الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يصِحُّ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم صالَحَ أهلَ خَيْبَرَ على أنْ يُقِرَّهم ما أَقَرَّهُم اللَّه تعالى (13). ولا يَصِحُّ هذا، فإنَّه عَقْدٌ لازِمٌ، فلا يجوزُ اشْتراطُ نَقْضِه، كسائِرِ العُقودِ اللَّازِمَةِ، ولم يكُنْ بينَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وبَيْنَ أهلِ خَيْبَرَ هُدْنَةٌ، فإنَّه فَتَحَها عَنْوَةً، وإنَّما ساقَاهم (14)، وقال لهم ذلك. وهذا يدُلُّ على جَوازِ المُساقاةِ، وليس هذا بهُدْنَةٍ اتِّفاقًا، وقد وافَقُوا الجماعَةَ فى (15) أنَّه لو شَرَطَ فى عَقْدِ الهدنَةِ أنِّى أُقِرُّكُم ما أَقَرَّكُم اللَّه. لم يَصِحَّ، فكيفَ يَصِحُّ منهم الاحْتِجاجُ به، معَ إجماعِهم مع غيرِهم على أنَّه لا يجوزُ اشْتِراطُه!
فصل:
ولا يجوزُ عقدُ الهُدْنَةِ إلَّا على مدَّةٍ مُقَدَّرَةٍ مَعْلُومَةٍ؛ لما ذَكَرْناه. قال القاضى: وظاهِرُ كلامِ أحمدَ، أَنَّها لا تجوزُ أكثرَ من عشرِ سِنِين. وهو اختيارُ أبى بَكْرٍ، ومذهبُ الشافِعِىِّ؛ لأنَّ قَوْلَه تعالى:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (16). عامٌّ خُصَّ منه مدَّةُ العشرِ لمُصالَحَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قُرَيْشًا يومَ الحُدَيْبِيةِ عشرًا، ففيما زادَ يَبْقَى على مُقْتَضَى العُمومِ. فعَلَى هذا، إنْ زادَ المدَّةَ على عشرٍ، بطَلَ فى الزِّيادَةِ. وهل تَبْطُلُ فى العشرِ؟ على وَجْهيْن، بِناءً على تَفْريقِ الصَّفْقَةِ. وقال أبو الخَطَّابِ: ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، أنَّه يجوزُ على أكْثرَ من عشرٍ، على ما يَراهُ الإِمامُ من المصلَحَةِ. وبهذا قال أبو حَنِيفة؛ لأنَّه عَقْدٌ يجوزُ فى العشرِ، [فجازَ على](17) الزِّيادَةِ عليها، كعَقْدِ الإِجارَةِ، والعامُّ مَخْصوصٌ فى العشرِ لمَعْنًى موجودٍ فيما زادَ عليها، وهو أنَّ المصلحةَ قد تكونُ فى الصُّلْحِ أكثرَ منها فى الحَربِ.
فصل: وتجوزُ مُهادَنَتُهم على غيرِ مالٍ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم هادَنَهم يومَ الحُدَيْبِيَةِ على غيرِ مالٍ (18). ويجوزُ ذلك على مالٍ يأخذُه منهم؛ فإنَّها إذا جازَت على غيرِ مالٍ، فعلَى مالٍ
(13) أخرجه البخارى، فى: باب إذا اشترط فى المزارعة إذا شئت أخرجتك، من كتاب الشروط، وفى: باب إخراج اليهود من جزيرة العرب، وباب الموادعة من غير وقت، من كتاب الجزية. صحيح البخارى 3/ 252، 4/ 120، 126. والإِمام مالك، فى: باب ما جاء فى المساقاة، من كتاب المساقاة. الموطأ 2/ 703.
(14)
فى النسخ: "ساقهم".
(15)
سقط من: ب.
(16)
سورة التوبة: 5.
(17)
فى ب.: "فزاد فى". وفى م: "فجازت".
(18)
انظر ما تقدَّم فى حاشية 12.
