الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
ولم يُفَرِّقْ أصحابُنا بينَ جميعِ البهائِمِ فى هذه المسألَةِ، ويَقْوَى عندى أنَّ ما عَجَزَ المسلمون عن سِياقَتِه وأخْذِه، إنْ كان ممَّا يسْتَعِينَ به الكُفَّارُ فى القتالِ، كالخيلِ، جازَ عَقْرُه وإتْلافُه؛ لأنَّه ممَّا يحْرُمُ إيصالُه إلى الكُفَّارِ بالبَيْعِ، فتَرْكُه لهم بغيرِ عِوَضٍ أوْلَى بالتَّحْريمِ، وإنْ كان ممَّا يصْلُحُ للأَكْلِ، فللمسلمين ذَبْحُه، والأَكْلُ منه، مع الحاجَةِ وعَدَمِها، وما عدا هذين القِسْمَين، لا يجوزُ إتْلافُه، لأنَّه مُجَرَّدُ إفسادٍ وإتْلافٍ، وقد نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عن ذَبْحِ الحيوانِ لغَيْرِ مَأْكَلَةٍ (17).
1672 -
مسألة؛ قال: (وَلَا يَقْطَعُ شَجَرَهُمْ، ولَا يُحَرِّقُ زرْعَهُمْ، إلَّا أنْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَ ذلِكَ فِى بَلَدِنَا (1)، فَيُفْعَلُ ذلِكَ بِهِمْ ليَنْتَهُوا)
وجُمْلَتُه أنَّ الشَّجَرَ والزرعَ ينْقَسِمُ ثلاثةَ أقسامٍ؛ أحدُها، ما تَدْعُو الحاجَةُ إلى إتْلافِه، كالذى يقْرُبُ من حُصونِهم، ويَمْنَعُ من قتالِهم، أو يُسْتَرُون به من المسلمين، أو يحْتاجُ إلى قَطْعِه لتَوْسِعَةِ طريقٍ، أو تَمَكُّنٍ من قِتالٍ (2)، أو سَدِّ بَثْقٍ، أو إصلاحِ طريقٍ، أو سِتارَةِ مَنْجَنِيقٍ، أو غيرِه، أو يكونون يفعلون ذلك بنا، فيُفْعَلُ بهم ذلك، ليَنْتَهُوا، فهذا يجوزُ، بغيرِ خلافٍ نعلمُه. الثاني، ما يَتَضَرَّرُ المسلمون بقَطْعِه، لكَوْنِهم يَنْتَفِعُونَ ببقائِهِ لعَلُوفَتِهم، أو يستَظِلُّون به، أو يَأْكُلُون من ثَمرِه، أو تكونُ العادَةُ لم تَجْرِ بذلك (3) بَيْنَنَا وبينَ عَدُوِّنا، فإذا فَعَلْناه بهم فَعَلُوه بنا، فهذا يَحْرُمُ، لما فيه من الإِضْرارِ بالمسلمين. [الثالِثُ، ما عَدا هذيْن القِسْمَيْن، ممَّا لا ضَرَرَ فيه بالمسلمين](4)، ولا نَفْعٌ سِوَى غَيْظِ الكُفَّارِ، والإِضْرارِ بهم، ففيه روايتان؛ إحْداهما، لا يجوزُ؛ لحديثِ أبي بكرٍ ووَصِيَّتِه (5)، وقد رُوِىَ نحو ذلك مَرْفُوعًا إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ولأنَّ فيه إتلافًا مَحْضًا، فلم يجُزْ، كعَقْرِ الحيوانِ. وبهذا قال الأوْزَاعِىُّ، واللَّيْثُ، وأبو ثَوْرٍ. والرِّوايةُ الثانِيَةُ، يجوزُ. وبهذا قال مالِكٌ،
(17) تقدَّم تخريجه، فى: 12/ 352.
(1)
فى م: "بلادنا".
(2)
فى م: "قتل".
(3)
سقط من: ب.
(4)
سقط من: ب. نقل نظر.
(5)
تقدَّم تخريجه، فى صفحة 143.
والشافِعِىُّ، وإسحاقُ، وابنُ المُنْذِر. وقال (6) إسحاقُ: التَّحْرِيقُ سُنَّةٌ، إذا كان أَنْكَى فى العدُوِّ؛ لقولِ اللَّه تعالى:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} (7). ورَوَى ابنُ عمر، أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم حَرَّقَ نخلَ بَنِى النَّضِيرِ، وقطَع، وهى (8) البُوَيْرَةُ، فأنزلَ اللَّه تعالَى:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} . ولها يقولُ حَسَّان (9):
وَهانَ على سَراةِ بنى لُؤَيٍّ
…
حَرِيقٌ بالبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ
مُتَّفَقٌ عليه (10). وعن الزُّهْرِىِّ، [قال: فحدَّثَنى عُرْوَةُ] (11)، قال: فحَدَّثَنِى أُسامَةُ، أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان عَهِدَ إليه، فقال:"أغِرْ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا، وحَرِّقْ". رواه أبو داوُدَ (12). قيل لأَبِى مُسْهِرٍ: أُبْنَى (13). قال: نحن أعْلمُ، هى (14) يُبْنَا (15) فِلَسْطِين. والصحيح أَنَّها أُبْنَى (16)، كما جاءَت الرِّوايةُ، وهى قريةٌ من أرْضِ الكركِ، فى أطْرافِ
(6) سقطت الواو من: الأصل، م.
(7)
سورة الحشر 5.
(8)
فى م: "وهو".
(9)
البيت له، فى: سيرة ابن هشام 3/ 272، وفتوح البلدان 1/ 19، ومعجم ما استعجم 1/ 285، ومعجم البلدان 1/ 765. وهو بغير نسبة فى: اللسان والتاج (ط ى ر). وانظر حاشية الديوان 253.
(10)
أخرجه البخارى، فى: باب قطع الشجر والنخيل، من كتاب الحرث والمزارعة، وفى: باب قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا. . .} ، من كتاب التفسير. صحيح البخارى 3/ 136، 137، 6/ 184. ومسلم، فى: باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها، من كتاب الجهاد والسير. صحيح مسلم 3/ 1365.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى الحرق فى بلاد العدو، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود 2/ 36. والترمذى، فى: باب ومن سورة الحشر، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى 12/ 187، 188. وابن ماجه، فى: باب التحريق بأرض العدو، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 948، 949.
(11)
سقط من: ب، م.
(12)
فى: باب فى الحرق فى بلاد العدو، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود 2/ 36.
كما أخرجه ابن ماجه، فى: باب التحريق بأرض العدو، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 948.
(13)
فى النسخ: "أنبا". والمثبت من: سنن أبى داود.
(14)
سقط من: الأصل.
(15)
فى النسخ: "ببنا". والمثبت من: السنن.
(16)
فى م: "أبناء".