الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصَّيْدِ والذَّبائِح
الأصْلُ فى إباحَةِ الصَّيْدِ، الكتابُ والسُّنَّةُ والإِجماعُ، أمَّا الكتابُ: فقَوْلُ اللَّه تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (1). وقال سبحانه: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (2). وقال سبحانَه: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} (3). وأمَّا السُّنَّةُ، فرَوَى أبو ثَعْلَبَةَ الخُشَنِىُّ، قال: أَتَيْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فقُلْتُ: يا رسولَ اللَّه إنَّا بِأرْضِ صَيْدٍ، أصيدُ بقَوْسِى، وأَصِيدُ بِكَلْبِى الْمُعَلَّمِ، [وأَصِيدُ بكَلْبِى الذى ليس بمُعَلَّمٍ، فأَخْبِرْنِى ماذا يَصْلُح لى؟ قال: "أمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكُمْ بأرْضِ صَيْدٍ، فمَا صِدْتَ بقَوْسِكَ](4)، وذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُل، ومَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ [الْمُعَلَّمِ، وذَكَرْتَ اسْمَ اللَّه عَلَيْهِ، فَكُلْ، ومَا صِدْتَ بكَلْبِك](4) الَّذِى لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، فأدْرَكْتَ ذَكَاتَه، فَكُلْ" (5). وعن عَدِىٍّ بن حاتِمٍ، قال: قُلْتُ: يا رسولَ اللَّه، إنَّا نُرْسِلُ (6) الكلبَ
(1) سورة المائدة 96.
(2)
سورة المائدة 2.
(3)
سورة المائدة 4.
(4)
سقط من: ب.
(5)
أخرجه البخارى، فى: باب صيد القوس، وباب ما جاء فى التصيد، وباب آنية المجوس، من كتاب الذبائح والصيد. صحيح البخارى 7/ 111، 112، 114، 117. ومسلم، فى: باب الصيد بالكلاب المعلمة، من كتاب الصيد والذبائح. صحيح مسلم 3/ 1532. والترمذى، فى: باب ما جاء ما يؤكل من صيد الكلب ومالا يؤكل، وباب ما جاء فى الكلب يأكل من الصيد، من أبواب الصيد. وفى: باب ما جاء فى الأكل فى آنية الكفار، من أبواب الأطعمة. عارضة الأحوذى 6/ 252، 257، 258، 7/ 299. والنسائى، فى: باب الأمر بالتسمية عند الصيد، وباب صيد الكلب الذى ليس بمعلم، وباب الكلب يأكل من الصيد، من كتاب الصيد والذبائح. المجتبى 7/ 158، 159، 162. وابن ماجه، فى: باب صيد الكلب، من كتاب الصيد. سنن ابن ماجه 2/ 1069، 1070. والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 193 - 195، 257، 379.
(6)
فى م: "رسل".
المُعَلَّمَ، فيُمْسِكُ علينا؟ قال:"كُلْ". قلتُ: وإِنْ قَتَلَ؟ قال: "كُلْ [مَا] (7) لَمْ يَشْرَكْهُ كَلْبٌ غَيْرُهُ". قال: وسُئِلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن صَيْدِ المِعْرَاضِ (8)، فقال:"مَا خَرَقَ فَكُلْ، ومَا قَتَلَ بِعَرْضِه فَلَا تَأْكُلْ". مُتَّفَق عليهما (9). وأجْمَعَ أهلُ العِلْمِ على إباحَةِ الاصْطِادِ والأَكْلِ من الصَّيْدِ.
1702 -
مسألة؛ قال أبو القاسِم، رحمه الله:(وَإِذَا سَمَّى وأَرْسَلَ كَلْبَه أَوْ فَهْدَهُ المُعَلَّمَ، واصْطَادَ، وقَتَلَ، ولَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ (1)، جَازَ أَكْلُهُ)
أمَّا ما أَدرَك ذَكاتَه من الصَّيْدِ، فلا يُشْتَرَطُ فى إباحَتِه سِوَى صِحَّةِ التَّذْكِيَةِ؛ ولذلك قال عليه السلام:"ومَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِى لَيْسَ بِمعَلَّمٍ، فَأدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ، فَكُلْ". وأمَّا ما قَتَلَهُ (2) الجارِحُ، فيُشْتَرَطُ فى إباحَتِه شروطٌ سَبْعَة؛ أحدُها، أَنْ يكونَ الصَّائِدُ من أهْلِ
(7) تكملة من مصادر التخريج.
