الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَرَطَه (57) الآنَ كان بَاطِلًا، فلا يجوزُ قياسُه على الصَّحيحِ، ولا إلْحاقُه به.
فصل:
والشروطُ فى عَقْدِ الهُدْنَةِ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْن؛ صحيحٌ؛ مثل أنْ يَشْتَرِطَ عليهم مالًا، أو مَعُونَةَ المسلمين عندَ حاجَتِهم إليهم، أو يَشْتَرِطَ (58) لهم أنْ يَرُدَّ من جاءَه من الرجالِ مسلمًا أو بأمانٍ. فهذا يَصِحُّ. وقال أصحابُ (59) الشافِعِىِّ: لا يَصِحُّ شرطُ رَدِّ المسلمِ، إلَّا أنْ يكونَ له عَشِيرةٌ تَحْمِيه وتَمْنَعُه. ولَنا، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم شرطَ ذلك فى صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، ووَفَّى لهم به، فرَدَّ أبا جَنْدَلِ [بنِ سُهَيْلٍ](60) وأبا بَصِيرٍ، ولم يَخُصَّ بالشَّرْطِ ذا العشيرَةِ، ولأنَّ ذَا العَشِيرةِ إذا كانت عَشِيرَتُه هى التى تَفتِنُه وتُؤْذِيه، فهو كمَنْ لا عَشِيرةَ له، لكنْ لا يجوزُ هذا الشَّرْطُ إلَّا عندَ شدَّةِ الحاجَةِ إليه، وَتَعَيُّنِ المصلحَةِ (61) فيه، ومتى شرطَ لهم ذلك، لزِمَ الوفاءُ به، بمعنَى (62) أَنَّهم إذا جاءُوا فى طَلَبِه، لم يَمْنَعْهم أخْذَه، ولا يُجْبِرُه (63) الإِمامُ على المُضِىِّ معه، وله أنْ يأمُرَه (64) سِرًّا بالهرَبِ منهم، ومُقَاتَلَتِهم فإنَّ، أبا بَصِيرٍ لمَّا جاءَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، وجاءَ الكفارُ فى طلَبِه، قال له النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّا لَا يَصْلُحُ في دِينِنَا الْغَدْرُ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَيْه، ولَعَلَّ اللهَ أنْ يَجْعَلَ لَكَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا" فلمَّا رجَعَ مع الرَّجُلَين، قَتَلَ أحَدَهما فى طريقهِ، ثمَّ رَجَعَ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللَّه، قد أوْفَى اللهُ ذِمَّتَك، قد رَدَدْتَنِى إليهم، وأَنْجانِى (65) اللهُ منهم. فلم يُنْكِرْ عليه النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، ولم يَلُمْه، بل قال:"وَيْلُ امِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ، لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجالٌ! " فلمَّا سَمِعَ ذلك أبو بَصِيرٍ، لَحِقَ بساحِلِ البحرِ، وانْحازَ إليه أبو جَنْدَلِ بن سُهَيْلٍ ومَنْ معه من
(57) فى الأصل، م:"شرط".
(58)
فى الأصل: "يشرط".
(59)
سقط من: ب.
(60)
سقط من: م.
(61)
فى ب: "المصالحة".
(62)
فى أ: "يعنى".
(63)
فى الأصل: "يجبرهم".
(64)
فى الأصل: "يأمرهم".
(65)
فى أ، م:"فأنجاني".
المُسْتَضْعَفِين بمكَّةَ، فجعلُوا لا تَمُرُّ عليهم (66) عِيرٌ لقُرَيْشٍ إلَّا عَرَضُوا لها، فأخَذُوها، وقَتَلُوا مَنْ معها، فأَرسَلَتْ قُرَيْشٌ، إلى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، تُناشِدُه اللهَ والرَّحِمَ، أنْ يضُمَّهم إليه، ولا يَرُدَّ إليهم أحَدًا جاءَهُ، فَفَعَلَ. فيجوزُ حينئذٍ لمن أسْلَمَ من الكُفَّارِ أنْ يتحَيَّزُوا ناحِيَةً، ويقتلُون (67) مَنْ قَدَرُوا عليه من الكُفَّارِ، ويأْخذُون أَمْوالَهم، ولا يدخلُون فى الصُّلْحِ. وإنْ ضَمَّهُم الإِمامُ إليه بإذْنِ الكُفَّارِ، دَخَلُوا فى الصُّلْحِ، وحَرُمَ عليهم قَتْلُ الكُفَّارِ وأمْوالُهم. ورُوِىَ عن عمرَ بن الخَطَّاب، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه لمَّا جاءَ أبو جَنْدَلٍ إلى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم هارِبًا من الكُفَّارِ، يَرْسُفُ فى قُيودِه، قامَ إليه أَبُوه (66) فلَطَمَه، وجَعَلَ يَرُدُّه، قال عمرُ: فقُمْتُ إلى جانِبِ أبي جَنْدَلٍ، فقُلْتُ: إنَّهُم الكُفَّارُ، وإنَّما دَمُ أَحَدِهم دَمُ كَلْبٍ. وجَعَلْتُ أُدْنِى منه قائِمَ السَّيْفِ لعلَّه أنْ يأخُذَه، فيَضْرِبَ به أباه، قال: فَضَنَّ الرجلُ بأبيه (68) الثاني، شَرْطٌ فاسِدٌ، مثل أنْ يشْتَرِطَ ردَّ النِّساءِ، أو مُهورِهِنَّ، أو رَدَّ سِلاحِهم، أو إعْطاءَهم شيئًا من سِلَاحِنا، أو من آلاتِ الحَرْبِ، أو يشْترِطَ لهم مالًا فى مَوْضِعٍ لا يجوزُ بَذْلُه، أو يشْترطَ نَقْضَها متى شاءُوا (69)، أو (70) أنَّ لكلِّ طائِفَةٍ منهم نَقْضًا، أو يشْتَرطَ ردَّ الصِّبْيَانِ، أو رَدَّ (71) الرِّجالِ، مع عدَمِ الحاجَةِ إليه. فهذه كلُّها شروطٌ فاسِدَةٌ، لا يجوزُ الوفاءُ بها. وهل يفْسُدُ العَقْدُ بها؟ على وجْهَيْن، بِناءً على الشُّروطِ الفاسِدَةِ فى البَيْعِ، إِلَّا فيما إذا شَرَطَ أنَّ لكُلِّ واحدٍ منهما (72) نَقْضَها متى شاءَ، فَيَنْبَغِى أن لا تَصِحَّ وَجْهًا واحِدًا، لأنَّ طائفةَ الكُفَّارِ يَبْنُون على هذا الشَّرْطِ، فلا يحْصُلُ الأَمْنُ منهم، ولا أمْنُهم منَّا، فيفُوتُ مَعْنَى الهُدْنَةِ. وإنَّما لم يصحَّ شرطُ رَدِّ النِّساءِ؛ لقولِ اللَّه تعالى:{إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ}
(66) سقط من: الأصل، أ، ب.
(67)
كذا فى النسخ بالرفع. وانظر الأفعال الآتية.
(68)
أخرج نحوه ابن أبي شَيْبَة، فى: باب غزوة الحديبية، من كتاب المغازى. المصنِّف 14/ 450.
(69)
فى ب: "شاءت".
(70)
سقط من: الأصل.
(71)
فى ب: "يرد".
(72)
فى م: "منهم".