أوْلَى. وأَمَّا إنْ (19) صالَحَهم على مالٍ نَبْذُلُه لهم، فقد أطلقَ أحمدُ القولَ بالمنْعِ منه. وهو مذهبُ الشافِعِىِّ؛ لأنَّ فيه صَغارًا للمسلمين. وهذا محمولٌ على غيرِ حالِ الضرورَةِ، فأمَّا إنْ دَعَت إليه ضَرورةٌ، وهو أنْ يخافَ على المسلمين الهَلاكَ أو الأَسْرَ، فيجوزُ؛ لأنَّه يجوزُ للأسِيرِ فِداءُ نَفْسِه بالمالِ، فكذا هذا (20)، ولأنَّ بَذْلَ (21) المالِ إنْ كان فيه صَغارٌ، فإنَّه يجوزُ تَحَمُّلُه لدَفْعِ صَغارٍ أعْظمَ منه، وهو القَتْلُ، والأَسْرُ، وسَبْىُ الذُّرِّيَّةِ الذين يُفْضِى سَبْيُهم إلى كُفْرِهم. وقد رَوَى عبدُ الرزَّاق (22)، فى المغازِى، عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهْرِىِّ، قال: أرْسَلَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إلى عُيَيْنَةَ بن حِصْنٍ، وهو مع أبي سفيانَ -يعنى يومَ الأَحْزابِ-:"أَرَأَيْتَ إنْ جَعَلْتُ لَكَ ثُلُثَ تَمْرِ الأَنْصَارِ، أَتَرْجِعُ بمَنْ مَعَكَ مِنْ غَطَفَانَ، وتُخَذِّلُ بَيْنَ الأَحزَابِ؟ ". فأرْسَلَ إليه عُيَيْنَةُ: إنْ جَعَلْتَ لى الشَّطْرَ فَعَلْتُ. قال مَعْمَرٌ: فَحَدَّثَنِى ابنُ أبي نَجِيحٍ، أنَّ سعدَ بن مُعاذٍ وسَعْدَ بن عُبادَةَ قالا: يا رسولَ اللَّه، واللَّه لقد كان يَجُرُّ سُرْمَه فى الجاهليَّةِ فى عامِ السَّنَةِ حَوْلَ المدِينَةِ، ما يُطِيقُ أنْ يدْخُلَها، فالآنَ حينَ جاءَ اللهُ بالإسلامِ، نُعْطِيهِم ذلك! فقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"فَنَعَمْ إذًا". ولولا أنَّ ذلك جائِزٌ، لَما بَذَلَه النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم. ورُوِىَ أنَّ الحارِثَ بن عمرِو الغَطَفانِىَّ، بَعَثَ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: إنْ جَعَلْتَ لى شَطْرَ ثِمارِ المدينةِ، وإلَّا مَلأْتُها عليك خَيْلًا ورجالًا (23). فقال له النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"حَتَّى أُشَاوِرَ السُّعُودَ". يعنى سعدَ بن عُبادَةَ، وسعدَ بن مُعاذٍ، وسعدَ بن زُرارَةَ، فشاوَرَهم النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، فقالُوا: يا رسولَ اللَّه، إنْ كان هذا أمْرًا من السماءِ، فتَسْلِيمٌ لأَمْرِ اللَّه تعالى، وإنْ كان برأْيِكَ وهواكَ، اتَّبَعْنا رأيَكَ وهَواكَ، وإنْ لم يكُنْ أمْرًا من السماءِ ولا برأْيِكَ وهواكَ، فوالله ما كُنَّا نُعطِيهم فى الجاهِلِيَّةِ بُسْرَةً ولا تَمْرةً إلَّا شِراءً أو قِرًى، فكيفَ (24) وقد أعزَّنا اللَّه بالإِسلامِ! فقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لرسولِه:"أَتَسْمَعُ؟ "(25)
(19) فى أ: "إذا".
(20)
فى م: "ههنا".
(21)
في م: "بذله".
(22)
فى: باب وقعة الأحزاب وبنى قُرَيْظَة، من كتاب المغازى. المصنِّف 5/ 367، 368.
(23)
فى م: "ورجْلا".
(24)
سقط من: أ.
(25)
عزاه صاحب مجمع الزوائد إلى البزار والطبرانى. انظر: مجمع الزوائد 6/ 132.