(8)
يأتى التعريف به فى أول المسألة 1714.
(9)
أخرج الأول البخارى، فى: باب إذا أكل الكلب، من كتاب الذبائح والصيد. صحيح البخارى 7/ 113. ومسلم، فى: باب الصيد بالكلاب المعلمة، من كتاب الصيد والذبائح. صحيح مسلم 3/ 1529.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى الصيد، من كتاب الصيد. سنن أبى داود 2/ 97. والترمذى، فى: باب ما جاء ما يؤكل من صيد الكلب وما لا يؤكل، من أبواب الصيد. عارضة الأحوذى 6/ 253. والنسائى، فى: باب إذا قتل الكلب، وباب صيد المعراض، من كتاب الصيد. المجتبى 7/ 160، 171. والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 258.
وأخرج الثانى البخارى، فى: باب تفسر المشبهات، من كتاب البيوع، وفى: باب ما أصاب المعراض بعرضه، وباب إذا وجد مع الصيد كلبا آخر، من كتاب الذبائح والصيد. صحيح البخارى 3/ 70، 71، 7/ 111، 114. ومسلم، فى الباب السابق. صحيح مسلم 3/ 1529، 1530.
كما أخرجه أبو داود، فى الباب السابق. سنن أبى داود 2/ 97، 99. والترمذى، فى: باب ما جاء ما يؤكل من صيد الكلب وما لا يؤكل، وباب ما جاء فى صيد المعراض، من أبواب الصيد. عارضة الأحوذى 6/ 253، 259. والنسائى، فى: باب النهى عن أكل ما لم يذكر اسم اللَّه عليه، وباب صيد الكلب المعلم، وباب إذا قتل الكلب، وباب الكلب يأكل من الصيد، وباب ما أصاب بعرض من صيد المعراض، وباب ما أصاب بحد من صيد المعراض، المجتبى 7/ 159، 160، 162، 172. وابن ماجه، فى: باب صيد المعراض، من كتاب الصيد. سنن ابن ماجه 2/ 1072. والدارمى، فى: باب فى صيد المعراض، من كتاب الصيد. سنن الدارمى 2/ 91. والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 256، 377، 380.
(1)
سقط من: م.
(2)
فى م: "قتل".
الذَّكاةِ، فإنْ كانَ وثَنِيًّا، أو مُرْتَدًّا، أو مَجُوسِيًّا، أو مِنْ غيرِ المسلمين وأهْلِ الكتابِ، أو مَجْنُونًا، لم يُبَحْ صَيْدُه؛ لأنَّ الاصْطِيادَ أُقِيمَ مُقامَ الذَّكاةِ، والجارِحُ آلةٌ كالسِّكِّينِ، وعَقْرُه للحيوانِ بمنزلَةِ إفْراء الأوْداجِ. قال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"فإِنَّ أخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاتُهُ"(3). والصَّائِدُ بمنزلَةِ المُذَكِّى، فتَشْتَرَطُ الأَهْلِيَّةُ فيه. الشرطُ الثانى، أَنْ يُسَمِّىَ عندَ إِرْسالِ الجارِحِ، فإنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا أو سَهْوًا، لم يُبَحْ. هذا تَحْقِيقُ المذهَبِ. وهو قولُ الشَّعْبِىِّ، وأبى ثَوْرٍ وداودَ. ونقَلَ حَنْبَلٌ، [عن أحمد، إنْ نَسِىَ التَّسْمِيَةَ على الذَّبِيحَةِ والكلبِ، أُبيحَ. قال الخلّالُ: سَهَا حَنْبَلٌ](4) فى نَقْلِه، فإنَّ (5) فى أوّلِ مَسْأَلَتِه، إذا نَسِىَ وقتلَ، لم يَأْكُلْ. وممَّنْ أباحَ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ فى النِّسْيانِ دونَ العَمْدِ أبو حنيفةَ ومالِكٌ، لقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"عُفِىَ لأُمَّتَى عن الخَطَأِ والنِّسْيانِ"(6). ولأنَّ إرْسالَ الجارِحَةِ جَرَى مَجْرَى التَّذْكِيَةِ، فعُفِىَ عن النِّسْيانِ [فيه، كالذَّكاةِ. وعن أحمدَ، أَنَّ التَّسْمِيَةَ تُشْتَرَطُ على إرْسالِ الكَلْبِ فى العَمْدِ والنِّسْيانِ](7)، ولا يَلْزَمُ ذلك فى إرْسالِ السَّهْمِ، [لأنَّ السَّهْمَ](8) آلةٌ (9) حَقِيقةً، وليس له اخْتِيارٌ، فهو بمَنْزِلَةِ السِّكِّينِ، بخلافِ الحيوانِ، فإنَّه يفْعَلُ باخْتِيارِه. وقال الشافِعِىُّ: يُباحُ مَتْروكُ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أو سَهْوًا (10)؛ لأنَّ الْبَراءَ رَوَى، أَنَّ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قال:"المُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ، سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ"(11). وعن أبى هُريرَةَ، رَضِىَ اللَّه عنه، أَنَّ النَّبِىِّ
(3) أخرجه البخارى، فى: باب قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ. . .} الآية، من كتاب الذبائح والصيد. صحيح البخارى 7/ 110. ومسلم، فى: باب الصيد بالكلاب المعلمة، من كتاب الصيد والذبائح. صحيح مسلم 3/ 1530.
