الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1687 - مسألة؛ قال: (ولَا تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ إِلَّا مِنْ يَهُودِىٍّ، أَوْ نَصْرَانِىٍّ، أَوْ مَجُوسِىٍّ، إذَا كَانُوا مُقِيمِينَ عَلَى مَا عُوهِدُوا عَلَيْهِ)
وجملَتُه أَنَّ الذين تُقْبَلُ منهم الجِزْيَةُ صِنْفان؛ أهْلُ كتابٍ، ومَنْ له (1) شُبْهَةُ كتابٍ، فأَهْلُ الكتابِ اليهودُ والنَّصارَى ومَنْ دانَ بدِينِهم، كالسَّامِرَةِ (2) يَدينُون بالتَّوْراةِ، ويعْمَلون بشريعَةِ مُوسَى [عليه السلام](3)، وإنّما خالَفُوهم فى فُروعِ دِينِهم، وفِرَقِ النَّصارَى من اليَعْقُوبِيَّةِ (4)، والنَّسْطورِيّةِ (5)، والمَلْكِيَّةِ (6)، والفِرِنْجِ (7)، والرُّومِ، والأرْمَنِ، وغيرِهم، ممَّن دانَ بالإِنْجيلِ، وانْتَسَبَ إلى عيسَى [عليه السلام](3)، والعملِ بشَريعَتِه، فكلُّهم من أهلِ الإِنْجِيلِ، ومَنْ عَدَا هؤلاء من الكُفَّارِ، فليس من أهلِ الكِتَابِ؛ بدليلِ قولِ اللَّه تعالَى:{أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} (8). واخْتَلَفَ أهلُ العلمِ فى الصَّابِئِين (9)، فرُوِىَ عن أحمدَ أَنَّهم جِنْسٌ من النَّصارَى. وقال فى موضعٍ آخَرٍ: بَلَغَنِى أنَّهُم يُسْبِتُون، فهؤلاءإذا أسْبَتُوا (10) فهم من اليهودِ. ورُوِىَ عن عمرَ، أنَّه
(1) فى أ: "لهم".
(2)
السامرة: قوم يسكنون جبال بيت المقدس وقرى من أعمال مصر، ويتقشفون فى الطهارة أكثر من تقشف سائر اليهود. الملل والنحل 1/ 514، 515.
(3)
سقط من: الأصل، أ، ب.
(4)
اليعقوبية: أصحاب يعقوب بن عالى، قالوا بالأقانيم الثلاثة، إلا أنهم قالوا: انقلبت الكلمة لحما ودما، فصار الإله هو المسيح، وهر الظاهر بجسده، بل هو هو. الملل والنحل 1/ 541.
(5)
النسطورية: أصحاب نسطور الحكيم، الذى ظهر فى زمان المأمون، وتصرف فى الأناجيل بحكم رأيه، وقال: إن اللَّه تعالى واحد، ذو أقانيم ثلاثة؛ الوجود، والعلم، والحياة. الملل والنحل 1/ 535.
(6)
كذا فى النسخ. وفى الملل والنحل 1/ 529: الملكانية: أصحاب ملكا، الذى ظهر بأرض الروم، واستولى عليها، قالوا: إن الكلمة اتحدت بجسد المسيح، وتدرعت بناسوته، ويعنون بالكلمة: أقنوم العلم، ويعنون بروح القدس: أقنوم الحياة.
(7)
فى م: "والفرنجة".
(8)
سورة الأنعام 156.
(9)
قال الشهرستانى: مدار مذهب الصابئة على التعصب للروحانيين، ويدَّعون أن مذهبهم الاكتساب، والحنفاء تَدَّعى أن مذهبها هو الفطرة. الملل والنحل 2/ 669، 670.
(10)
فى م: "سبتوا".
