به عن الصِّنْفَيْنِ؛ لأَنَّ جِهَةَ اسْتِحْقاقِهِم واحِدَةٌ، وهى الحاجَةُ إلى ما تَتِمُّ به الكِفايَةُ، ولا يجوزُ صَرْفُها إلى غيرِهم، سواءٌ كان مِن أصْنافِ الزّكاةِ، أو لم يَكُنْ؛ لأَنَّ اللَّه تعالى أمَرَ بها للمَساكِينِ، وخَصَّهم بها، فلا تُدْفَعُ إلى غيرِهم، ولأنَّ القَدْرَ المَدْفوعَ إلى كلِّ واحدٍ من الكَفَّارةِ قَدْرٌ يَسِيرٌ، يُرادُ به دَفْعُ حاجَةِ يَوْمِه فى مُؤْنَتِه، وغيرُهم من الأَصْنافِ لا تَنْدَفِعُ حاجَتُهم بهذا؛ لكَثْرَةِ حاجَتِهم، وإذا صَرَفُوا ما يَأْخُذُونَه فى حاجَتِهم، صَرَفُوه إلى غيرِ ما شُرِعَ له. الثانى، أَنْ يكونُوا أحْرارًا، فلا يُجْزِئُ دَفْعُها إلى عَبْدٍ (7)، ولا مُكاتَبٍ، ولا أُمِّ وَلَدٍ. وبهذا قال مالِكٌ، والشافِعِىُّ. واختارَ الشريفُ أبو جعفر جَوازَ دَفْعِها إلى مُكاتَبِ نفسِه وغيرِه. وقال أبو الخَطَّاب: يتَخرَّجُ جَوازُ دَفْعِها إليه، بناءً على جَوازِ إعْتاقِه فى كَفَّارَتِه؛ لأنَّه يأْخُذُ من الزكاةِ لحاجَتِه، فأشْبَهَ المِسْكِينَ. ولَنا، أَنَّ اللَّه تعالَى عَدَّه صِنْفًا فى الزَّكاةِ غيرَ صِنْفِ الْمَساكينِ، ولا هو فى مَعْنى المساكِينِ؛ لأنَّ حاجَتَهُ مِن (8) غيرِ جِنْسِ حاجَتِهم، فيَدُلُّ (9) على أنَّه ليس بمِسْكين، والكفَّارَةُ إنَّما هى للمساكينِ؛ بدليلِ الآيَةِ، ولأَنَّ المِسْكينَ يُدْفَعُ إليه لتتمَّ كفايَتُه، والمُكاتَبُ إنَّما يأْخذُ لِفَكاكِ رَقَبَتِه، أمَّا
(3) فى م: "أصنافهم".
(4)
سورة التوبة 60.
(5)
فى م: "بيناه". وتقدم فى: 9/ 306.
(6)
فى ب، م:"لهم".
(7)
لم يرد فى: الأصل.
(8)
سقط من: م.
(9)
فى م: "فدل".
كِفايَتُه فإنَّها حاصِلَةٌ بكَسْبِه ومالِه، فإنْ لم يكُنْ له كسبٌ ولا مالٌ، عَجَّزه سَيِّدُه، ورجَعَ إليه، واسْتَغْنى بإنْفاقِه، ويُخالِفُ (10) الزَّكاةَ؛ فإنَّها تُصْرَفُ إلى الغَنِىِّ، والكَفَّارَةُ بخلافِها. الثالث، أَنْ يكونُوا مسلمين، ولا يجوزُ صَرْفُها إلى كافِرٍ، ذِمِّيًّا كان أو حَرْبِيًّا. وبذلك قال الحسنُ، والنَّخَعِىُّ، والأَوْزَاعِىُّ، ومالكٌ، والشافِعِىُّ، وإِسْحاقُ، وأبو عُبَيْد. وقال أبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ: يجوزُ دَفْعُها إلى الذِّمِّىِّ؛ لدُخولِه فى اسْمِ المساكينِ، فيدْخُلُ فى عُمومِ الآيةِ، ولأنَّه مِسْكينٌ من أهلِ دارِ الإِسْلامِ، فأَجْزَأَ الدَّفْعُ إِليه من الكَفَّارَةِ، كالمسلمِ. ورُوِىَ نحوُ هذا عن الشَّعْبِىِّ. وخَرجَه أبو الخَطَّاب وَجْهًا فى المذهب؛ بِناءً على جوازِ إعْتاقِه فى الكَفَّارَةِ. وقال الثَّوْرِىُّ: يُعْطِيهم إِنْ لم يَجِدْ غيْرَهم. ولَنا، أنَّهُم كُفَّارٌ، فلم يَجُزْ إعْطاؤُهم، كمُسْتَأْمنِى أهلِ الحربِ، والآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بهذا، فَنَقِيسُ. الرابعُ، أَنْ يكونُوا قد أَكلُوا الطَّعامَ، فإنْ كان طِفْلًا لم يَطْعَمْ، لم يَجُزِ الدَّفْعُ إليه، فى ظاهِرِ كلامِ الْخِرَقِىِّ، وقوْلِ القاضِى. وهو ظاهِرُ قولِ مالكٍ؛ فإنَّه قال: يجوزُ الدَّفْعُ إلى الفَطِيمِ. وهذا (11) إحْدَى الرِّوايَتَيْن عن أحمدَ. والرِّوايَةُ الثانية، يجوزُ دَفْعُها إلى الصَّغيرِ الذى لم يَطْعَمْ، ويَقْبِضُ للصَّغِيرِ وَلِيُّه. وهذا (11) الذى ذَكَرَه أبو الخَطَّاب (12) المَذْهبُ. وهو مذهبُ الشافِعِىّ، وأصحابِ الرَّأْى. قال أبو الخَطَّاب: وهو قولُ أكثرِ الفُقَهاءِ؛ لأنَّه حُرٌّ مُسْلِمٌ مُحْتاجٌ، فأَشْبَهَ الكبيرَ، ولأَنَّ أكْلَه للكَفَّارَةِ ليس بشَرْطٍ، وهذا يصْرِفُ الكفَّارَةَ إلى ما يحْتاجُ إليه، ممَّا تَتِمُّ به (13) كِفايَتُه، فأشْبَهَ الكبيرَ. ولَنا، قولُه تعالَى:{إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} . وهذا يَقْتَضِى أَكْلَهُم له، فإذا لم تُعْتَبَرْ حَقِيقَةُ [أكْلِهم، يجبُ اعْتبارُ](14) إمْكانِه ومَظِنَّتِه، ولا تَتَحَقَّقُ مَظِنَّتُه فى مَن لا يأكُلُ، ولأنَّهُ لو كانْ المَقْصُودُ دَفْعَ حاجةٍ (15)، لَجازَ دَفْع القِيمَةِ، ولم يتَعيَّنِ الإطعامُ، وهذا يُقَيِّدُ ما ذَكَرُوه. فإذا اجْتَمَعَت هذه الأَوْصافُ الأَرْبَعَةُ فى واحدٍ، جازَ الدَّفْعُ إليه، سَواءٌ كان
(10) فى م: "وخالف".
(11)
فى م: "وهو".
(12)
فى م زيادة: "فى".
(13)
سقط من: ب.
(14)
فى م: "أكله اعتبر".
(15)
فى م: "حاجته".