(4)
سقط من: ب. نقل نظر.
(5)
سقط من: أ.
(6)
تقدم تخريجه فى: 1/ 146.
(7)
سقط من: أ، ب. نقل نظر.
(8)
سقط من: أ، ب، م.
(9)
فى م: "إليه" خطأ.
(10)
فى ب: "وسهوا".
(11)
قال الزيلعى: غريب بهذا اللفظ، وفى معناه أحاديث. نصب الراية 4/ 182، 183. وانظر ما أخرجه الدارقطنى، فى: كتاب الصيد والذبائح. سنن الدارقطنى 4/ 295، 296. والبيهقى، فى: باب من ترك التسمية وهو ممن تحل ذبيحته، من كتاب الصيد والذبائح. السنن الكبرى 9/ 239.
-صلى الله عليه وسلم سُئِلَ فقيل: أرَأَيْتَ الرَّجُلَ منَّا يذْبَحُ ويَنْسَى أَنْ يُسَمِّىَ اللَّه؟ فقال: "اسْمُ اللَّهِ فِى قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ"(12). وعن أحمدَ روايةٌ أُخْرَى مثلُ هذا. ولَنا، قولُه تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (13). وقال: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} (14). وقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أُرسَلْتَ كَلْبَكَ، وَسَمَّيْتَ، فكُلْ". قلتُ أُرْسِلُ كَلْبِى فأَجدُ معه كَلْبًا آخرَ؟ قال: "لَا تَأْكُلْ، فَإنَّك إنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، ولَمْ تُسَمِّ عَلَى الْآخَرِ". متَّفَقٌ عليه (15). وفى لفْظٍ: "وإِذَا خَالَطَ كِلَابًا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيهَا، فَأَمْسَكْنَ وقَتَلْنَ، فلا تَأْكُلْ"(16). وفى حديثِ أبى ثَعْلَبَةَ: "وما صِدْتَ بقَوْسِكَ، وذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ"(17). وهذه نصوصٌ صَحِيحَةٌ لا يُعَرَّجُ على ما خَالَفَها. وقولُه: "عُفِىَ لأُمَّتِى عَنِ الخَطَأِ والنِّسْيانِ". يَقْتَضِى نَفْىَ
(12) أخرجه الدارقطنى، فى: كتاب الصيد والذبائح. سنن الدارقطنى 4/ 295. والبيهقى، فى: باب من ترك التسمية وهو ممن تحل ذبيحته، من كتاب الصيد والذبائح. السنن الكبرى 9/ 240.
(13)
سورة الأنعام 121.
(14)
سورة المائدة 4.
(15)
أخرجه البخارى، فى: باب الماء الذى يغسل به شعر الإنسان، من كتاب الوضوء، وفى: باب تفسير المشبَّهات، من كتاب البيوع، وفى: باب قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ. . .} ، وباب صيد المعراض، وباب الصيد إذا غاب يومين أو ثلاثة، وباب إذا وجد مع الصيد كلبا آخر، من كتاب الذبائح والصيد. صحيح البخارى 1/ 55، 3/ 70، 71، 7/ 110، 111، 113، 114. ومسلم، فى: باب الصيد بالكلاب المعلمة، من كتاب الصيد والذبائح. صحيح مسلم 3/ 1530، 1531.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى الصيد، من كتاب الصيد. سنن أبى داود 2/ 99. والترمذى، فى: باب ما جاء فى الكلب يأكل من الصيد، من أبواب الصيد. عارضة الأحوذى 6/ 257، 258. والنسائى، فى: باب النهى عن أكل ما لم يذكر اسم اللَّه عليه، وباب إذا وجد مع كلبه كلبا غيره، من كتاب الصيد والذبائح. المجتبى 7/ 159، 161، 162. والدارمى، فى: باب التسمية عند إرسال الكلب، من كتاب الصيد. سنن الدارمى 2/ 89. والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 256، 257، 380.
