الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيفَ نقولُ؟ قال: قُلْ: بُورِكَ فى المَوْهُوبِ، وشَكَرْتَ الواهِبَ، وبلَغ أَشُدَّه، ورُزِقْتَ بِرَّهُ. ورُوِى أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كان يُحَنِّكُ أوْلادَ الأنْصارِ بالتَّمْرِ (13). ورَوَى أَنَسٌ قال: ذَهَبْتُ بعبدِ اللَّهِ بنِ أبى طَلْحَةَ إلى رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، حينَ وُلِدَ قال:"هَلْ مَعَكْ تَمْرٌ؟ ". فناوَلْتُه تَمَراتٍ، فَلاكَهُنّ، ثم فَغَرَ فَاهُ ثم مَجَّهُ فيه، فجعلَ يَتَلمَّظُ. فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"حُبِّ (14) الأَنْصارِ التَّمْر". وسَمَّاه عبدَ اللَّه (15).
فصل:
قال أصحابُنا: لا تُسَنُّ الفَرَعَةُ ولا الْعَتِيرَةُ. وهو قولُ عُلَماءِ الأَمْصارِ سِوَى ابنِ سيرينَ، فإنَّه كان يذْبَحُ العَتِيرةَ فى رجب، ويَرْوِى فيها شيئًا. والفرَعَةُ والفرَعُ؛ بفتحِ الراءِ: أوّلُ ولَدِ الناقَةِ. كانُوا يَذْبَحُونَه لآلِهَتِهم فى الجاهِلِيَّةِ، فنُهُوا عنها. قال ذلك أبو عَمْرٍو الشَّيبانِىُّ. وقال أبو عُبَيْدٍ: العَتِيرَةُ هى الرَّجَبِيَّةُ، كان أهلُ الجاهِلِيَّة إذا طلبَ أحدُهم أمرًا، نذرَ أَنْ يذْبَحَ من غَنَمِه شاةً فى رَجب، وهى الْعَتائِرُ. والصحيحُ، إنْ شاءَ اللَّه تعالَى، أنَّهم كانُوا يَذْبَحُونها فى رَجب من غيرِ نَذْرٍ، جَعَلُوا ذلك سُنَّة فيما بَيْنَهم، كالأُضْحِيَةِ فى الأضْحَى، وكان منهم مَن ينْذُرُها كما قد تُنْذَرُ الأُضْحِيَةُ، بدليلِ قولِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ أُضْحَاةٌ وعَتِيرَةٌ"(16). وهذا الذى قالَه النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فى بَدْءِ الإِسلامِ تقريرٌ لما كان فى الجاهِلِيَّةِ، وهو يَقْتَضِى ثُبُوتَها بغيرِ نَذْرٍ، ثم نُسِخَ ذلك بعدُ. ولأنَّ العَتِيرَةَ لو كانت هى الْمَنْذُورَةَ لم تكُنْ مَنْسُوخَةً، فإِنَّ الإِنْسانَ لو نَذَرَ ذَبْحَ شاةٍ فى أىِّ وقتٍ كان، لَزِمَه الوَفاءُ بنَذْرِه. واللَّه أعلم. ورُوِىَ عن عائِشَةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنها، قالت: أَمَرَنا
(13) تحنيك الأطفال بالتمر رواه مسلم، فى: باب حكم بول الطفل الرضيع. . .، من كتاب الطهارة. صحيح مسلم 1/ 237. وأبو داود، فى: باب فى الصبى يولد فيؤذن فى أذنه، من كتاب الأدب. سنن أبى داود 2/ 622. والإمام أحمد، فى: المسند 6/ 212. وانظر: حديث أنس التالى.
(14)
قال النووى: روى بضم الحاء كسرها، فالكسر بمعنى المحبوب، وعلى هذا فالباء مرفوعة، وأما من ضم الحاء فهو مصدر، وفى الباء على هذا وجهان؛ النصب وهو الأشهر، والرفع، فمن نصب فتقديره: انظروا حب الأنصار التمر، فينصب التمر أيضًا، ومن رفع قال: هو مبتدأ حذف خبره، أى حب الأنصار التمر لازم. شرح النووى لمسلم 14/ 133.
(15)
تقدم تخريجه، فى صفحة 397.
(16)
تقدم تخريجه، فى صفحة 361.
رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بالفَرَعَةِ، من كُلِّ خمسين (17) واحِدَةٌ (18). قال ابنُ المنذر: هذا حَدِيثٌ ثابِتٌ. ولَنا، ما رَوَى أبو هُرَيْرةَ، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"لَا فَرَعَ، وَلا عَتِيرَةَ". مُتَّفَقٌ عليه (19). وهذا الحديث مُتَأَخِّرٌ عن الأمْرِ بها، فيكونُ ناسِخًا، ودليلُ تأخُّرِه أَمْران؛ أحدُهما، أَنَّ راوِيَه أبو هُرَيْرَةَ، وهو مُتأخِّرُ الإِسلامِ، فإنَّ إِسْلامَه فى سنةِ فتْحِ خَيْبَرَ، وهى السنةُ السابعةُ من الهجرةِ، والثانى، أَنَّ الفَرَعَ والْعَتِيرَةَ كان فِعْلُها أمْرًا مُتَقَدِّمًا على الإِسلامِ، فالظَّاهِرُ بَقاؤُهم عليه إلى حينِ نَسْخِه، واسْتمرارُ النَّسخِ من غيرِ رَفْعٍ له، ولو قَدَّرْنا تقدُّمَ النَّهْى على (20) الأَمْر بها، لَكانَتْ قد نُسِخَت ثم نُسِخٍ ناسِخُها، وهذا خلافُ الظَّاهِر. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ المُرادَ بالخَبرِ نَفْيُ كَوْنِها سُنَّةً، لا تَحْرِيمُ فِعْلِها، ولا كراهَتُه، فلو ذَبَحَ إنسانٌ ذَبِيحَةً فى رَجَب، أو ذَبَحَ ولَدَ الناقَةِ لحاجَتِه إلى ذلك، أو للصَّدَقَةِ به وإطْعامِه، لم يكُنْ ذلك مكروهًا. واللَّهُ تعالى أعلمُ.
(17) فى ب، م:"خمس".
(18)
أخرجه البيهقى، فى: باب ما جاء فى الفرع والعتيرة، من كتاب الضحايا. السنن الكبرى 9/ 312.
(19)
أخرجه البخارى، فى: باب الفرع والعتيرة، من كتاب العقيقة. صحيح البخارى 7/ 110. ومسلم، فى: باب الفرع والعتيرة، من كتاب الأضاحى. صحيح مسلم 3/ 1564.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى العتيرة، من كتاب الأضاحى. سنن أبى داود 2/ 94. والترمذى، فى: باب ما جاء فى الفرع والعتيرة، من أبواب الأضحية. عارضة الأحوذى 6/ 312. والنسائى، فى: باب أخبرنا إسحاق بن إبراهيم. . .، من كتاب الفرع. المجتبى 7/ 147. وابن ماجه، فى: باب الفرعة والعتيرة، من كتاب الذبائح. سنن ابن ماجه 2/ 1058. والدارمى، فى: باب الفرع والعتيرة، من كتاب الأضاحى. سنن الدارمى 2/ 80، والإمام أحمد، فى: المسند 2/ 239، 279، 490.
(20)
سقط من: م.