الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبَّاسٍ، رَضِىَ اللَّه عنه أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أعطَى الفارِسَ ثلاثةَ أسْهُمٍ، وأعْطَى الراجِلَ سَهْمًا (6). وقال خالدٌ الحَذَّاءُ: لا يُخْتَلَفُ فيه عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه أَسْهَمَ هكذا للفَرَسِ سهمَيْن، ولصاحِبِه سهمًا، وللراجلِ سهمًا. كتبَ عمرُ بن عبد العزيز إلى عبد الحميد ابن عبد الرحمن: أَمَّا بعدُ؛ فإنَّ سُهْمانَ الخَيْلِ ممَّا فرَضَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، سَهْمَيْن للفرَسِ، وسهمًا للرَّاجِلِ، ولعمْرِى لقد كان حديثًا ما أَشْعرَ أنَّ أحدًا من المسلمين همَّ بانْتقاضِ ذلك، [فمَن هَمَّ بانْتِقاضٍ](7) فعاقِبْهُ، والسلامُ عليك. روَاهما سعيدٌ، والأثْرَمُ (8). وهذا يدلُّ على ثُبوتِ سُنَّةِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم بهذا، وأنَّه أُجْمِعَ عليه، فلا يُعَوَّلُ على ما خالَفَه. فأمَّا حديثُ مُجَمِّعٍ، فيَحْتَمِلُ أنَّه أراد أعْطَى الفارِسَ سهمَيْن لفرَسِه، وأعْطَى الراجِلَ سهمًا، يعنى صاحِبَه، فيكونُ ثلاثةَ أسْهُمٍ، على أنَّ حديثَ ابنِ عمرَ أصحُّ منه، وقد وافَقَه حديثُ أبى رُهْمٍ وأخيه، وابنِ عبَّاس، وهؤلاء أحْفَظُ وأعلَمُ، وابنُ عمرَ وأبو رُهْمٍ وأخوه ممَّنْ شَهِدُوا وأخذُوا السُّهْمان، وأخبَرُوا عن أنْفُسِهم أنَّهم أُعْطُوا ذلك، فلا يُعارَضُ ذلك بخبرٍ شاذٍّ تعَيَّنَ غلَطُه، أو حَمْلُه على ما يخالِفُ ظاهِرَه، وقياسُ الفرَسِ على الآدَمِىِّ غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّ أثرَها فى الحَرْبِ أكثرُ، وكُلْفَتَها أعْظَمُ، فيَنْبَغِى أنْ يكونَ سَهْمُها أكثرَ.
1645 - مسألة؛ قال: (إلَّا أنْ يَكُونَ فَرَسُهُ هَجِينًا، فيُعْطَى سَهْمًا لَهُ، وسَهْمًا لِفَرَسِهِ)
الْهَجِينُ: الذى أبوه عربِىٌّ وأُمُّه بِرْذَوْنة. والمُقْرِفُ: الذى أبوه بِرْذَوْنٌ (1) وأمُّه عربِيَّةٌ، قالت هندُ بنتُ النُّعمانِ بن بَشِيرٍ (2):
(6) أخرجه ابن أبى شيبة، فى: باب فى الفارس كم يقسم له؟ ، من قال ثلاثة أسهم، من كتاب الجهاد. المصنف 12/ 397.
(7)
سقط من: م.
(8)
حديث خالد الحذاء، أخرجه البيهقى، فى: باب ما جاء فى سهم الفارس والراجل، من كتاب قسم الفىء والغنيمة. السنن الكبرى 6/ 327. وحديث عمر بن عبد العزيز، أخرجه سعيد، فى: باب ما جاء فى سهام الرجال والخيل، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 277، 278.
(1)
فى م: "برذونة".
(2)
انظر ما تقدم فى: 9/ 305.
