الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأحَدِ الزَّوْجَين فيها حَقٌّ فسَرَقَ منها الآخرُ، لم يُقْطَعْ عندَ مَنْ لا يَرَى أنَّ أحدَهُما يُقْطَعُ بسرِقَةِ مالِ الآخَرِ. وقد سَبَقَ ذِكْرُ هذا (2).
فصل:
والسَّارِقُ من الغَنِيمَةِ غيرُ الغَالِّ، فلا يَجْرِى مَجْراهُ فى إحْراقِ رَحْلِه، ولا يَجْرِى الغَالُّ مَجْرَى السَّارِقِ فى قَطْعِ يَده. وذكَر بعضُ أصحابِنا أَنَّ السَّارِقَ يُحْرَقُ رَحْلُه؛ لأَنَّه فى معنى الغَالِّ، ولأنَّه لمَّا دُرِىءَ عنه الحَدُّ، وَجَبَ أَنْ يُشْرَعَ فى حَقِّه عُقوَبةٌ أُخْرَى، كسارِقِ الثَّمَرِ يَغْرَمُ مِثْلَىْ ما سَرَقَ. ولَنا، أَنَّ هذا لا يقَعُ (3) عليه اسمُ الغَالِّ حقيقةً، ولا هو فى مَعْناه؛ لأنَّ الغُلولَ يكْثُرُ لكَوْنِه أخْذَ مالٍ لا حافِظَ له، ولا يُطَّلَعُ عليه غالبًا (4)، فيَحْتاجُ إلى زَاجرٍ عنه، وليس كذلك السَّرِقَةُ، فإنَّها أخْذُ مالٍ مَحْفوظٍ، فالحاجَةُ إلى الزَّجْرِ عنه أقلُّ.
1686 -
مسألة؛ قال: (وإِنْ وَطِئَ جَارِيَةً قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ، أُدِّبَ، وَلَمْ يُبْلَغْ بِهِ حَدُّ الزِّنَى (1)، وأُخِذَ مِنْهُ مَهْرُ مِثْلِهَا، فَطُرِحَ فى الْمَقْسِمِ، إِلَّا أَنْ تَلِدَ مِنْهُ، فَتَكُونَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا)
يعنى إذا كان الواطِئُ من الغانِمين، أو ممَّنْ لوَلدِه فيها حَقٌّ، فلا حَدَّ عليه؛ لأنَّ المِلْكَ يثْبُتُ للغانِمين فى الغَنِيمَةِ، فيكونُ للواطئَ حَقٌّ فى هذه الجارَيةِ وإِنْ كان قليلًا، فيُدْرَأُ عنه الحَدُّ للشُّبْهَةِ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشافِعِىُّ. وقال مالكُ، وأبو ثَوْرٍ: عليه الحَدُّ؛ لقولِ اللَّه تعالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (2). وهذا زانٍ، ولأنَّه وَطِئَ فى غيرِ مِلْكٍ، عامِدًا، عالِمًا بالتَّحْرِيمِ، فلَزِمَه الحَدُّ، كما لو وَطِئَ جارِيةَ غَيْرِه. وقال الأوْزَاعِىُّ: كلُّ مَنْ سَلَفَ مِن عُلَمائِنا يقولُ: عليه أَدْنَى الحَدَّيْنِ، مِائَةُ جَلْدَةٍ. ومَنَعَ بعضُ الفُقَهاءِ ثُبُوتَ المِلْكِ فى الغَنِيمَةِ، وقال: إنَّما يثْبُتُ بالاخْتِيارِ (3)، بدليلِ أَنَّ
(2) تقدم فى: 12/ 461.
(3)
فى م: "يقطع".
(4)
فى ب: "عالما".
(1)
فى أ، ب، م:"الزانى".
(2)
سورة النور 2.
(3)
فى م: "بالأخبار".