قال: هم يُسْبِتُون. وقال مُجاهِد: هم بينَ اليهودِ والنَّصارَى. وقال السُّدِّىُّ والرَّبِيعُ: هم من أهلِ الكتابِ. وَتَوَقَّفَ الشافِعِىُّ فى أمْرِهِم. والصَّحيحُ أنَّه يُنْظَرُ فيهم؛ فإنْ كَانُوا يُوافِقُون أحدَ أهلِ الكتابَيْن فى نَبِيِّهم وكتابِهم فهم منهم، وإِنْ خالَفُوهم فى ذلك فليس هم من أهلِ الكتابِ. ويُرْوَى عنهم أَنَّهم يقولُون: إنّ الفَلَكَ حَىٌّ ناطِقٌ، وإنَّ الكواكِبَ السَّبْعَةَ آلِهَةٌ. فإنْ كانُوا كذلك، فهم كعَبَدَةِ الأَوْثانِ، وأِمَّا أهلُ صُحُفِ إبراهيمَ وشِيثَ وزَبُورِ داود، فلا تُقْبَلْ مِنهم الجِزْيَةُ؛ لأنَّهم من غيرِ الطائِفتَيْن، ولأنّ هذه الصُّحُفَ لم تكنْ فيها شرائِعُ، إنَّما هى مَواعِظُ وأمْثالٌ، كذلك وَصَفَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم صُحُفَ إبراهيمَ وزَبُورَ داوُدَ، فى حديثِ أبى ذَرٍّ (11). وأمّا الذين لهم شُبْهَةُ كتابٍ، فهم الْمَجُوسُ، فإنَّه يُرْوَى أنَّه كان لهم كتابٌ فرُفِعَ، فصارَ لهم بذلك شُبْهَةٌ أَوْجَبَتْ حَقنَ دمائِهم، وأَخْذَ الْجِزْيَةِ منهم، ولم ينْتَهِضْ فى (12) إباحَةِ نكاحِ نسائِهِم ولا ذَبائِحِهم دلِيلٌ (13). هذا قولُ أكثر أَهلِ العلْمِ. ونُقِلَ (14) عن أبى ثَوْرٍ، أَنَّهم من أهلِ الكِتابِ، وتَحِلُّ نِساؤُهم وذَبائِحهُم؛ لما رُوِىَ عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّه قال: أنا أعْلَمُ النَّاس بالمجُوسِ، كان لهم عِلْمٌ يَعْلَمُونه، وكتابٌ يَدْرُسونَه، وأَنّ ملِكَهُم سَكِرَ، فوقَعَ على بِنْتِه أو أخْتِه (15)، فاطَّلَعَ عليه بعضُ أهلِ مملَكَتِه، فلمَّا صَحَا جاءُوا يُقِيمُون عليه الحَدَّ، فامْتَنَع منهم، ودَعَا أهلَ مَمْلكَتِه، وقال: أتَعْلَمُون دِينًا خيرًا من دينِ آدَمَ، وقد أَنْكَحَ بَنِيه بَناتِه، فأنا على دينِ آدَمَ. قال: فتابَعَهُ قومٌ، وقاتَلُوا الذين يُخالِفُونه (16)، حتَّى قَتَلُوهم، فأصْبَحُوا وقد أُسْرِىَ بكتابهم، ورُفِعَ العِلْمُ الذى فى صُدورِهم، فهم أهلُ كتابٍ، وقد أَخَذَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ -وأُراهُ قال: وعمرُ- فهم الجِزْيَةَ. روَاه الشافِعِىُّ، وسعيدٌ، وغيرُهما (17). ولأنَّ
(11) أخرجه عن أبى ذَرٍّ عبدُ بن حميد، وابن مردويه، وابن عساكر. وأورده عنهم السيوطى، فى تفسير سورة الأعلى. الدر المنثور 6/ 341.
(12)
فى أ، ب:"إلى".
(13)
سقط من: الأصل، أ، ب.
(14)
فى ب: "وروى".
(15)
فى م: "وأخته".