(16)
أخرجه البخارى، فى: باب إذا أكل الكلب، وباب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة، من كتاب الذبائح والصيد. صحيح البخارى 7/ 113. ومسلم، فى: باب الصيد بالكلاب المعلمة، من كتاب الصيد والذبائح. صحيح مسلم 3/ 1529، 1530. والنسائى، فى: باب الأمر بالتسمية عند الصيد، وباب إذا وجد مع كلبه كلبا لم يسم عليه، من كتاب الصيد والذبائح. المجتبى 7/ 158، 160. وابن ماجه، فى: باب صيد الكلب، من كتاب الصيد. سنن ابن ماجه 2/ 1070. والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 257، 258، 379، 380.
(17)
تقدم تخريجه فى صفحة 256.
الإِثْمِ (18)، لا جَعْلَ الشَّرْطِ المَعْدومِ كالموجُودِ، بدليلِ ما لَوْ نَسِىَ شَرْطَ الصَّلاةِ. والفَرْقُ بَيْنَ الصَّيْدِ والذَّبيحَةِ، أَنَّ الذَّبْحَ وَقَعَ فى مَحلِّه، فجازَ أَنْ يُسامَحَ (19) فيه، بخلافِ الصَّيْدِ. وأمَّا أحادِيثُ أصْحابِ الشافِعِىِّ، فلم يذكُرْها أصحابُ السُّنَنِ المشهورَةِ، وإِنْ صَحَّتْ فهى فى الذَّبِيحَةِ، ولا يصحُّ قياسُ الصَّيْدِ عليها؛ لما ذكَرْنا، مع ما فى الصَّيْدِ من النُّصوصِ الخاصَّةِ. إذا ثَبَتَ هذا، فالتَّسْمِيَةُ المُعْتَبَرَةُ قولُه:"بِسْم اللَّه". لأنَّ إطْلاقَ التَّسْمِيَةِ يَنْصَرِفُ إلى ذلك، وقَدْ ثَبَت أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كانَ إذا ذَبَحَ قالَ:"بِسْمِ اللَّهِ، واللَّهُ أَكْبَرُ"(20). وكانَ ابنُ عمرَ يقولُه. ولا خِلافُ فى أنّ قَوْلَ (21): "بسمِ اللَّه" يُجْزِئُه. وإِنْ قالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لى. لم يكْفِ؛ لأنَّ ذلك طَلَبُ حاجَةٍ. وإِنْ هَلَّلَ، أو سَبَّحَ، أو كَبرَّ، أو حَمَدَ اللَّه تعالَى، احْتَمَلَ الإِجْزاءَ؛ لأنَّه ذَكَرَ اسمَ اللَّهِ تعالَى على وَجْهِ التَّعْظِيم، واحْتَمَلَ المَنْعَ؛ لأنَّ إِطلاقَ التَّسْمِيَةِ لا يَتَناوَلُه. وإِنْ ذكرَ اسمَ اللَّه تعالَى بغيرِ العَرَبِيَّةِ، أَجْزَأَه وإنْ أحْسَنَ العربِيَّةَ؛ لأنَّ المقْصودَ ذِكْرُ اسمِ اللَّهِ، وهو يَحْصُلُ بجميعِ اللُّغاتِ، بخلافِ التَّكْبِيرِ فى الصَّلاةِ، فإنَّ المَقْصُودَ لفظُه. وتُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ عندَ الإِرْسالِ؛ لأنَّه الفِعْلُ الموجودُ من المُرْسِلِ، فتُعْتبَرُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَه، كما تُعْتَبرُ عندَ الذَّبْحِ من الذَّابحِ، وعنَد إرْسالِ السَّهْمِ من الرَّامِى. نصَّ أحمدُ على هذا. ولا تُشْرَعُ الصَّلاةُ على النّبِىِّ صلى الله عليه وسلم مع التَّسْمِيَةِ فى ذَبْحٍ ولا صَيْدٍ. وبه قال الليثُ، واختارَ أبو إسحاقَ بن شَاقْلَا اسْتِحْبابَ ذلك. وهو قولُ الشافِعِىِّ؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم:"مَنْ صَلَّى عَلَىَّ مَرَّةً، صَلَّى اللَّه عَلَيْه عَشْرًا"(22). وجاءَ فى تفسير قولِه تعالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (23). لا (24) أُذْكَرُ إلَّا ذُكِرْتَ مَعِى. ولَنا،
(18) فى م: "الاسم" تحريف.
