السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ} - المغني لابن قدامة - ت التركي - جـ ١٣

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ} (1). وقال تعالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (2). يَعْنِى الودائِعَ والحقُوقَ. وقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: "أَدِّ الأَمَانَةَ إلى مَنْ ائْتَمَنَكَ، ولَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ"(3). وإذَا كان اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا، لم يُصْرَفْ إلى أحَدِ مُحْتَمِلَيْهِ (4) إلَّا بنِيَّتِه أو دليلٍ صارِفٍ إليه. ولَنا، أَنَّ أمانةَ اللَّهِ صِفَةٌ له، بدليلِ وُجوبِ الكَفَّارَةِ على مَن حَلَفَ بها إذا نَوَى، ويجبُ حَمْلُها على ذلك عندَ الإِطْلاقِ، لوُجوهٍ؛ أحَدُها، أَنَّ حَمْلَها على غيرِ ذلك صَرْفٌ ليَمِينِ (5) المسلمِ إلى المَعْصِيَةِ، أو المَكْرُوهِ؛ لكَوْنِه قَسَمًا بمَخْلوقٍ، والظَّاهِرُ من حالِ المُسْلِمِ خِلَافُه. والثانى، أَنَّ القَسَمَ فى العادةِ يكونُ بالمُعَظَّمِ المُحْتَرَمِ دونَ غيرِه، وصِفَةُ اللَّهِ تعالَى أَعْظَمُ حُرْمَةً وقَدْرًا. والثالِثُ، أَنَّ ما ذَكَرُوه من الفَرائِضِ والوَدائِعِ لم يُعْهَدِ القسَمُ بِها، ولا يُسْتَحْسَن ذلك لوْ صرّحَ به، فكذلك لا يُقْسَمُ بما هو عِبارةٌ عنه. الرابعُ، أَنَّ أمانةَ اللَّهِ المُضافَةَ إليه، هى صِفَتُه، وغيرُها يُذْكَرُ غيرَ مُضافٍ إليه، كما ذُكِرَ فى الآياتِ والْخَبَرِ. الخامِسُ، أَنَّ اللَّفْظَ عامٌّ فى كُلِّ أمانَةٍ للَّهِ (6)؛ لأَنَّ اسْمَ الجِنْسِ إذا أُضِيفَ إلى مَعْرِفَةٍ، أفادَ (7) الاسْتِغْراقَ، فيدخُلُ فيه أمانَةُ اللَّهِ التى هى صِفَتُه، فتَنْعَقِدُ اليَمِينُ بها مُوجِبَةً للكَفَّارَةِ، كما لو نَواها.

‌

‌فصل:

فإنْ قال: والأمانةِ لا فَعَلْتُ. ونَوَى الحَلِفَ بأمانَةِ اللَّه، فهى (8) يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ مُوجِبَةٌ للكفَّارَةِ. وإِنْ أَطلَقَ، فَعَلَى رِوايَتَيْن؛ إِحْداهُما؛ يكونُ يَمِينًا؛ لما ذَكَرْنا من الوُجُوهِ. والثانِيَةُ، لا يكونُ يَمِينًا؛ لأنَّه لم يُضِفْها إلى اللَّه تعالَى، فيَحْتَمِلُ غيرَ ذلك. قال أبو الخَطَّاب: كذلك إذا قال: والعَهْدِ، والميثاقِ، والجَبَرُوتِ، والعَظَمَةِ،