الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَحِلَّ، كما لو قتَل شاةً. وهذا قولُ أبى حَنِيفَةَ، ومالِك، والشافِعِىِّ، وأبى يوسفَ، ومحمد.
فصل:
وإذا (2) رَمَى صَيْدًا فأَثْبَتَه، ثمّ رَماهُ آخَرُ فأصابَهُ، لم تخلُ رَمْيَةُ الأُوَّلِ من قِسْمَيْن؛ أحَدُهما، أَنْ تكونَ مُوحِيَةً، مثل أَنْ تَنْحَرَه، أو تَذْبَحَه، أو تَقَعَ فى خاصِرَتِه أو قلبِه، فيُنْظَرُ فى رَمْيَةِ الثانِى، فإنْ كانَتْ غيرَ مُوحِيَةٍ، فهو حَلالٌ، ولا ضَمانَ على الثانى، إلَّا أَنْ ينْقُصَه برَمْيِه شيئًا، فيضْمَنُ (3) ما نَقَصَه؛ لأَنَّه بالرَّمْيَةِ الأُولَى صارَ مَذْبُوحًا. وإِنْ كانت رَمْيَةُ الثانِى مُوحِيَةً، فقال القاضِى وأصحابُه: يحِلُّ، كالتى قبلَها. وهو مَذْهَبُ الشافِعِىِّ. ويجىءُ على قولِ الخِرَقِىِّ أَنْ يكونَ حرامًا، كقولِه فى مَن ذَبَحَ، فأَتَى على الْمَقاتِلِ، فلم تخْرُج الرُّوحُ حَتَّى وَقعَتْ فى الماءِ، أو وَطِئَ عليها شىءٌ، لم يُؤْكَلْ. القسم الثانى، أَنْ يكونَ جَرْحُ الأَوَّلِ غيرَ مُوحٍ، فيُنْظَرُ فى رَمْيَةِ الثانِى، فإنْ كانت مُوحِيَةً، فهو مُحَرَّمٌ؛ لما ذَكَرْنا، إلَّا أَنْ تكونَ ذبحَتْه أو نَحَرَتْه، وإِنْ كانتْ غيرَ مُوحِيَةٍ، فلها ثلاثُ صُوَرٍ؛ إحْداها، أَنَّه ذُكِّىَ بعدَ ذلك، فيَحِلُّ. والثانِيَةُ، لم يُذَكَّ، حتَّى ماتَ، فإنَّه يحْرُمُ؛ لأنَّه ماتَ من جَرْحَيْنِ؛ مُبِيحٍ ومُحَرِّمٍ، فحَرُمَ، كما لو ماتَ من جَرْحِ مسلمٍ ومَجُوسِىٍّ، وعلى الثانى ضَمان جميعِه؛ لأنَّ جَرْحَه هو الذى حَرَّمَه، فكان جميعُ الضَّمانِ عليه. والثالِثَةُ، قَدَرَ على ذَكاتِه فلم يُذكِّه حتَّى ماتَ، حَرُمَ لِمَعْنيَيْن؛ أحدُهما، أنَّه تَرَكَ ذَكاتَه مع إمْكانِها. والثانى، أنَّه ماتَ من جَرْحَيْن؛ مُبِيحٍ، ومُحَرِّمٍ، ويلزمُ الثانىَ الضَّمانُ، وفى قَدْرِه احْتِمالان؛ أحدُهما، يضْمَنُ جميعَه، كالتى قبلَها. قال القاضِى: هذا قولُ الْخِرَقِىِّ؛ لإيجابِه الضَّمانَ فى مَسْأَلَتِه على الثالثِ من غير تَفرِيقٍ. وليستْ هذه مَسْأَلَةَ الخِرَقِىِّ لقوله: ثمَّ رَماه الثالِثُ فقَتَلَه. فتَعَيَّن حَمْلُها على أنَّ جَرْحَ الثانِى ما (4) كان مُوحِيًّا لا غيرُ. الاحتمالُ الثانِى، أَنْ يضْمَنَ الثانِى بقِسْطِ جَرْحِه؛ لأنَّ الأَوَّلَ إذا ترَكَ الذَّبْحَ مع إمْكانِه، صارَ جَرْحُه حاظِرًا أيضًا، بدليلِ ما لو انْفَردَ وقَتَلَ الصيدَ، فيكونُ الضَّمانُ
(2) فى ب، م:"وإن".
(3)
فى ب: "فضمن".
(4)
سقط من: م.
