الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1734 - مسألة؛ قال: (وإِنْ كانَ جُنُبًا، جازَ أَنْ يُسَمِّىَ ويَذْبَحَ)
وذلك أَنَّ الجُنُبَ تَجوزُ له التَّسْمِيَةُ، ولا يُمْنَعُ منها؛ لأَنَّه إنّما يُمْنَعُ (1) من القرآنِ، لا مِنَ الذِّكْرِ، ولهذا تُشْرَعُ له التَّسْمِيَةُ عند اغْتِسالِه، وليست الجَنَابَةُ أعْظمَ من الكُفرِ، والكافِرُ يُسَمِّى ويَذْبَح، وممَّنْ رَخَّصَ فى ذبْحِ الجنُبِ الحسنُ، والحَكَمُ، واللَّيْثُ، والشافِعِىُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: ولا أعْلَمُ أحدًا مَنَعَ من ذلك. وتباحُ ذَبِيحَةُ الحائِضِ؛ لأنَّها فى مَعْنَى الجُنُبِ.
فصل:
والمُنْخَنِقَةُ، والمَوْقُوذَةُ، والمُتَرَدِّيَةُ، والنَّطِيحَةُ، وأَكِيلَةُ السَّبُعِ، وما أَصَابَها مَرَضٌ فماتَت به، مُحَرَّمَةٌ، إلَّا أَنْ تُدْرَكَ ذَكاتُها؛ لقولِه تعالى:{إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} (2). وفى حَدِيثِ جارَيَةِ كَعْبٍ، أنَّها أُصِيبَت شاةٌ من غَنَمِها، فأَدْرَكَتْها، فذَبَحَتْها بحَجَرٍ، فسألَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"كُلُوهَا"(3). فإنْ كانَتْ لم يَبْقَ مِن حَياتِها إلَّا مثلُ حَرَكَةِ المَذْبوحِ، لم تُبَحْ (4) بالذَّكاةِ؛ لأنَّه لو ذَبَحَ ما ذَبَحَه المَجُوسِىىُّ، لم يُبَحْ، وإِنْ أَدْرَكَها وفيها حَياةٌ مُسْتقِرَّةٌ، بحيث يُمْكِنُه ذَبْحُها، حَلَّتْ؛ لعُمومِ الآيَةِ والخبَرِ. وسواءٌ كانت قد انْتَهت إلى حالٍ يَعْلَمُ أنَّها لا تَعِيشُ معه أو تعيشُ؛ لعُمومِ الآيةِ والخبرِ، ولأَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لم يَسْألْ، ولم يَسْتَفْصِلْ. وقد قال ابنُ عبَّاسٍ، فى ذِئْبٍ عَدَا على شاةٍ، فعَقَرَها، فوَقعَ قَصَبُها بالأرضِ، فأَدْرَكَها، فذَبَحَها بحَجَرٍ، قال: يُلْقِى ما أَصابَ الأرْضَ، ويأْكُلُ سائِرَها (5). وقال أحمدُ فى بهيمَةٍ عَقَرَتْ بَهِيمَةً، حتّى تَبَيَّنَ فيها آثارُ الموتِ، إلَّا أَنَّ فيها الرُّوحَ. يعنى فذُبحَتْ: فقال: إذا مَصَعَتْ (6) بذَنَبِها، وطَرَفَتْ بِعَيْنِها، وسالَ الدَّمُ، فأرْجُو إنْ شاءَ اللَّه تعالى أَنْ لا يكونَ بأَكْلِها بَأْسٌ. ورَوَى ذلك بإسْنادِه عن عُبَيْدِ (7) بنِ عُمَيْرٍ، وطاوُسٍ. وقالا: تَحَرَّكَت. ولم يَقُولا: سالَ الدَّمُ. وهذا
(1) فى أ، ب:"منع".
(2)
سورة المائدة 3.
(3)
تقدم تخريجه، فى صفحة 311.
(4)
فى ب: "تحل".
(5)
أخرجه عبد الرزاق، فى: باب ما يقطع من الذبيحة، من كتاب المناسك. المصنف 4/ 494.
(6)
مصعت بذنبها: حركته من غير عدو.
(7)
فى م: "عقيل".
