الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإِنْ أَحْلَفُوه على هذا، فإنْ كان مُكْرَهًا على اليمينِ، لم تَنْعَقِدْ يَمِينُه، وإِنْ كان مُخْتارًا فحَنَثَ، كفَّرَ (13) يَمِينَه. ويَحْتَمِلُ أَنْ تَلْزَمَه الإِقامَةُ، على الرِّوايَةِ التى تُلْزِمُهُ الرُّجُوعَ إليهم فى المسألَةِ الأُولَى، وهو قَوْلُ اللَّيْثِ.
فصل:
وإن اشْتَرَى الأَسِيرُ شيئًا مُخْتارًا، أو اقْتَرَضَه، فالعَقْدُ صحِيحٌ، ويلزَمُه (14) الوفاءُ لهم؛ لأنَّه عَقْدُ مُعاوَضَةٍ، فأشْبَهَ ما لو فَعَلَه غيرُ الأَسِيرِ، وإِنْ كان مُكْرَهًا، لم يَصِحَّ، فإنْ أَكْرَهُوه على قَبْضِه، لم يَضْمَنْه، ولكن عليه رَدُّه إليهم إنْ كان باقيًا؛ لأنَّهم دَفَعُوه إليه بحُكْم العَقْدِ، وإِنْ قَبَضَه باخْتِيارِه، ضمنَهُ؛ لأنَّه قَبَضَه عن عَقْدٍ فاسِدٍ. وإِنْ باعَهُ والعَيْنُ قائِمَةٌ، لزِمَه رَدُّها؛ لأنَّ العَقْدَ باطِلٌ، وإِنْ عُدِمَت العَيْنُ، رَدَّ قِيمَتَها.
1682 - مسألة؛ قال: (ولا يحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْرُبَ مِنْ كَافِرَيْنِ، ومُباحٌ له أَنْ يَهْرُبَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَإِنْ خَشِىَ الأَسْرَ، قاتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ)
وجُمْلَتُه أنَّه إذا الْتَقَى المسلمون والكُفَّارُ، وجَبَ الثَّباتُ، وحَرُمَ الفِرارُ؛ بدليل قولِه تعالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} (1). الآية. وقال تَعالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2). وذَكَرَ النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم الفِرارَ يَوْمَ الزَّحْفِ، فَعَدَّه من الكبائِرِ (3). وحُكِىَ عن الحَسَنِ، والضَّحَّاكِ، أَنَّ هذا كان يومَ بَدْرٍ خاصَّةً، ولا يَجِبُ فى غيرِها. والأَمْرُ مُطْلَقٌ، وخَبَرُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم عامٌّ، فلا يجوزُ التَّقْيِيدُ والتَّخْصِيصُ إلَّا بدليلٍ. وإنَّما يَجِبُ الثَّباتُ بشَرْطَيْن؛ أحدُهما، أَنْ يكونَ الكُفَّارُ لا يزيدُون على ضِعْفِ المسلمين، فإنْ زادُوا عليه،
(13) فى أزيادة: "عن".
(14)
فى م: "ويلزم".
(1)
سورة الأنفال 15.
(2)
سورة الأنفال 45. ولم يرد فى الأصل، أ، ب: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
(3)
أخرجه البخارى، فى: باب قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى. . .} ، من كتاب الوصايا، وفى: باب رمى المحصنات، من كتاب الحدود. صحيح البخارى 4/ 12، 8/ 218. ومسلم، فى: باب بيان الكبائر وأكبرها، من كتاب الإِيمان. صحيح مسلم 1/ 92. وأبو داود، فى: باب ما جاء فى التشديد فى أكل مال اليتيم، من كتاب الوصايا. سنن أبى داود 2/ 104.