(16)
فى ب، م:"يخالفونهم".
(17)
أخرجه الشافعى، انظر: باب ما جاء فى الجزية، من كتاب الجهاد. ترتيب المسند 2/ 131.
النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ"(18). ولَنا، قولُ اللَّه تعالى:{أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} . والْمَجُوسُ من غيرِ الطائِفَتَيْن، وقولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ". يدُلُّ على أَنَّهم غيرُهم. ورَوَى البُخارِىُّ (19)، بإِسْنادِه عن بَجالَةَ، أنَّه قال: ولم يكُنْ عمرُ أخَذَ الجِزْيَةَ من الْمَجُوسِ، حتَّى حَدَّثَه عبدُ الرحمنِ بنُ عَوْفٍ، أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أخَذَها من مَجُوسِ هَجَرَ. ولو كَانُوا أهلَ كتابٍ، لَما وقَف عمرُ فى أخْذِ الْجِزْيَةِ منهم مع أمْرِ اللَّه تعالَى بأَخذِ الجِزْيَةِ من أهلِ الكتابِ. وما ذكرُوه هو الذى صارَ لهم به شُبْهَةُ الكِتابِ. وقد قال أبو عُبَيْدٍ: لا أحسبُ ما رَوَوْه عن عَلِىٍّ فى هذا مَحْفُوظًا، ولو كان له أصْلٌ، لما حَرَّمَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم نِساءَهم، وهو كان أوْلَى بعِلْمِ ذلك. ويجوزُ أَنْ يصحَّ هذا مع تَحْرِيمِ نِسائِهم وذَبائِحِهم؛ لأنَّ الكتابَ المُبِيحَ لذلك هو الكتابُ المُنزَّلُ على إحْدَى الطائِفَتَيْن، وليس هؤلاء فهم، ولأنَّ كتابَهم رُفِعَ، فلم يَنْتَهِضْ [فى الإِباحَةِ](20)، وَثَبَتَ (21) به حَقْنُ دِمَائِهم. فأمَّا قولُ أبى ثَوْرٍ فى حِلِّ ذَبائِحِهم ونِسائِهِمْ، فيُخالِفُ الإِجْماعَ، فلا يُلْتَفَتُ إليه. وقولُه عليه السلام:"سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أهْلِ الْكِتَابِ". فى أخْذِ الْجِزْيَةِ منهم. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ أَخْذَ الْجِزْيَةِ مِن أهلِ الكِتابَيْن (22) والمَجُوسِ ثابِتٌ بالإِجْماعِ، لا نَعْلَمُ فيه (23) خلافًا، فإنَّ الصَّحابَةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، أجْمَعُوا على ذلك، وعَمِلَ به الخُلَفاءُ الرَّاشِدون، ومَنْ بَعْدَهم إلى زَمَنِنَا هذا، من غيرِ نَكِيرٍ ولا مُخالِفٍ، وبه يقولُ أهلُ العلمِ من أهلِ الحِجَازِ والعِراقِ والشَّامِ ومصرَ وغيرِهم، مع دَلالَةِ الكتابِ على أخْذِ الْجِزْيَةِ من أهلِ الكتاب، ودَلالَةِ السُّنَّةِ على أخْذِ الْجِزْيَةِ من الْمَجُوسِ، بما رَوَيْنا من قولِ المُغِيَرةِ لأهْلِ فارِس: أَمَرَنا نَبِيُّنا أَنْ نُقاتِلَكُم حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَه، أو
= كما أخرجه البيهقى، فى: باب المجوس أهل كتاب، والجزية تؤخذ فهم، من كتاب الجزية. السنن الكبرى 9/ 189. وام نجده فيما بين أيدينا من سنن سعيد.
(18)
تقدم تخريجه، فى: 9/ 547.
(19)
تقدم تخريجه، فى صفحة 32.
(20)
فى أ، ب، م:"للإباحة".