على مَذْهبِ أبى حَنِيفَةَ. وقال إسماعيلُ بنُ سعيد: سأَلْتُ احْمَدَ عن شاةٍ مَرِيضَةٍ، خافُوا عليها الموتَ، فذَبَحُوها، فلم يُعْلَمْ منها أَكْثَرُ من أَنَّها طَرَفَت بِعَيْنِها، أو حَرَّكَت يَدَها أو رِجْلَها أو ذَنَبَها بضَعْفٍ، فنَهَرَ الدَّمُ؟ قال: فلا بَأْسَ به. وقال ابنُ أبى مُوسَى: إذا انْتَهَت إلى حَدٍّ لا تَعِيشُ معه، لم تُبَحْ بالذَّكاةِ. ونَصَّ عليه أحمدُ، فقال: إذا شَقَّ الذئبُ بَطْنَها، فخَرَجَ قَصَبُها، فذَ بَحها، لا تُؤْكَل. وقال: إنْ كان يَعْلَمُ أَنَّها تموتُ من عَقْرِ السَّبُعِ، فلا تُؤْكَلُ وإِنْ ذَكَّاها. وقد يخافُ على الشاةِ الموتَ من العِلَّةِ والشىءِ يُصِيبُها، فيُبادِرُها فيَذْبَحُها، فيأْكُلُها. وليس هذا مثلَ هذه، لا يَدْرِى، لَعَلَّها تَعِيشُ، والتى قد خَرَجَت أمعاؤُها، يَعْلَمُ أنَّها لا تَعِيشُ. وهذا قولُ أبى يوسفَ. والأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لأنَّ عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، انْتَهَى به الجُرْحُ إلى حَدٍّ عَلِمَ أنَّه لا يَعِيشُ معه، فوَصَّى، فقُبلَت وَصايَاهُ، ووَجَبَت العبادَةُ عليه، وفيما ذَكَرْنا من عُمومِ الآيةِ والخبَرِ، وكَوْنِ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم لم يَسْتَفْصِلْ فى حَديثِ جارِيَةِ كَعْبٍ، ما يَرُدُّ هذا، وتُحْمَلُ نُصوصُ (8) أحمدَ، على شاةٍ خَرَجَت أمعاؤُها، وبانَتْ منها، فَتِلك لا تَحِلُّ بالذَّكاة؛ لأنَّها فى حُكْمِ المَيِّتِ (9)، ولا تَبْقَى حَرَكَتُه! إلَّا كَحَرَكَةِ المَذبُوحِ، فأمَّا ما خَرَجَت أمْعاؤُها، ولم تَبِنْ منها، فهى فى حُكْمِ الحياةِ تُباحُ بالذَّبْحِ، ولهذا قال الْخِرَقِىُّ، فى مَن شَقَّ بَطْنَ رَجُلٍ، فأَخْرَجَ حِشْوَتَه، فَقَطَعَها فأَبَانَها، ثمَّ ضَرَبَ عُنُقَه آخَرُ، فالقاتِلُ هو الأوَّلُ. ولو شَقَّ بَطْنَ رَجُلٍ، وضَرَبَ عُنُقَه آخرُ، فالقاتِلُ هو الثانِى. وقال بعضُ أصحابِنا: إذا كانتْ تَعِيشُ مُعْظَمَ اليومِ، حَلَّت بالذَّكاةِ. وهذا التَّحْدِيدُ بَعِيدٌ، يُخالِفُ ظواهِرَ النُّصوصِ، ولا سَبِيلَ إلى معرفَتِه. وقولُه فى حديثِ جارَيةِ كَعْبٍ: فأَدْرَكَتْها فَذَكَّتْها بحجَرٍ. يَدُلُّ على أَنَّها بادَرَتْها بالذَّكاةِ حين خافَتْ مَوْتَها فى ساعَتِها. والصَّحيحُ أَنَّها إذا كانت تعيشُ زَمَنًا يكونُ الموتُ بالذَّبْحِ أسرعَ منه، حَلَّتْ بالذَّبْحِ، وأَنَّها متى (10) كانَتْ ممَّا لا يُتَيَقَّنُ مَوْتُها، كالمَرِيضَةِ، أنَّها مَتَى تَحَرَّكَتْ، وسالَ دَمُها، حَلَّتْ. واللَّه أَعْلَمُ.
(8) فى ب: "كلام".
(9)
فى أ، ب:"الموت".
(10)
سقط من: الأصل.