الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالسَّيْفِ، ثم وقَع، فأتْبَعَه ضَرْبًا بِالسيفِ حتى قَتَلَه، فلما فتَحَ اللَّه الفَتْحَ، أقبلَ بسَلَبِ القتيلِ، وقد شَهِدَ له الناسُ أنَّه قاتِلُه، فأعْطاه خالدٌ بعضَ سَلَبِه، وأمْسَكَ سائِرَه، فلمَّا قدِمَ المدينةَ اسْتَعْدَى رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فدَعا خالدًا، فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"ما مَنَعَكَ يا خَالِدُ أنْ تَدْفَعَ إلَى هذَا سَلَبَ قَتِيلِهِ؟ ". قال: اسْتَكْثَرْتُه له. قال: "فَادْفَعْهُ إليْهِ". وذكرَ الحديثَ. روَاه أبو داودَ (17).
الفصل الرابع:
أنَّه إنَّما يسْتَحِقُّ السَّلَبَ بشُروطٍ أربعةٍ؛ أحدُها، أنْ يكونَ المقتولُ من المُقاتِلَة الذين يجوزُ قَتْلُهم، فأمَّا إنْ قتلَ امرأةً، أو صَبِيًّا، أو شيخًا فانِيًا، أو ضعيفًا مَهِينًا، ونحوَهم ممَّنْ لا يُقاتِل، لم يسْتَحِقَّ سَلَبَه. لا نعلَمُ فيه خلافًا. وإن كان أحدُ هؤلاء يُقاتِلُ، اسْتَحَقَّ قاتِلُه سَلَبَه، لأنَّه يجوزُ قَتْلُه، ومَنْ قتلَ أسيرًا له أو لغيرِه، لم يسْتَحِقَّ سَلَبَه؛ لذلك. الثانى، أنْ يكونَ المقتولُ فيه مَنَعَةٌ (18)، غيرَ مُثْخَنٍ بالجراحِ، فإنْ كان مُثْخَنًا بالجراحِ، فليس لقاتِلِه شىءٌ من سَلَبِه. وبهذا قال مَكْحولٌ، وحَرِيزُ (19) ابنُ عثمانَ، والشافِعِىُّ؛ لأنّ مُعاذَ بن عمرِو بن الجَمُوح، أثبَتَ أبا جهْلٍ، وذَفَّفَ عليه ابنُ مسعودٍ، فقضَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بسَلَبِه لِمُعاذٍ بن عمرِو بن الجَمُوحِ، ولم يُعْطِ ابنَ مسعودٍ شيئًا (20). وإنْ قطَعَ يَدَىْ رجُلٍ ورِجْلَيْه، وقَتَلَه آخرُ، فالسلَبُ للقاطِعِ دونَ
(17) فى: باب فى الإمام يمنع القاتل السلب إن رأى، . . .، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 65، 66.
كما أخرجه مسلم، فى: باب استحقاق القاتل سلب القتيل، من كتاب الجهاد والسير. صحيح مسلم 3/ 1373، 1374. والإمام أحمد، فى: المسند 6/ 26. وسعيد بن منصور، فى: باب النفل والسلب فى الغزو والجهاد، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 260، 261.
(18)
فى م: "منفعة".
(19)
فى النسخ: "وجرير" تصحيف.
وهو حريز بن عثمان بن جبر الرحبى المِشْرَقىّ، تابعى ثبت، ولد سنة ثمانين، وتوفى سنة ثلاث وستين ومائة. تهذيب التهذيب 2/ 237 - 241.
(20)
أخرجه البخارى، فى: باب من لم يخمس الأسلاب، من كتاب فرض الخمس، وفى: باب قتل أبى جهل، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 4/ 112، 5/ 94، 95. ومسلم، فى: باب استحقاق القاتل سلب القتيل، وفى: باب قتل أبى جهل، من كتاب الجهاد والسير. صحيح مسلم 3/ 1372، 1424.
