الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعل ما حَلَفَ عليه. وإن حَلَفَ ليَضْرِبَنَّه عشرَ مَرَّاتٍ، لم يَبَرَّ بضَرْبِه بعشرةِ أسْواطٍ، دَفْعَةً واحِدَة، بغير خلافٍ؛ لأنَّه لم يَفْعَلْ ما تناوَلَتْه يَمِينُه. وإِنْ حَلَفَ ليَضْرِبَنَّه عشرَ ضَرَباتٍ، فكذلك، إِلَّا وَجْهًا لأَصْحابِ الشافِعِىِّ، أنَّه يَبَرُّ. وليس بصَحِيحٍ؛ لأَنَّ هذه ضَرْبَةٌ واحِدَةٌ بأسْواطٍ، ولهذا يصِحُّ أَنْ يُقالَ: ما ضَرَبْتُه إِلَّا ضَرْبَةً واحِدَةً. ولو حَلَفَ لا يَضْرِبُه أكْثرَ من ضَرْبَةٍ واحِدَةٍ، ففعل هذا، لم يَحْنَث فى يَمِينِه.
فصل:
ولا يَبَرُّ حتى يَضْرِبَه ضَرْبًا يُؤْلِمُه. وبهذا قال مالِكٌ. وقال الشافِعِىُّ: يَبَرُّ بما لا يُؤْلِمُ؛ لأَنَّه يَتَناوَلُه الاسْمُ، فوَقَعَ البرُّ بِه. كالمُؤْلِمِ. ولَنا، أَنَّ هذا يُقْصَدُ به فى العُرْفِ التَّأْلِيمُ، فلا يَبَرُّ بغيرِه. وكذلك كُلُّ مَوْضِعٍ وَجَبَ الضَّرْبُ فى الشَّرْعِ، فى حَدٍّ، أو تَعْزيرٍ، كان من شَرْطِه التَّأْلِيمُ، كذا ههُنا.
1851 - مسألة؛ قال: (وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ، فَكَتَبَ إلَيْهِ، أَوْ أرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا، حَنِثَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أرَادَ أَنْ لا يُشافِهَهُ)
أكثرُ أصْحابِنا على هذا. وهو مذهبُ مالِكٍ، والشافِعِىِّ. وقد رَوَى الأَثْرَمُ وغيرُه، عن أحمدَ، فى رجُلٍ حَلَفَ أَنْ لا يُكَلِّمَ رجُلًا، فكتَبَ إليه كتابًا، قال: وأىُّ شىءٍ كان سَبَبَ ذلك؟ إنَّما يُنْظَرُ إلى سَبَبِ يَمِينِه، ولِمَ (1) حَلَفَ؟ إِنَّ الكتابَ قد (2) يَجْرِى مَجْرَى الكلامِ، وقد (3) يكونُ بمنزِلَةِ الكلامِ فى بعضِ الحالاتِ. وهذا يدُلُّ على أنَّه لا يَحْنَثُ بالكتابِ، إِلَّا أَنْ تكونَ نِيَّتُه أو سَبَبُ يَمِينِه يَقْتَضِى هِجْرانَه، وتَرْكَ صلَتِه، وإِنْ لم يَكُنْ كذلك، لم يَحْنَثْ بكتابٍ ولا رسولٍ؛ لأنَّ ذلك ليس بتَكْلِيمٍ (4) فى الحقيقَةِ، ولهذا (5) يصِحُّ نَفْيُه، فيُقالُ: ما كَلَّمْتُه، وإنَّما كاتَبْتُه وراسَلْتُه (6). ولذلك قال اللَّهُ تعالى:
(1) فى ب، م:"ولو".
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
فى م: "والكتاب قد".
(4)
فى ب، م:"بتكلم".
(5)
فى م: "وهذا".
(6)
فى أ، ب، م:"أو راسلته".
{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} (7). وقال: {يَامُوسَى إِنِّى اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِى وَبِكَلَامِي} (8). وقال: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (9). ولو كانت الرِّسالَةُ تَكْليمًا، لَشارَكَ موسى غيرُه من الرُّسُلِ، ولم يَخْتَصَّ بكونِه كليمَ اللَّهِ ونَجِيَّه. وقد قال أحمدُ، حينَ ماتَ بِشْرٌ الحافِى: لقد كان فيه أُنْسٌ، وما كَلَّمْتُه قَطُّ. وقد كانتْ بينهما مُراسَلَةٌ، وممَّنْ قال: لا يَحْنَثُ بهذا. الثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، وابنُ المُنْذِر، والشافِعِىُّ فى الجديدِ. واحْتَجَّ أصحابُنا بقولِه تعالَى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ} (10). فاسْتَثْنَى الرسولَ من التَّكْلِيمِ (11)، والأصلُ أَنْ يكونَ المُسْتَثْنَى جنْسَ المُسْتَثْنَى منه، ولأَنَّه وُضِعَ لإِفْهامِ الآدَمِيِّينَ، أشْبَهَ الخِطابَ. والصَّحِيحُ أَنَّ هذا ليسَ بتَكْلِيمٍ (12)، وهذا الاسْتِثناءُ من غيرِ الجِنْس، كما قال فى الآيةِ الأُخْرَى:{آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} (13). والرَّمْزُ ليس بتَكْلِيمٍ (12)، لكن إِنْ نَوَى تَرْكَ مُواصَلَتِه، أو كان سَبَبُ يَمِينِه يَقْتَضِى هِجْرانَه، حَنِثَ؛ لذلك، ولذلك قال أحمدُ: إِنَّ الكتابَ يجْرِى مَجْرَى الكلامِ، وقد يكونُ بمَنْزِلَةِ الكلامِ. فلم يجْعَلْه كلامًا، إنَّما قال هو بمَنْزِلَتِه فى بعضِ الحالاتِ إذا كان السَّبَبُ يَقْتَضِى ذلك. وإذا أطْلَقَ، احْتَمَلَ أَنْ لا يَحْنَثَ؛ لأنَّه لم يُكَلِّمْه. واحْتَمَلَ أَنْ يَحْنَثَ؛ لأنَّ الغالِبَ من الحالفِ هذه (14) اليَمِينَ قصدُ (15) تَرْكِ المُواصَلَةِ، فيتعَلَّقُ (16) يَمِينُه بما يُرادُ فى الغالِبِ، كقَوْلِنا فى المسألَةِ قبلَها. واللَّه أعلمُ.
(7) سورة البقرة 253.
(8)
سورة الأعراف 144.
(9)
سورة النساء 164.
(10)
سورة الشورى 51، ولم يرد فى الأصل، أ، ب:{فيوحى} .
(11)
فى ب، م:"التكلم".
(12)
فى أ، ب، م:"بتكلم".
(13)
سورة آل عمران 41.
(14)
فى ب: "بهذه".
(15)
سقط من: أ، ب.
(16)
فى ب، م:"فتعلق".