(19)
فى م: "يتسامح".
(20)
تقدم تخريجه فى: 5/ 299.
(21)
فى م: "قوله".
(22)
أخرجه أبو داود، فى: باب فى الاستغفار، من كتاب الوتر. سنن أبى داود 1/ 351. والدارمى، فى: باب فى فضل الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، من كتاب الرقاق. سنن الدارمى 2/ 317. والإمام أحمد، فى: المسند 3/ 261.
(23)
سورة الشرح 4.
(24)
فى ب: "أن لا".
قَوْلُه عليه السلام: "مَوْطِنَانِ لَا أُذْكَرُ فِيهمَا؛ عِنْدَ الذَّبيحَةِ، والعُطَاسِ". رواه أبو محمَّد الخَلَّالُ بإسْنادِه (25)، ولأنَّه إذا ذَكَرَ غيرَ اللَّهِ تعالَى أَشْبَهَ المُهِلَّ لغيرِ اللَّهِ. الشَّرط الثالِثُ، أَنْ يُرْسِلَ الجارِحَةَ على الصَّيْدِ، فإنَّ اسْتَرْسَلَت بنَفْسِها فقَتَلَت، لم يُبَحْ. وبهذا قال ربيعَةُ، ومالكٌ، والشافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقال عَطاءٌ، والأوْزَاعِىُّ: يُؤْكَلُ صَيْدُه إذا أَخْرَجَه للصَّيْدِ. وقال إسحاقُ: إذا سَمَّى عند انْفِلَاتِه، أُبِيحَ صَيْدُه. ورَوَى بإسْنادِه عَن ابنِ عمرَ، أنَّه سُئِلَ عن الكلابِ [تَنْفَلِتُ من مرابِضِها] (26) فتَصِيدُ الصَّيْدَ؟ قال: اذكُرَ اسْم اللَّه، وكُلْ. قال إسحاقُ: فهذا الذى أخْتارُ إن (27) لم يتَعمَّدْ هو إرْسالَه من غير ذِكْرِ اسْمِ اللَّه عليه. قال الخَلَّالُ: هذا على مَعْنَى قولِ أبى عبد اللَّه. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"إذا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ، وسَمَّيْتَ، فكُلْ". ولأَنَّ إرسالَ الجارِحَةِ جُعِلَ بمنزِتةِ الذَّبْحِ، ولهذا اعْتُبِرَت التَّسْمِيَةُ معه، وإن استرسلَ بنَفْسِه فسمَّى صاحِبُه وزَجَرَه، فزادَ فى عَدْوِه، أُبِيحَ صَيْدُه. وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافِعِىُّ: لا يباحُ. وعن مالكٍ (28) كالمَذْهَبَيْن. ولَنا، أَنَّ زَجْرَه أثَّرَ فى عَدْوِه، فصارَ كما لو أُرسَلَه؛ وذلك لأنَّ فعلَ الإِنسانِ متى انْضافَ إلى فعلِ غيرِه، فالاعْتبارُ بفِعْلِ الإِنْسانِ، بدَليلِ ما لَوْ صالَ الكلبُ على إِنسانٍ، فأغْراه إنسانٌ، فالضمانُ على مَنْ أَغْراهُ. وإِنْ (29) أرْسَلَه بغيرِ تَسْمِيَةٍ، ثم سمَّى وزجَره، فزادَ فى عَدْوِه، فظاهِرُ كلامِ أحمد أنَّه يُباحُ؛ فإنَّه قال: إذا أُرسلَ، ثم سَمَّى فانْزَجرَ، أو أَرسلَ وسمَّى، فالمعنى قريبٌ من السَّواء. وظاهِرُ هذا الإِباحَةُ؛ لأنَّه انْزَجَرَ بتَسْمِيَتِه وزجْرِه، فأشْبَهَ التى قبلَها. وقال القاضى: لا يُباحُ صَيْدُه؛ لأنَّ الحكم يُعَلَّقُ (30) بالإِرْسالِ الأوَّل، بخلافِ ما إذا اسْتَرْسلَ بنَفْسِه، فإنَّه لا
(25) وأخرج البيهقى نحوه، فى: باب الصلاة على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عند الذبيحة، من كتاب الضحايا. السنن الكبرى 9/ 286.
