الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليهم، فقَتْلُه أَصْلَحُ، ومنهم الضَّعِيفُ الذي له مالٌ كثيرٌ، ففداؤُه أَصْلَحُ، ومنهم حَسَنُ الرَّأْىِ في المُسْلِمين، يُرْجَى إسلامُه بالمَنِّ عليه، أو مَعُونَتُه للمسلمين بتَخْليصِ أَسْراهم، والدَّفْعِ عنهم، فالمَنُّ عليه أَصْلَحُ، ومنهم مَنْ يُنْتَفَعُ بخِدْمَتِه، ويُؤْمَنُ شَرُّه، فاسْتِرْقاقُه أصْلَحُ، كالنِّسَاءِ والصِّبْيانِ، والإِمامُ أَعلَمُ بالمَصْلَحَةِ، فيَنْبَغِى أنْ يُفَوَّضَ ذلك إليه، وقولُه تعالى:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} عامٌّ لا يُنْسَخُ به الخاصُّ، بل يُنَزَّلُ على ما عدا المَخْصوص، ولهذا لم يُحَرِّمُوا اسْتِرْقاقَه، فأمَّا عَبَدَةُ الأَوْثان، ففى اسْتِرْقاقِهم رِوايتان؛ إحداهُما، لا يجوزُ. وهو مذهبُ الشافِعِىّ. وقال أبو حنيفةَ: يجوزُ في العَجَمِ دونَ العربِ، بِناء على قولِه في أَخْذِ الجِزْيَةِ منهم (16). ولَنا، أنَّه كافِرٌ لا يُقَرُّ بالجِزْيَةِ، فلمْ يُقَرَّ بالاسْتِرْقاقِ كالمُرْتَدِّ، وقد ذَكَرْنا الدَّلِيلَ عليه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ هذا تَخْيِيرُ مَصْلحةٍ واجْتهادٍ، لا تَخْييرُ شَهْوةٍ، فمتى رأَي المصلحةَ في خَصْلةٍ من هذه الخِصالِ، تَعَيَّنَت عليه، ولم يجُزِ العدولُ عنها، ومتى تَرَدَّدَ فيها، فالقَتْلُ أوْلَى. قال مُجاهد في أمِيرين؛ أحدُهما يَقتُلُ الأَسْرَى: هو أفْضَلُ. وكذلك قال مالِك. وقال إسحاق: الإِثْخانُ أحَبُّ إلىَّ، إلَّا (17) أن يكونَ معروفًا يَطْمَعُ به في الكثيرِ.
فصل:
وإنْ أَسْلَم الأسيرُ صارَ رقيقًا في الحالِ، وزالَ التَّخْيِيرُ، وصار حُكْمُه حُكْمَ النِّساء. وبه قال الشافِعِىُّ في أحَدِ قولَيْهِ. وفى الآخرِ، يَسْقُطُ القَتْلُ، ويَتَخَيَّرُ بين الخِصالِ الثَّلاث؛ لما رُوِىَ أنَّ أصحابَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم أسَرُوا رجُلًا من بنى عُقَيْلٍ، فمَرَّ به النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمدُ، علَامَ أُخِذْتُ وأُخِذَت سابقةُ الحاجِّ؛ فقال:"أُخِذْتَ بجَرِيرةِ حُلَفائِكَ مِنْ ثَقِيفٍ، فَقَدْ أَسَرَتْ رَجُلَيْنِ مِنْ أصْحابِى". فمَضَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، فنَاداه: يا محمدُ، يا محمد. فقال له:"مَا شَأْنُكَ؟ " فقال: إنِّي مُسْلِمٌ، فقال:"لَوْ قُلْتَهَا وَأنْتَ تَمْلِكُ أمْرَكَ، لَأَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ". وفادَى به
(16) سقط من: الأصل، ب، م.
(17)
سقط من: م.