القاتِلِ؛ لأنَّ القاطعَ هو الذى كفَى المسلمين شَرَّه. وإنْ قطعَ يدَيْه أو رجلَيْهِ، وقتلَهُ الآخرُ (21) فالسَّلَبُ للقاطِعِ، فى أحَدِ الوَجْهَيْن؛ لأنَّه عطَّلَه، فأشْبَه الذى قتلَه، والثانى، سَلَبُه فى الغَنِيمَةِ؛ لأنَّه إنْ كانت رِجْلاه سالِمَتَيْنِ، فإنَّه يعْدُو ويُكْثِرُ، وإن كانت يَداهُ سالِمَتَيْن، فإنَّه يُقاتِلُ بهما، فلم يَكْفِ القاطعُ شرَّه كلَّه، ولا يستحقُّ القاتلُ سَلَبَه؛ لأنَّه مُثْخَنٌ بالجراحِ. وإنْ قَطَعَ يدَه ورِجْلَه من خِلافٍ، فكذلك. وإنْ قطعَ إحْدَى يَدَيْه وإحْدَى رجْلَيْه، ثمّ قَتَلَه آخرُ، فسَلَبُه غَنِيمةٌ. ويَحْتَمِلُ أنَّه للقاتِلِ؛ لأنَّه قاتِلٌ لمَنْ لم [يكْتَفِ المسلمون](22) شرَّه. وإنْ عانَقَ رجلٌ رجُلًا، فقَتَلَه آخرُ، فالسَّلَبُ للقاتِلِ. وبهذا قال الشافِعِىُّ. وقال الأوْزَاعِىُّ: هو للمُعانِقِ. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا، فَلَهُ سَلَبُهُ". ولأنَّه كفَى المسلمين شَرَّه، فَأشْبَهَ ما لو لم يُعانِقْه الآخَرُ. وكذلك لو كان الكافِرُ مُقْبِلًا على رجلٍ يقاتِلُه، فجاءَ آخرُ من ورائِه، فضرَبَه فقَتَلَه (23)، فسَلَبُه لقاتِلِه، بدليلِ قَضِيَّةِ (24) قتيلِ أبى قتادةَ. الثالث، أنْ يقتُلَه أو يُثْخِنَه بجِرَاحٍ تجعَلُه فى حُكْمِ المقتولِ. قال أحمد: لا يكونُ السَّلَبُ إلَّا لقاتلٍ (25). وإنْ أسرَ رجلًا، لم يسْتَحِقَّ سَلَبَهُ، سواءٌ قتلَه الإِمامُ أو لم يَقْتُلْه. وقال مَكْحولٌ: لا يكونُ السَّلَبُ إلَّا لِمَنْ أسَرَ عِلْجًا أو قتلَه. وقال القاضى: إذا أسرَ رجُلا، فقَتَلَه الإِمامُ صَبْرًا، فسَلَبُه لمَنْ أسَرَه؛ لأنَّ الأسْرَ أصْعَبُ من القتلِ، فإذا اسْتَحقَّ سَلَبَهُ بالقَتْلِ، كان تَنْبِيهًا على اسْتِحْقاقِه بالأَسْرِ. قال: وإن اسْتَبْقَاه الإِمامُ، كان له فداؤُه، أو رقبتُه وسَلَبُه، لأنَّه كفَى المسلمين شَرَّه. ولَنا، أنَّ المُسْلِمين أسَرُوا أسْرَى يومَ بدْرٍ، فقَتلَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عُقْبَةَ والنَّضْرَ بن الحارِث، واسْتَبْقَى سائِرَهم (26)، فلم يُعْطِ مَنْ أسَرَهم أسْلابَهم، ولا
(21) فى أ: "آخر".
(22)
فى الأصل: "يكتف المسلمين". وفى م: "يكف المسلمين".
(23)
سقط من: أ.
(24)
فى م: "قصة".
(25)
فى م: "للقاتل".
(26)
انظر ما تقدم، فى صفحة 46.