وما هِنْدُ إلَّا مُهْرَةٌ عَرَبِيَّةٌ
…
سَلِيلَةُ أفْراسٍ تَجَلَّلَها بَغْلُ
فإنْ ولَدَتْ مُهْرًا كَرِيمًا فبالْحَرَى
…
وإنْ يكُ إقْرافٌ فما أنْجَبَ الفَحْلُ
وأرادَ الخِرَقِىُّ بالهَجِينِ هاهُنا، ما عدا العَربىَّ، واللَّه أعلم. وقد حُكِىَ عن أحمدَ، أنَّه قال: الْهَجِينُ البِرْذَوْنُ. واختلَفَتِ الرِّوايَةُ عنه فى سُهْمانِها (3)، فقال الخَلَّالُ: تواتَرَت الرِّواياتُ عن أبى عبد اللَّه فى سِهامِ البِرْذَوْنِ، أنَّه سَهْمٌ واحدٌ. واخْتارَه أبو بكرٍ، والْخِرَقِىُّ، وهو قولُ الحَسَن. قال الخَلَّالُ: وروَى عنه ثلاثةٌ مُتيقِّظون أنَّه يُسْهَمُ للبِرْذَوْنِ مثلُ سهمِ العَرَبِىِّ. واختارَهُ الخَلَّالُ، وبه قال عمرُ بن عبد العزيز، ومالِك، والشافِعِىُّ، والثَّوْرِىُّ؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال:{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ} (4). وهذه من الخَيْلِ، ولأنَّ الرُّواةَ رَوَوْا أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أسْهَمَ للفرَسِ سَهْمَيْن، ولصاحِبِه سَهْمًا. وهذا عامٌّ فى كلِّ فَرَسٍ، ولأنَّه حيوانٌ ذو سَهْمٍ، فاسْتَوَى فيه العَرَبىُّ وغيرُه، كالآدَمِىّ. وحكَى أبو بكرٍ، عن أحمدَ، رحمه الله، روايةً ثالثة، أنَّ الْبَراذِينَ إنْ أَدْرَكَتْ إدْراكَ العِرَابِ (5)، أُسْهِمَ لها مِثلُ الفَرَسِ العرَبِىِّ، وإلَّا فلا. وهذا قولُ ابنِ أبى شَيْبَة، وابنِ أبى خَيْثَمَةَ، وأبى أيُّوبَ، والجُوزَجَانِىِّ؛ لأنَّها من الخَيْلِ، وقد عَمِلَت عَمَلَ العِرَابِ، فأُعْطِيَتْ سَهْمَها (6) كالعَرَبِىِّ. وحكَى القاضى روايةً رابعةً، [أنَّها لا سَهْمَ](7) لها. وهو قولُ مالِكِ بنِ عبد اللَّه الخَثْعَمِىِّ (8)؛ لأنَّه حيوانٌ لا يَعْمَلُ عملَ الخَيْلِ العِرَابِ، فأشْبَهَ الْبِغالَ. ويَحْتَمِلُ أنْ تكونَ هذه الرِّوايةُ فيما لا يُقارِبُ العِتاقَ منها؛ لما روَى الجُوزَجَانِىُّ، بإسْنادِه عن أبى موسى، أنَّه كتَبَ إلى عمرَ بن الخطَّاب: إنَّا (9) وجَدْنا بالعِراقِ خَيْلًا عِرَاضًا
(3) فى أ: "سهمانهما".
(4)
سورة النحل 8.
(5)
فى الأصل، م:"العرب".
(6)
فى الأصل، م:"سهما".
(7)
فى م: "أنه لا يسهم".
(8)
مالك بن عبد اللَّه الخثعمى، الذى يقال له: مالك الصوائف، وهو من أهل فلسطين، كان يغزو بلاد الروم، فيغنم غنائم كثيرة. انظر الكامل 3/ 515، 5/ 576.
(9)
فى ازيادة: "قد".
