الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الشافِعِىُّ: لا يَحْنَثُ فى الحالَيْن؛ لأنَّه حَلَفَ على فِعْلِ نَفْسِه، فلا يَحْنَثُ بفِعْلِ غيرِه، كسائِرِ الأفْعالِ.
فصل:
وإذا حَلَفَ رجُلٌ باللَّهِ لا يَفْعَلُ شيئًا، فقال له آخَرُ: يَمِينى فى يَمِينك. لم يَلْزَمْه شىءٌ؛ لأنَّ يَمِينَ الأوَّلِ ليستْ ظَرْفًا ليَمِينِ الثانى. وإِنْ نَوَى أنَّه يَلْزَمُنَى من اليَمِينِ ما يلزَمُكَ، لم يَلْزَمْه حُكْمُها. لأنَّه القاضى. وهو مذهبُ الشافِعِىِّ؛ لأنَّ اليَمِينَ باللَّه لا تنْعَقِدُ بالكنايَةِ؛ لأنَّ تَعَلقَ الكَفَّارَةِ بها لحُرْمَةِ اللَّفْظِ باسمِ اللَّه المحترم، أو صِفَةٍ من صِفاتِه، ولا يُوجَدُ ذلك فى الكِنايَةِ. وإِنْ حَلَفَ بطلاقٍ، فقال آخرُ: يَمِنى فى يَمِينِك. يَنْوِى به (46)، أنَّه يَلْزَمُنِى من اليمِينِ ما يَلْزَمُكَ، انْعَقَدَت يَمِينُه. نَصَّ عليه أحمدُ. وسُئِلَ عن رجُلٍ حَلَفَ بالطَّلاقِ لا يكلِّمُ رَجُلًا، فقال رجُلٌ: وأنا على مثل يَمِينكَ؟ فقال: عليه مثلُ ما قاله الذى حَلَفَ. لأنَّ الكنايَةَ تدْخُلُ فى الطَّلاقِ، وكذلك يَمِينُ العَتاقِ والظِّهارِ. وإِنْ لم يَنْوِ شيئًا، لم تَنْعَقِدْ يَمِينُه؛ لأنَّ الكِنايَةَ لا تعملُ بغيرِ نِيَّةٍ، وليس هذا بصريحٍ. وإن كانَ المَقُولُ له [لم يَحْلِفْ بعدُ، وإنَّما أرادَ أَنَّه يَلْزَمُه ما يَلْزَمُ الآخَرَ من يَمِينٍ يَحْلِفُ بها، فحَلَفَ المقولُ له](47)، لم تَنْعَقِدْ يَمِينُ القائِلِ، وإِنْ كان فى الطَّلاقِ والعَتاقِ؛ لأنَّه لابُدَّ أَنْ يكونَ هناك ما يُكْنَى عنه، وليس ههُنا ما يُكْنَى عنه. وذكرَ القاضى، فى مَوْضِع آخَرَ، فى مَن قال: أيمَانُ البَيْعَةِ تَلْزَمُنِى. أَنَّه إِنْ عَرَفَها، ونَوَى جميعَ ما فيها، انْعَقَدَت يَمِينُه بجميعِ ما فيها. وهذا خِلافُ ما قالَه فى هذه المَسْأَلَة، فيكونُ فيها وَجْهان.
فصل: فإنْ قال: أيمانُ البَيْعَةِ تَلْزَمُنِى. فقال أبو عبدِ اللَّه ابن بَطَّةَ: كُنْتُ عند أبى القاسِمِ الْخِرَقِىِّ، وقد سَألَه رجُلٌ عن أيْمانِ البَيْعَةِ، فقال: لستُ أُفْتِى فيها بشىءٍ، ولا رأيتُ أحدًا من شُيوخِنا يُفْتِى فى هذه اليَمِينِ. قال: وكان أبى، رحمه الله -يَعْنِى أبا علىٍّ- يَهابُ الكلامَ فيها. ثم قال أبو القاسِمِ: إِلَّا أَنْ يلْتَزِمَ الحالِفُ بها جميعَ ما فيها من الأيمانِ. فقال له السائِلُ: عَرفَها أو (48) لم يَعْرِفْها؟ فقال: نعم. وأيْمانُ البَيْعَةِ هى التى
(46) سقط من: الأصل، م.
(47)
سقط من: ب. نقل نظر.
(48)
فى الأصل، أ:"أم".
رَتَّبها الحجَّاجُ (49) يَسْتَحْلِفُ بها عندَ البَيْعَةِ والأمْرِ المُهِمِّ للسُّلْطانِ. وكانت البَيْعَةُ على عَهْدِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وخُلفائِه الرَّاشديِن بالمُصافَحَةِ، فلما وَلِىَ الحجَّاج رَتبَّهَا أيمانًا تَشْتَمِلُ على اليَمينِ باللَّه والطَّلاقِ، والْعَتاقِ، وصَدقَةِ المالِ. فمَنْ لم يَعْرِفْها، لم تَنْعَقِدْ يَمِينُه بشىء ممَّا فيها؛ لأنَّ هذا ليس بصَرِيح فى القَسَمِ، والكِنايةُ لا تَصِحُّ إِلَّا بالنِّيَّة، ومن لم يَعْرِفْ شيئًا لم يَصِحَّ أَنْ يَنْوِيَه. وإن عَرَفَها، ولم يَنْوِ عَقْدَ اليَمِينِ بما فيها [لم يصِحَّ](50) أيضًا؛ لما ذَكَرْناه. ومن عَرَفَها، وَنوَى اليَمِينَ بما فيها، صَحَّ فى الطَّلاقِ والعَتاقِ؛ لأنَّ اليَمِينَ بها تنْعَقِدُ بالكِنايَةِ، وما عَدَا ذلك من اليَمِينِ باللَّه تعالى، وما عدَا الطَّلاقَ والْعَتاقَ، فقال القاضِى ههُنا: تَنْعَقِدُ يَمِينُه أيضًا؛ لأنَّها يَمِين، فتَنْعَقِدُ بالكِنايَةِ المَنْوية، كيَمِينِ الطَّلاقِ العَتاقِ. وقال فى مَوْضِع آخَرَ: لا تَنْعَقِدُ اليَمِينُ باللَّه بالكِنايَة. وهو مذهبُ الشافِعِىِّ؛ لأنَّ الكفَّارَةَ وَجَبَتْ فيها لما ذُكِرَ فيها من اسْمِ اللَّه المُعَظَّمِ (51) المُحْتَرمِ، ولا يُوجَدُ ذلك فى الكِنايَة. واللَّهُ تعالى أعلمُ.
(49) أى ابن يوسف الثقفى، عامل الأمويين على العراق وخراسان، عرف بشدته وعسفه، توفى سنة خمس وتسعين. وفيات الأعيان 2/ 29 - 54.
(50)
سقط من: ب.
(51)
فى م: "العظيم".