جازَ الفِرارُ، لقولِ اللَّه تعالَى:{الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} (4). وهذا إنْ كان لفظُه لفْظَ الخَبَرِ، فهو أمْرٌ، بدَلِيلِ قولِه:{الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} . ولو كانَ خبرًا على حَقِيقَتِه، لم يكُنْ رَدُّنا مِن غلَبَةِ الواحدِ للعشرةِ إلى غَلَبةِ الاثْنَيْن تَخْفيفًا، ولأنَّ خبرَ اللَّه تعالَى صِدْقٌ لا يقَعُ بخلافِ مُخْبرِه، وقد عُلِمَ أنَّ الظَّفَرَ والغَلَبَةَ لا يحْصُلُ للمسلمين فى كلِّ مَوْطِنٍ يكُونُ العَدُوُّ فيه ضِعْفَ المسلمين فما دُونَ، فعُلِمَ أنَّه أمْرٌ وفرضٌ، ولم يأْتِ شىءٌ ينْسَخُ هذه الآيةَ، لا فى كتابٍ ولا سُنَّةٍ، فوَجَبَ الحكمُ بها. قال ابنُ عبَّاسٍ: نَزلتْ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} (5). فشقَّ ذلك على السلمين حينَ فرَضَ اللَّهُ عليهم ألَّا يَفِرَّ واحدٌ من عشرةٍ، ثمَّ جاءَ تَخْفِيفٌ، فقال:{الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} إلى قوله: {يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} . فلمَّا خفَّفَ اللَّهُ عنهم من العَدَدِ، نَقَصَ من الصَّبْرِ بقَدْرِ ما خَفَّف من العَدَدِ. روَاه أبو داود (6)، وقال ابنُ عبَّاسٍ: مَنْ فَرَّ مِن اثْنَيْن، فقَدْ فرَّ، ومَنْ فَرَّ من ثلاثةٍ فما فَرَّ (7). الثانى، أَنْ لا يقْصِدَ بفِرارِه التَّحَيُّزَ إلى فِئَةٍ، ولا التَّحَرُفَ لقتالٍ، فإنْ قصدَ أحَدَ هذَيْن، فهو مُباحٌ له؛ [لقولِ اللَّه تعالَى] (8):{إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} (9). ومَعْنَى التَّحَرُّفِ للقْتالِ، أَنْ ينْحازَ إلى مَوْضِعٍ يكونُ القتالُ فيه أمْكنَ، مثل أَنْ ينْحازَ مِن مُواجَهَةِ الشَّمْسِ أو الرِّيح إلى اسْتِدْبارِهما (10)، أو من نَزِلةٍ إلى عُلُوٍّ، أو من مَعْطَشَةٍ إلى مَوْضِعِ ماءٍ، أو يَفِرَّ بينَ أَيْدِيهم لتَنْتَقِضَ صُفوفُهُم، أو تَنْفَرِدَ خَيْلُهم من رجَّالَتِهم (11)، أو
(4) سورة الأنفال 66. وفى أزيادة: {وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ}.
(5)
سورة الأنفال 65.
(6)
فى: باب فى التولى يوم الزحف، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 43.
كما أخرجه البيهقى، فى: باب تحريم الفرار من الزحف. . .، من كتاب السير. السنن الكبرى 9/ 76. وانظر حاشية مصنف عبد الرزاق 5/ 352.
(7)
أخرجه سعيد بن منصور، فى: باب لا يفر الرجل من الرجلين من العدو، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 209. وانظر حاشيته. وأخرجه البيهقى، فى: باب تحريم الفرار من الزحف. . .، من كتاب السير. السنن الكبرى 9/ 76.
(8)
فى م: "لأن اللَّه تعالى قال".
(9)
سورة الأنفال 16.
(10)
فى الأصل، ب:"استدبارها".
(11)
فى أ: "رجالهم".