فِداءَهم، وكان فِداؤُهم غَنِيمةً. ولأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم إنَّما جَعَلَ السَّلَبَ للقاتِلِ، وليس الآسِرُ بقاتلٍ، ولأنَّ الإمامَ مُخَيَّرٌ فى الأسْرَى، ولو كان لمن أسرَه، كان أمْرُه إليه دونَ الإِمام. الرابع، أنْ يُغَرِّرَ بنفسِه فى قَتْلِه، فأمَّا إنْ رماه بسَهْمٍ من صَفِّ المسلمين فقَتَلَه، فلا سَلَبَ له. قال أحمد: السَّلَبُ للقاتلِ، إنَّما هو فى المُبارَزَةِ، لا يكونُ فى الهَزِيمةِ. وإنْ حملَ جماعَةٌ من المسلمين على واحدٍ فقَتلُوهُ (27)، فالسَّلَبُ فى الغنيمةِ؛ لأنَّهم لم يُغرِّروُا بأنْفُسِهم فى قَتْلِه. وإن اشْتَرَكَ فى قتْلِه اثنان، فظاهِرُ كلامِ أحمد أنَّ سَلَبَهُ غنيمةٌ، فإنَّه قال، فى روايَةِ حَرْبٍ: له السَّلَبُ إذا انْفَردَ بقَتْلِه. وحكَى أبو الخَطَّاب، عن القاضِى، أنَّهُما يشْترِكان فى سَلَبِه؛ لقولِه:"مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا، فَلَهُ سَلَبُهُ". وهذا يتناوَلُ الواحِدَ والجماعةَ، ولأنَّهما اشْتَرَكا فى السَّبَبِ، فاشتركا فى السَّلَبِ. ولَنا، أنَّ السَّلَبَ إنَّما يُسْتَحَقُّ بالتَّغْرِيرِ فى قَتْلِه، ولا يحْصُلُ ذلك بقَتْلِ الاثْنَيْن، فلم يُسْتَحَقَّ به السَّلَبُ، كما لو قَتَلَه جماعةٌ، ولم يبْلُغْنا أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم شَرَّكَ بين اثنين فى سَلَبٍ (28). فإن اشْتَرَك اثنان فى ضَرْبِه، وكان أحدُهما أبلغَ فى قَتْلِه من الآخرِ، فالسَّلَبُ له؛ لأنَّ أبا جَهْلٍ ضَرَبَه مُعاذُ بنُ عمْرٍو بن الجَمُوحِ، ومعاذُ بن عَفْراءَ، وأتيا النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فأخْبَرَاه، فقال:"كِلَاكُما قَتَلَهُ". وقَضَى بسَلَبِه لمُعاذ بن عمرٍو بن الجَمُوحِ. وإن انهزَمَ الكُفَّارُ كلُّهم، فأدْرَكَ إنسانٌ مُنْهزِمًا منهم (29)، فقتَلَه، فلا سَلَبَ له؛ لأنَّه لم يُغَرِّرْ فى قَتْلِه. وإنْ كانت الحَرْبُ قائمةً، فانْهزَمَ أحدُهم، فقتَلَه إنسانٌ، فسَلَبُه لقاتِلِه؛ لأنَّ الحرْبَ فَرٌّ وكَرٌّ، وقد قتلَ سَلَمَةُ بنُ الأكْوعِ طَلِيعةً للكُفَّار وهو مُنْهَزِمٌ، فقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ قَتَلَهُ؟ ". قالوا: سَلَمةُ بنُ الأكْوعِ. قال: "لَهُ سَلَبُهُ أجْمَعُ"(30). وبهذا قال الشافِعِىُّ. وقال
(27) فى م: "فقتلوا".
(28)
فى م: "السلب".
(29)
سقط من: أ.
(30)
أخرجه مسلم، فى: باب استحقاق القاتل سلب القتيل، من كتاب الجهاد والسير. صحيح مسلم 3/ 1374، 1375. وأبو داود، فى: باب فى الجاسوس المستأمن، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 45، 46. والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 46.