أحَدَهُم لو قالَ: أسْقَطْتُ حَقِّى. سَقَطَ، ولو ثَبَتَ مِلْكُه، لم يزُلْ بذلك، كالوارِثِ. ولَنا، أَنَّ له فيها شُبْهَةَ المِلْكِ، فلم يَجِبْ عليه الحَدُّ، كوَطْءِ [جارِيةٍ له فيها شِرْكٌ](4)، والآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بوَطْءِ الجارِيَةِ المُشْتَرَكَةِ وجاريةِ ابْنِه، فنَقِيسُ عليه هذا، ومَنْعُ المِلْكِ لا يصِحُّ؛ لأنَّ مِلْكَ الكُفَّارِ قد زالَ، ولا يزُولُ إلَّا إلى مالِكٍ، ولأنَّه تَصِحُّ قِسْمَتُه، ويَمْلِكُ الْغانمون طلَبَ قِسْمَتِها، فأشْبَهَتْ مالَ الوارِثِ، وإنَّما (5) كَثُرَ الغانمون فقَلَّ نصيبُ الواطِئِ، ولم يسْتَقِرَّ فى شىءٍ بعَيْنِه، وكان للإِمامِ تَعْيِينُ نَصِيبِ كُلِّ واحد بغيرِ اخْتِيارِه، فلذلك جازَ أَنْ يسْقُطَ بالإِسْقاطِ، بخلافِ الميراثِ، وضَعْفُ المِلْكِ لا يُخْرِجُه عن كونِه شُبْهَةً فى الحدِّ الذى يُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، ولهذا يسْقُطُ الحَدُّ بأدْنَى شىءٍ، وإِنْ لم يكنْ حَقِيقَةَ الملْكِ فهو شُبْهَةٌ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه يُعَزَّرُ، ولا يبْلَغُ بالتَّعْزيرِ (6) الحَدَّ، على ما أسْلَفْناهُ، ويُؤْخَذُ منه مَهْرُ مِثْلِها، فيُطْرَحُ فى المَقْسِمِ. وبهذا قال الشافِعِىُّ. وقال القاضِى: إنَّه يسْقُطُ عنه من المَهْرِ قَدْرُ حِصَّتِه منها، ويَجِبُ عليه بَقِيَّتُه، كما لو وَطِئَ جاريةً مُشْتَرَكَةً بينَه وبينَ غيرِه. وليس بصحيحٍ، لأَنَّنَا إذا أسْقَطْنا عنه حِصَّته، وأَخَذْنا الباقِىَ فَطرَحْناه فى المَغْنَمِ، ثمَّ قَسَمْناه على الجميعِ وهو فيهم، عادَ إليه سَهْمٌ من حِصَّةِ غيرِه، ولأنَّ قَدْرَ حِصَّتِه قد لا تُمْكِنُ مَعْرِفَتُه؛ لقِلَّةِ المَهْرِ وكثْرَةِ الغانمين، ثمَّ إذا أَخَذْناه، فإنْ قَسَمْناه مُفْرَدًا على مَنْ سِواهُ، لم يُمْكِنْ، وإِنْ خَلَطْناه بِبَقِيَّةِ الغَنِيمَةِ، ثمَّ قسَمْناه على الجميعِ، أخذَ سَهْمًا ممَّا ليس له فيه حَقٌّ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنْ وَلَدَت منه، فالوَلَدُ حُرٌّ، يلحَقُه نَسَبُه. وبهذا قال الشافِعِىُّ، وقال أبو حنيفةَ: هو رقِيقٌ، ولا (5) يلْحَقُه نَسَبُه؛ لأنَّ الغانمين إنَّما يَمْلِكون بالقسْمَةِ، فقد صادَفَ وطؤُه غيرَ ملكِه. ولَنا، أنَّه وَطْءٌ سَقَطَ فيه الحَدُّ بشُبْهَةِ المِلْكِ، فيَلْحَقُ فيه النَّسَبُ، كوَطْءِ جارَيةِ ابْنِه، وما ذَكَرُوه غيرُ مُسَلَّمٍ، ثمَّ يبْطُلُ بوَطْءِ جارِيَةِ ابْنِه. ويُفارِقُ الزِّنَى؛ فإنَّه يُوجِبُ الحَدَّ. وإذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ الأَمَةَ تصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ له فى الحالِ. وقال الشافِعِىُّ: لا تَصِيرُ أمَّ وَلَدٍ له (7) فى الحالِ؛ لأنَّها ليستْ مِلْكًا له. فإذا مَلَكَها بعدَ
(4) فى م: "الجارية المشتركة".
(5)
سقطت الواو من: م.
(6)
فى ب: "التعزير".
(7)
سقط من: م.