(26)
فى ب: "تفلت من مرابطها".
(27)
سقط من: م.
(28)
فى ب، م:"عطاء".
(29)
فى أ، ب:"ومن".
(30)
فى م: "يتعلق".
يتعلَّقُ به حَظْرٌ (31) ولا إباحَةٌ. الشرطُ الرابع، أَنْ يَكونَ الجارِحُ مُعَلَّمًا. ولا خِلافَ فى اعْتبارِ هذا الشرطِ؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} . وما تقدَّم من حديثِ أبى ثَعْلَبَةَ (32). ويُعْتَبَرُ فى تعْليمِه ثلاثةُ شُروطٍ، إذا أرْسَلَه اسْتَرْسَلَ، وإذا زَجَرَه انْزَجَر، وإذا أمْسَكَ لم يأْكُلْ. ويتكَرَّرُ هذا منه مرَّة بعدَ أُخْرَى حتى يَصِيرَ مُعلَّمًا فى حُكْمِ العُرْفِ، وأقلُّ ذلك ثلاثٌ. قالَه القاضى. وهو قولُ أبى يوسفَ، ومحمد. ولم يُقَدِّرْ أصحابُ الشافِعِىِّ عدَدَ المرَّاتِ؛ لأنَّ التَّقديرَ بالتَّوْقيفِ، ولا تَوْقِيفَ فى هذا، بل قَدْرُه بما يصيرُ به فى العُرْفِ مُعَلَّمًا. وحُكِىَ عن أبى حنيفةَ، أنَّه إذا تَكَرَّرَ مرَّتَيْنِ، صارَ مُعَلَّمًا؛ لأنَّ التَّكْرارَ يحْصُلُ بمرَّتَيْن. وقال الشريفُ أبو جعفر، وأبو الخَطَّاب: يحْصُلُ ذلك بمرَّةٍ، ولا يُعْتَبرُ التَّكْرارُ؛ لأنَّه تَعَلُّمُ صَنْعةٍ، فلا يُعْتَبَرُ فيه التَّكْرارُ، كسائرِ الصنائِع. ولَنا، أَنَّ ترْكَه للأَكْلِ يَحْتَمِلُ أَنْ يكونَ لشِبَعٍ، ويَحْتَمِلُ أنَّه لتعلُّمٍ، فلا يَتَمَيَّزُ ذلك إلَّا بالتَّكْرارِ، وما اعْتُبِرَ فيه التَّكْرارُ، اعْتُبِرَ ثلاثًا، كالمَسْحِ فى الاسْتِجْمارِ، وعدد الأقْرَاءِ (33) والشُّهودِ فى العِدَّةِ، والغَسَلاتِ فى الوُضوءِ. ويُفَارِقُ الصَّنائِعَ، فإنَّها لا يتَمَكَّنُ من فِعْلِها إلَّا مَنْ تَعَلَّمها، فإذا فَعَلَها، عُلِمَ أنَّه قَدْ تَعَلَّمها وعرَفَها، وَتَرْكُ الأَكْلِ مُمْكِنُ الوجودِ من المُتعلِّمِ وغيرِه، ويُوجَدُ من الصِّنْفَيْن جميعًا، فلا يتميّزُ به أحدُهما من الآخَرِ حتى يتكرَّر. وحُكِىَ عن ربيعةَ ومالكٍ، أنَّه لا يُعْتَبَرُ (34) تَرْكُ الأَكْلِ؛ لما رَوَى أبو ثَعْلبَة الخُشَنِىُّ، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أُرسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ، وذكَرْتَ اسْمَ اللَّه عَلَيْهِ، فَكُلْ، وإِنْ أكَلَ". ذكره الإِمامُ أحمدُ، وروَاه أبو داودَ (35). ولَنا، أَنَّ العادَةَ فى المُعلَّمِ تَرْكُ الأَكْلِ، فاعْتُبِرَ شَرْطًا، كالانْزِجارِ إذا زُجِرَ، وحديثُ أبى ثَعْلَبَةَ مُعارَضٌ بما رُوِىَ عن عدِىِّ بن حاتمٍ، أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "فإنْ
(31) فى م: "حذر" تحريف.