دُكْنًا (10)، فما تَرَى يا أميرَ المؤمنين فى سُهْمانِها؟ فكتَبَ إليه: تِلْكَ الْبَراذِينُ، فما قارَبَ العِتاقَ منها، فاجْعَلْ له سَهْمًا واحدًا، وألْغِ ما سِوَى ذلك (11). ولَنا، ما رَوَى سعيدٌ (12)، بإسْنادِه عن أبى الأقْمَرِ، قال: أغارَت الخيلُ على الشَّامِ، فأدْرَكَتِ العِرَابُ مِن يَوْمِها، وأدْرَكَت الكَوادِنُ (13) ضُحَى الْغَدِ، وعلى الخيلِ رجلٌ من هَمْدَان، يقالُ له: المُنْذِرُ بن أبى حُمَيْضَةَ، فقال: لا أجْعَلُ الذى أدْركَ من يومِه مثلَ الذى لم يُدْرِكْ. ففضَّلَ الخيلَ، فقال عمرُ: هَبِلَتِ الوادِعِىَّ أُمُّه، أمْضُوها على ما قال. ولم يُعْرَفْ عن الصَّحابَةِ خلافُ هذا القوْلِ. وروَى مَكْحُولٌ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى الفرَسَ العَرَبِىَّ سَهْمَيْن، وأعْطَى الْهَجِينَ سَهْمًا. روَاه سعيدٌ أيضًا (14)، ولأنَّ نَفْعَ العَرَبِىِّ وأثرَه فى الحرْبِ أفْضَلُ، فيكونُ سهمُه أرْجَحَ، كتفاضُلِ مَنْ يُرْضَخُ له. وأمَّا قولُهم: إنَّه من الخيلِ. قُلْنا: والخيلُ فى نفسِها تتفاضَلُ، فتتفاضَلُ سُهْمانُها. وأما قَوْلُهم: إنَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قسَم للفرسِ سَهْمَيْن، من غيرِ تَفْريقٍ. قُلْنا: هذه قَضِيَّةٌ فى عَيْنٍ، لا عُمومَ لها، فيَحْتَمِلُ أنَّه لم يكُنْ فيها بِرْذَوْنٌ، وهو الظاهِرُ، فإنَّها من خيلِ العربِ، ولا بَراذِينَ فيها، ودلَّ على صِحَّةِ هذا، أنَّهم لمَّا وجَدُوا الْبَراذِينَ بالعراقِ، أشْكَلَ عليهم أمرُها، وأنَّ عمرَ فرضَ لها سَهْمًا واحدًا، وأمْضَى ما قالَ المُنْذرُ بن أبى حُمَيْضةَ فى تَفْضيلِ العِرَابِ عليها، ولو كانا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم سوَّى (15) بينهما، لم يَخْفَ ذلك على عمرَ، ولا خالَفَه، ولو خالَفَه لم يسْكُتِ
(10) فى الأصل، أ:"دكا".
(11)
وأخرج عبد الرزاق نحوه، فى: باب السهام للخيل، من كتاب الجهاد. المصنف 5/ 187.
(12)
فى: باب ما جاء فى تفضيل الخيل على البراذين، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 280.
كما أخرجه البيهقى، فى: باب ما جاء فى سهم البراذين. . .، من كتاب قسم الفىء والغنيمة، وفى: باب تفضيل الخيل، من كتاب السير. السنن الكبرى 6/ 328، 9/ 51. وعبد الرزاق، فى: باب السهام للخيل، من كتاب الجهاد. المصنف 5/ 183، 184.
وفى مصادر التخريج هذه: "بن أبى حمصة". والصواب ما عندنا. انظر: الإصابة 6/ 314.
(13)
الكوادن: البراذين.
(14)
فى: باب ما جاء فى سهام الرجال والخيل، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 279.
كما أخرجه البيهقى، فى: باب ما جاء فى سهم البراذين والمقاريف والهجين، من كتاب قسم الفىء والغنيمة. السنن الكبرى 6/ 328. وعبد الرزاق، فى: باب السهام للخيل، من كتاب الجهاد. المصنف 5/ 185. وابن أبى شيبة فى: باب فى البراذين مالها. . .، من كتاب الجهاد. المصنف 12/ 402.
(15)
فى أ: "ساوى".