(21)
فى أ، م:"ويثبت".
(22)
فى م: "الكتاب".
(23)
فى م: "فى هذا".
تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ (24). وحَدِيثِ بُرَيْدةَ (25) وعبدِ الرحمن بن عَوْفَ، وقولَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"سُنُّوا بِهِمْ سُنُّةَ أهْلِ الْكِتَابِ". ولا فرقَ بين كَوْنِهم عَجَمًا أو عَرَبًا. وبهذا قال مالِكٌ، والأَوْزَاعِىُّ، والشَّافِعِىُّ، وأَبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال أبو يوسفَ: لا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ من العربِ؛ لأنَّهُم شَرُفُوا بكَوْنِهم من رَهْطِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. ولَنا، عمومُ الآيَةِ، وأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ خالِدَ بن الولِيدِ إلى دُومَةِ الْجَنْدَلِ (26)، فأَخَذَ أُكَيْدِرَ دُومَةَ، فصالَحَه على الْجِزْيَةِ، وهو من العَرَبِ. روَاه أبو دَاوُدَ (27). وأَخَذَ الجِزْيَةَ من نَصارَى نَجْرانَ، وهم عَرَبٌ (28). وَبعَثَ مُعاذًا إلى اليَمَنِ، فقال:"إِنَّكَ تَأْتِى قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ". مُتَّفَقٌ عليه (29). وأَمَرَه أَنْ يَأْخُذَ من كلِّ حالِمٍ دينارًا (30). وكانُوا عَرَبًا. قال ابنُ المُنْذِرِ: ولم يَبْلُغْنا أَنَّ قومًا من العَجَمِ كانُوا سُكَّانًا باليمنِ، حيثُ وَجَّه مُعاذًا. ولو كان لَكان فى أمْرِه أَنْ يأخُذَ من جميعِهِم من كُلِّ حالِم دينارًا، دليلٌ على أَنَّ العربَ تُؤْخَذُ منهم الجِزيةُ. وحَديثُ بُرَيْدةَ فيه (31) أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يأْمُرُ مَنْ بَعَثَه على سَرِيَّةٍ، أَنْ يدعُوَ عَدُوَّه إلى أداءِ الْجِزْيَةِ، ولم
(24) تقدم تخريجه، فى صفحة 202.
(25)
تقدم تخريجه، فى صفحة 29.
(26)
دومة الجندل: على سبع مراحل من دمشق، بينها وبين مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم. معجم البلدان 2/ 625.
(27)
فى: باب فى أخذ الجزية، من كتاب الإمارة. سنن أبى داود 2/ 149.
(28)
أخرجه البيهقى، فى: باب من قال: تؤخذ منهم الجزية عربا كانوا أو عجما، من كتاب الجزية. السنن الكبرى 9/ 187.
(29)
أخرجه البخارى، فى: باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس، وباب أخذ الصدقة من الأغنياء. . .، من كتاب الزكاة، وفى: باب ما جاء فى دعاء النبى صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد اللَّه. . .، من كتاب التوحيد. صحيح البخارى 2/ 147، 158، 9/ 140. ومسلم، فى: باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، من كتاب الإِيمان. صحيح مسلم 1/ 50، 51.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب زكاة السائمة، من كتاب الزكاة. سنن أبى داود 1/ 366. والترمذى، فى: باب ما جاء فى كراهية أخذ خيار المال فى الصدقة، من أبواب الزكاة. عارضة الأحوذى 3/ 117، 118. والنسائى، فى: باب إخراج الزكاة من بلد إلى بلد. . .، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 41. والدارمى، فى: باب فضل الزكاة، وباب النهى عن أخذ الصدقة من كرائم أموال الناس، من كتاب الزكاة. سنن الدارمى 1/ 379، 384. والإِمام أحمد، فى: المسند 1/ 233.
(30)
تقدم تخريجه، فى: 4/ 30.
(31)
سقط من: ب.