الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه عن أحمدَ رِوَايتان، ذَكَرَهما ابنُ أبى موسى؛ إحداهُما؛ عليه كَفّارَةٌ؛ لأنَّه حَلَفَ بالعِتْقِ فيما لا يقعُ بالحِنْثِ، فلَزِمَتْه كفارَةٌ، كما لو قال: للَّهِ علىَّ أَنْ أعْتِقَ فُلانًا. والثانِيَةُ، لا كَفَّارَةَ عليه؛ لأنَّه حَلَفَ بإخْراجِ مالِ غَيْرِه، فلم يَلْزَمْه شىءٌ، كما لو قال. مالُ فلانٍ صدَقَةٌ، إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ. ولأنَّه تَعْلِيقٌ للعِتْقِ على صِفَةٍ، فلم تَجِبْ به كَفَّارَةٌ، كسائِرِ التَّعْليقِ. وأمَّا إذا قال: للَّهِ عَلَىَّ أَنْ أَعْتِقَ عَبْدًا. فإنَّه نذْرٌ، فأوجَبَ الكفَّارَةَ؛ لكَوْنِ النَّذْرِ كاليَمِينِ، وليس كذلك ههنا، فإنَّه إنَّما عَلَّقَ العِتْقَ على صِفَةٍ، فوُجودُ الصِّفَةِ أثَّرَ فى جَعْلِ المُعلَّقِ كالمُنْجَزِ، ولو نَجَزَ العِتْقُ لم يَلْزمْهُ شىءٌ، فكذلك ههُنا.
فصل:
فإنْ قال: إنْ فَعَلْتُ كذا، فمالُ فلانٍ صَدَقَةٌ، أو فَعَلَى فلانٍ حِجَّةٌ، أو فمالُ فلانٍ حَرامٌ عليهْ، أو هو بَرِىءٌ من الإِسْلامِ. وأشْباهَ هذا، فليس ذلك بيَمِينٍ، ولا تَجِبُ به كفَّارَةٌ. ولا نعلمُ بينَ أهلِ العلمِ فيه خِلافًا؛ لأنَّه لم يَرِدِ الشَّرعُ فيه بكفَّارةٍ، ولا هو فى معنى ما وَرَدَ الشَّرْعُ به.
1796 - مسألة؛ قال: (ومَنْ حَلَفَ فَهُوَ مُخيَّرٌ فى الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ وبَعْدَهُ، وسَوَاءٌ كَانَتِ الْكَفَّارَةُ صَوْمًا، أَوْ غَيْرَهُ، إِلَّا فِى الظِّهَارِ والْحَرَامِ، فَعَلَيْه الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ)
الظِّهارُ والحرامُ شىءٌ واحِدٌ، وإنَّما عَصَفَ أحدَهما على الآخَرِ لاخْتِلافِ اللَّفْظَيْنِ، ولا خِلافَ بينَ العُلَماءِ، فيما عَلِمْناه، فى وُجوبِ تَقْديمِ كَفَّارَتِه على الوَطْءِ، والأَصْلُ فيه قولُ اللَّه تعالى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} (1). فأمَّا كَفّارَةُ سائِرِ الأَيْمانِ، فإنَّها تجوزُ قبلَ الحِنْثِ وبعدَه، صَوْمًا كانَتْ أو غيرَه، فى قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ. وبه قال مالِكٌ. وممَّنْ رُوِىَ عنه جَوازُ تقديِم التَّكْفِيرِ عمرُ بنُ الخطّابِ، وابنُه، وابنُ عَبّاسٍ، وسَلْمانُ الفارِسِىُّ، ومَسْلَمَةُ بنُ مَخْلَدٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم. وبه قال الحسنُ، وابنُ سِيرينَ، وربيعةُ، والأَوزَاعِىُّ، والثَّوْرِىُّ، وابنُ المُبارَكِ، وإسحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ، وأبو خَيْثَمَةَ، وسليمانُ بنُ داود. وقال أصْحابُ الرَّأْىِ: لا تُجْزِئُ الكَفّارَةُ قبلَ الحِنْثِ؛ لأَنَّه تكفيرٌ
(1) سورة المجادلة 3.
قبلَ وُجودِ سَبَبه، فأشْبَهَ ما لو كفَّرَ قبلَ اليَمِينِ، ودليلُ ذلك أنَّ سبَبَ التَّكْفيرِ الحِنْثُ، إذْ (2) هو هَتْكُ الاسمِ [المُعظَّمِ المُحْترَمِ](3)، ولم يُوجَدْ. وقال الشافِعىُّ كقَوْلِنا فى الإِعْتاقِ والإطْعامِ والكِسْوَةِ، وكقولِهم فى الصِّيامِ، من أجْلِ أنَّه عبادَةٌ بدَنِيَّةٌ. فلم يَجُزْ فِعْلُه قبلَ وُجوبِه لغيرِ (4) مَشَقَّةٍ، كالصَّلاةِ. ولَنا، ما رَوَى عبدُ الرّحمنِ بنُ سَمُرَةَ، قال: قال لى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، ثُمَّ ائْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ". روَاه أبو داود (5). وفى لفظٍ: "وائْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ" روَاه البُخارِىُّ، والأَثْرَمُ (5). وروَى أبو هُرَيْرَةَ، وأبو الدَّرْداءِ، وعَدِىُّ بنُ حاتِمٍ، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم[نحوَ ذلك. روَاه الأَثْرَمُ. وعن أبى موسى، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم](6) أنَّه قال: "إنِّى إنْ شاءَ اللَّهُ لَا أحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا كَفَرْتُ عَنْ يَمِينِى، وأَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ". أو "أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ، وكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِى". روَاه البُخارِىُّ (5). ولأنَّه كفَّرَ بعدَ وُجودِ السَّبَبِ، فأَجْزَأَ، كما لو كفَّرَ بعدَ الجَرْحِ، وقبلَ الزُّهوقِ، والسَّبَبُ هو اليَمِينُ، بدليل قولِه تعالى:{ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} (7). وقولِه سُبْحانَه: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (8). وقولِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: "وكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِى". "وكَفِّرْ عَنْ (9) يَمِينِكَ". وتَسْمِيةِ الكَفَّارَةِ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ، وبهذا ينفصلُ عَمَّا ذَكَرُوه، فإنَّ الحِنْثَ شَرْطٌ وليس بسَبَبٍ، وتَعْجيلُ حَقِّ المالِ بعدَ وُجودِ سبَبِه قبلَ (10) وُجودِ شَرْطِه جائِزٌ، بدليلِ تَعْجيلِ الزَّكاةِ بعدَ وُجودِ النِّصابِ وقبلَ (11) الحَوْلِ، وكفَّارَةِ القَتْلِ بعدَ
(2) فى ب، م:"إذا".
(3)
فى ب: "الأعظم المحرم".
(4)
فى ب: "من غير".
(5)
تقدم تخريجه، فى: 11/ 39.
(6)
سقط من: ب. نقل نظر.
(7)
سورة المائدة 89.
(8)
سورة التحريم 2.
(9)
سقط من: م.
(10)
فى ب، م:"وقبل".
(11)
سقطت الواو من: م.