ليجدَ فيهم فُرْصَةً، أو ليسْتَنِدَ إلى جبلٍ، ونحوِ ذلك ممَّا جَرَتْ به عادَةُ أهلِ الحرْبِ. وقد رُوِىَ عن عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أَنَّه كان يومًا فى خُطْبَتِه إذْ قال: يا سارِيَةُ بن زُنَيْم، الجَبَلَ، ظَلَمَ الذِّئْبَ من اسْتَرْعاه الغنمَ. فأنْكَرَها الناسُ. فقال علىٌّ رضىِ اللَّه عنه: دَعُوه. فلما نزَلَ سأَلُوه عمَّا قال، فلم يعْتَرِفْ به، وكان قد بعَثَ سارِيَةَ إلى ناحِيَةِ العراقِ لغَزْوِهم (12)، فلمّا قَدِمَ ذلك الجيشُ أخْبَرُوا أنَّهم لَقُوا عَدُوَّهم يومَ جُمُعَةٍ، فظهرَ عليهمْ، فسَمِعُوا صوتَ عمرَ، فتَحيزَوُا إلى الجبلِ، فَنَجَوا من عَدُوِّهم وانْتَصَرُوا عليهم (13). وأمَّا التَّحَيُّزُ إلى فِئَةٍ، فهو أن يصيرَ إلى فِئَةٍ من المسلمين، ليكونَ معهم، فيَقْوَى (14) بهم على عَدُوِّه (15). وسواء بَعُدَت المسافةُ أو قَرُبَتْ. قال القاضى: لو كانَتْ الفِئةُ بخُراسانَ، والفئةُ بالحجازِ، جازَ التَّحَيُّزُ إليها. ونحوَه ذكرَ أصْحابُ (16) الشافِعِىِّ؛ لأنَّ ابنَ عمر رَوَى، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنِّى فِئَةٌ لَكُمْ". وكانُوا بمكانٍ بعيدٍ منه. وقال عمرُ: أنا فِئَهُ كُلِّ مُسْلِم. وكان بالمدينةِ وجُيوشُه بمصرَ والشَّامِ والعراقِ وخُراسانٍ. روَاهما سعيدٌ (17). وقال عمرُ: رَحِمَ اللَّه أبا عُبَيْدَةَ، لو كان تحيَّزَ إلىَّ، لكُنْتُ له فِئَةً (18). وإذا خَشِىَ الأَسْرَ، فالأَوْلَى له أن يقاتلَ حتّى يُقْتَلَ، ولا يُسَلِّمُ نفسَه للأسْرِ؛ لأنَّه يفوزُ بالثَّوابِ (19) والدرجَةِ (20) الرَّفِيعَةِ، ويسْلَمُ من تَحَكُّمِ الكُفَّارِ عليه بالتَّعْذِيبِ والاسْتِخْدامِ والفِتْنةِ. وإِنْ استأسرَ جازَ؛ لما رَوَى أَبو هُرَيْرةَ، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم بعَثَ عشرةً عَيْنًا، وأمَّرَ عليهم عاصمَ بن ثابِت، فنَفَرَت (21) إليهم
(12) فى أ، ب:"ليغزوهم".
(13)
ذكر طرقه فى كنز العمال 12/ 571 - 574.
(14)
فى ب: "يتقوى".
(15)
فى م: "عدوهم".
(16)
سقط من: م.
(17)
فى: باب من قال: الإِمام فئة كل مسلم، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 209، 210.
كما أخرجهما البيهقى، فى: باب من تولى متحرفًا لقتال. . .، من كتاب السير 9/ 76، 77.
وأخرج الأول أبو داود، فى: باب فى التولى يوم الزحف، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 43. والترمذى، فى: باب ما جاء فى الفرار من الزحف، من أبواب الجهاد. عارضة الأحوذى 7/ 213. والإِمام أحمد، فى: المسند 2/ 58، 70، 99، 100، 111.
(18)
أخرجه البيهقى، فى: باب من تولى متحرفا لقتال. . .، من كتاب السير 9/ 77.
(19)
فى الأصل، ب، م:"بثواب".
(20)
سقطت الواو من: م.
(21)
فى ب: "فنفروا".