مُنْقَسِمًا عليهما. وذكرَ القاضِى، فى قِسْمَتِه عليهما، أَنَّه يُقَسَّطُ أَرْشُ جَرْحِ الأَوَّلِ، وعلى الثانى أَرْشُ جِراحَتِه، ثمَّ يُقْسَمُ ما بَقِىَ من القيمَةِ بينهما نِصْفَيْن. وفرَضَ المسأَلَةَ فى صَيْدٍ قِيمَتُه عشرةُ دراهِم، نقَصَه جَرْحُ الأَوَّلِ درهَمًا، ونقَصَه جَرْحُ الثانى درهمًا، فعليه دِرْهَمٌ، ويُقْسَمُ الباقى وهو ثمانيةٌ بينهما نِصْفَيْن، فيكونُ على الثانِى خَمْسَةُ دَراهمَ؛ دِرْهَمٌ بالمباشَرَةِ، وأربعةٌ بالسِّرايَةِ، وتَسْقُطُ حِصَّةُ الأوَّلِ وهى خمسةٌ. وإن كان أرشُ جَرْحِ (5) الثانى درهَمَيْن، لزِماهُ، ويَلْزَمُه (6) نِصْفُ السَّبْعَةِ الباقِيَةِ، ثلاثةٌ ونِصْف، فيَلْزَمُه خمسةٌ ونصفٌ، وتسْقطُ حِصَّةُ الأَوَّلِ أربعةٌ ونصفٌ. وإِنْ كانت جِنايَتُهما على حيوانٍ مَمْلُوكٍ لغيرِهما، قُسِمَ الضَّمانُ عليهما كذلك. ويتوجَّهُ على هذه الطريقَةِ، أنَّه سَوَّى بينَ الجنايَتَيْن، مع أنَّ الثانىَ جَنَى عليه وقيمَتُه دونَ قيمَتِه يومَ جَنَى عليه الأَوَّلُ، وأنَّه لم يدْخُلْ أرشُ الجنايَةِ فى بدَلِ النَّفْسِ، كما يدْخُلُ فى الجنايَةِ على الآدَمِىّ. والجوابُ عن هذا، أَنَّ كُلَّ واحِدٍ منهما انْفَردَ بإتْلافِ ما قيمَتُه دِرْهَمٌ، وتَساوَيَا فى إتْلافِ الباقِى بالسِّرَايةِ، فتساوَيَا فى الضَّمانِ، وإنَّما يدْخُلُ أرشُ الجنايَةِ فى بدلِ النَّفْسِ التى لا ينْقُصُ بَدَلُها بإتْلافِ بعضِها، وهو الآدَمِىُّ، أَمَّا البهائمُ، فإنَّه إذا جَنَى عليها جِنايةً أرْشُها دِرْهَمٌ، نقصَ ذلك من قيمَتِها، فإذا سَرَى إلى النَّفْس، أَوْجَبْنَا ما بَقِىَ من قِيمَةِ النَّفْسِ، ولم يدْخُلِ الأَرْشُ فيها. وذكرَ أصحابُ الشافِعِىِّ فى قِسْمةِ الضَّمَانِ طُرْقًا سِتَّةً؛ أصَحُّها عندَهم أَنْ يُقالَ: إنَّ الأَوَّلَ أَتْلَفَ نصفَ نفسٍ قيمتُها عشرةٌ، فيلزَمُه (7) خمسَةٌ، والثانِى أَتْلَفَ نصفَ نفسٍ قيمَتُها تسعةٌ، فيَلْزَمُه أرَبعَةٌ ونصفٌ، فيكونُ المجموعُ تسعةً ونصفًا، وهى أقلُّ منٍ قيمَتِه، لأنَّها عشرةٌ، فتُقْسَمُ العشرةُ على تِسْعَةٍ ونصْفٍ، فيسقُطُ عن الأَوَّلِ ما يُقابِلُ أَرْبَعَة ونصفًا، ويَتوجَّه على هذا، أنَّ كُلَّ واحدٍ منهما يلزَمُه أَكْثَرُ من قيمَةِ نصفِ الصَّيْد حين جَنَى عليه. وإِنْ كانت الجِراحاتُ من ثلاثةٍ، فإنْ كان الأَوَّل هو أثْبَتَه، فعلى طَرِيقَةِ القاضِى، على كلِّ واحِدٍ أرشُ جَرْحِه، وتُقْسَمُ السِّرايةُ عليهم أثلاثًا، وإن كان المُثْبِتُ له هو الثانِىَ، فجَرْحُه
(5) سقط من: أ، ب.
(6)
فى ب: "ولزمه".
(7)
فى ب: "فلزمه".