الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
فإنْ حَلَفَ لا يُكَلِّمُه. ثم وصلَ يَمِينَه بكلامِه، مثل أَنْ قال: فتَحَقَّقْ ذلك، أو فاذْهَبْ. فقال أصحابُنا: يَحْنَثُ. وقال أصحابُ أبى حنيفةَ: لا يَحْنَثُ بالقليلِ؛ لأَنَّ هذا تمامُ الكلامِ الأوَّلِ، والذى يَقْتَضِيه يَمِينُه أَنْ (28) لا يُكَلِّمَه كلامًا مُسْتأْنَفًا. واحتجَّ أصحابُنا بأنَّ هذا القليلَ كلامٌ منه له حَقِيقَةً، وقد وُجِدَ بعدَ يَمِينِه، فيَحْنَثُ (29) به، كما لو فَصَلَه، ولأنَّ ما يَحْنَثُ به إذا فَصَلَه، يَحْنَثُ به إذا وَصَلَه، كالكثيرِ. وقَوْلُهم: إِنَّ اليَمِينَ يَقْتَضِى خِطابًا مُسْتأْنَفًا. قُلْنا: هذا الخطابُ مُسْتَأْنَفٌ، غيرُ الأوَّلِ، بدليلِ أنَّه لو قَطَعَه حَنِثَ به. وقياسُ المذهبِ أنَّه لا يَحْنَثُ؛ لأنَّ قرينةَ صِلَتِه هذا الكلامَ بيَمِينِه، تَدُلُّ على إرادَةِ كلامٍ يَسْتَأْنِفُه بعدَ انْقِضاءِ هذا الكلامِ المُتَّصِلِ، فلا يَحْنَثُ به، كما لو وُجِدَت النِّيَّةُ حقيقَةً. وإِنْ نَوَى كلامًا غيرَ هذا، لم يحنَثْ بهذا فى المَذْهَبَيْن.
فصل: وإِنْ صلَّى بالمحْلوفِ عليه إمامًا، ثم سلَّمَ من الصلاةِ، لم يَحْنَثْ. نَصَّ عليه أحمدُ. وبه (30) قال أبو حنيفةَ. وقال أصحابُ الشافِعِىّ: يَحْنَثُ؛ لأنَّه شُرِعَ له أَنْ يَنْوِىَ السَّلامَ على الحاضِرين. ولَنا، أنَّه قولٌ مَشْروعٌ فى الصَّلاةِ، [فلم يَحْنَثْ به](31)، كتَكْبِيرِها، وليس (32) نِيَّةُ الحاضِرين بسَلامِه واجِبًا (33) فى السَّلامِ. وإِنْ أُرْتِجَ عليه فى الصلاةِ، ففَتَحَ عليه الحالِفُ، لم يَحْنَثْ؛ لأَنَّ ذلك كلامُ اللَّه تعالى، وليس بكلامِ الآدَمِيِّين.
فصل: وإِنْ حَلَفَ لا يَتَكَلَّمُ، فقرأ، لم يَحْنَثْ. وبه قال الشافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: إِنْ قَرَأَ فى الصَّلاةِ، لم يَحْنَثْ، وإِنْ قرأَ خارِجًا منها، حَنِثَ؛ لأنَّه يَتَكَلَّمُ بكلامِ اللَّهِ. وانْ ذكرَ اللَّه تعالى، لم يَحْنَثْ. ومُقْتَضَى مذهبِ أبى حنيفةَ أنَّه يَحْنَثُ؛ لأنَّه كلامٌ، قال اللَّه
(28) فى ب: "أنه".
(29)
فى ب: "فحنث".
(30)
فى ب: "وبهذا".
(31)
سقط من: الأصل.
(32)
فى ب، م:"وليست".
(33)
فى ب، م:"واجبة".
تعالَى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} (34). وقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ الْكَلَامِ أَرْبَعٌ؛ سُبْحَانَ اللَّهِ، والْحَمْدُ للَّهِ، وَلا إلهَ إِلَّا اللَّه، وَاللَّهُ أَكْبَرُ"(35). وقال: "كَلِمَتانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِى الْمِيزَانِ، حَبيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمنِ، [سُبْحَانَ اللَّهِ العَظيمِ، وَسُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ"] (36). ولَنا، أَنَّ الَكلامَ فى العُرْفِ لا يُطْلَقُ إِلَّا على كلامِ الآدَمِيِّين، ولهذا لمَّا قال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللَّه يُحْدِثُ مِنْ أمْرِه مَا يَشَاءُ، وإنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ أَنْ لَا تَتَكَلَّمُوا (37) فِى الصَّلَاةِ"(38). لم يتَناولِ المختلَفَ فيه. وقال زيدُ بن أَرْقَمَ: كُنّا نَتَكَلَّمُ فى الصلاةِ، حتى نَزَلَت:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (39). فأُمِرْنَا بالسّكُوتِ، ونُهِينَا عن الكلامِ (40). وقال اللَّه تعالى:{آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} . فأَمَرَه بالتَّسْبِيحِ مع قَطْعِ الكلامِ عنه. ولأنَّ ما لا
(34) سورة الفتح 26.
(35)
أخرجه البخارى تعليقا، فى: باب إذا قال: واللَّه لا أتكلم اليوم. فصلى. . .، من كتاب الأيمان والنذور. صحيح البخارى 8/ 173. والإِمام أحمد، فى: المسند 4/ 36، 5/ 20.
(36)
فى م: "سبحان اللَّه وبحمده، وسبحان اللَّه العظيم". والحديث أخرجه البخارى، فى: باب إذا قال: واللَّه لا أتكلم اليوم. فصلى. . .، من كتاب الأيمان والنذور، وفى: باب قول اللَّه تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ. . .} ، من كتاب التوحيد. صحيح البخارى 8/ 173، 9/ 199. ومسلم، فى: باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، من كتاب الذكر. صحيح مسلم 4/ 2072. وابن ماجه، باب فضل التسبيح، من كتاب الأدب. سنن ابن ماجه 2/ 1251. والإِمام أحمد، فى: المسند 2/ 232.
(37)
فى م: "تكلموا".
(38)
أخرجه البخارى تعليقا، فى: باب قول اللَّه تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ} ، من كتاب التوحيد. صحيح البخارى 9/ 187. وأبو داود، فى: باب رد السلام فى الصلاة، من كتاب الصلاة. سنن أبى داود 1/ 212. والنسائى، فى: باب الكلام فى الصلاة، من كتاب السهو. المجتبى 3/ 16، 17. والإِمام أحمد، فى: المسند 1/ 377، 435، 463.
(39)
سورة البقرة 238.
(40)
أخرجه البخارى، فى: باب ما ينهى من الكلام فى الصلاة، من كتاب العمل فى الصلاة، وفى باب:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} مطيعين، من تفسير سورة البقرة، من كتاب التفسير. صحيح البخارى 2/ 79، 6/ 38. ومسلم، فى: باب تحريم الكلام فى الصلاة. . .، من كتاب المساجد. صحيح مسلم 1/ 383. وأبو داود، فى: باب النهى عن الكلام فى الصلاة، من كتاب الصلاة. سنن أبى داود 1/ 218. والترمذى، فى: باب ما جاء فى نسخ الكلام فى الصلاة، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 195، 196. والنسائى، فى الباب السابق. المجتبى 3/ 16. والإِمام أحمد، فى: المسند 4/ 368.