(32)
فى ب زيادة: "الخشنى".
(33)
فى أ، م:"الإقرار".
(34)
فى م: "يتميز".
(35)
أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند 4/ 193، 194. وأبو داود، فى: باب فى الصيد، من كتاب الصيد. سنن أبى داود 2/ 98.
أكلَ فلَا تأْكُلْ، فإنِّى أخافُ أَنْ يكونَ إنَّما أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ" (36). وهذا أَوْلَى بالتَّقْدِيمِ لأنَّه [رَاجِحٌ، فإنَّه] (37) مُتَّفَقٌ عليه. ولأنَّه مُتضَمِّنٌ للزيادَةِ، وهو ذِكْرُ الحُكْمِ مُعَلَّلا. ثم إنَّ حديثَ أبى ثَعْلَبَة مَحمولٌ على جارِحَةٍ ثَبَتَ تعليمُها، لقوله: "إذا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ". ولا يثبُتُ التَّعْليمُ حتى يتْرُكَ الأَكْلَ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ الانْزِجارَ بالزَّجْرِ إنَّما يُعْتبَرُ [قبلَ إرْسالِه] (38) على الصَّيْدِ، أو رُؤْيَتِه، أمَّا بعدَ ذلك، فإنَّه لا يَنْزَجِرُ بحالٍ. الشرطُ الخامِسُ، أَنْ لا يأْكُلَ (39) من الصَّيْدِ، فإنْ أَكَلَ منه، لم يُبَحْ، فى أصَحِّ الرِّوايتَيْن. ويُرْوَى ذلك عن ابن عبّاس، وأبى هُرَيْرَةَ. وبه قال عَطاءٌ، وطاوسٌ، وعُبَيْدُ بن عُمَيْر، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، وسُوَيْدُ بن غَفَلَةَ، وأبو بُرْدَةَ، وسعيدُ بن جُبَيْر، وعِكْرِمَةُ، والضَّحَّاكُ، وقَتادَةُ، وإسحاقُ، وأبو حنيفةَ وأصحابُه، وأبو ثَوْرٍ. والرِّوايَةُ الثانِيَةُ: يُباحُ. رُوِىَ ذلك عن سَعْدِ بن أبى وَقَّاصٍ، وسَلْمانَ، وأبى هُرَيْرَةَ، وابنِ عمرَ. حكاه عنهم الإِمامُ أحمدُ. وبه قال مالِكٌ. ولِلشافِعِىِّ قَوْلان، كالمَذْهبَيْن. واحْتجَّ مَنْ أباحَهُ بعُمُومِ قولِه تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}. وحَديثِ أبى ثَعْلَبةَ، ولأنَّه صَيْدٌ جارِحٌ مُعَلَّمٌ، فأُبِيحَ، كما لو لم يأكلْ. فإنَّ الأَكلَ يحْتَمِلُ أَنْ يكونَ لفَرْطِ جُوعٍ أو غيظٍ على الصَّيْدِ. ولَنا، قولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم فى حديثِ عَدِىِّ بن حاتمٍ: "إِذَا أُرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ، وذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ تعالَى، فَكُلْ مِمَّا أَمسَكَ عَلَيْكَ". قُلْت: وإِنْ قَتَل؟ قال: "وإِنْ قَتَلَ، إلّا أَنْ يَأْكُلَ الكلبُ، [فإنْ أَكلَ] (40)، فَلَا تَأْكُلْ، فَإنِّى أخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أمْسَكَهُ (41) عَلَى (42) نَفْسِهِ". مُتَّفَقٌ عليه. ولأنَّ ما كان شَرْطًا فى الصَّيدِ الأوَّلِ، كان شرطًا فى سائرِ صُيودِه، كالإِرْسالِ والتَّعْليمِ. وأمّا الآيةُ فلا تَتَناوَلُ هذا الصَّيْدَ؛ لأنَّه (43)
(36) تقدم تخريجه، فى صفحة 257.
(37)
سقط من: م.
(38)
فى م: "بإرساله".
(39)
فى م: "يؤكل".
(40)
سقط من: ب.
(41)
فى ب، م:"أمسك".
(42)
فى ب: " عن".
(43)
فى م: "فإنه".