الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَقْضِهم، بخلافِ أهلِ الهُدْنَةِ، فإنَّه يُخافُ منهم الغارَةُ على المسلمين، والضَّرَرُ الكثير بأخْذِهم للمسلمين.
فصل:
وإذا عَقَدَ الهُدْنَةَ، فعليه حِمايَتُهم من المسلمين وأهلِ الذِّمَّةِ؛ لأنَّه آمَنَهُم مِمَّن (40) هو فى قَبْضَتِه وتحتَ يَدِه، كما أمَّنَ مَنْ فى قَبْضَتِه منهم. ومَن أَتْلَفَ من المسلمين أو مِن (41) أهلِ الذِّمَّةِ عليهم شيئًا، فعليه ضَمانُه، ولا تَلْزَمُه حِمايَتُهم من أهلِ الحَرْبِ، ولا حمايةُ بعضهم من بعضٍ؛ لأنَّ الهُدْنَةَ الْتِزامُ الكَفِّ عنهم فقط. فإنْ أغارَ عليهم قومٌ آخرون فسَبَوْهُم، لم يَلْزَمْه اسْتِنْقاذُهم، وليس للمسلمين شِراؤُهم؛ لأنّهم فى عَهْدِهم، فلا يجوزُ لهم أذاهُم ولا اسْتِرْقاقُهم. وذكر الشافِعِىُّ ما يدُلُّ على هذا. ويَحْتَمِلُ جوازَ ذلك. وهو مذهبُ أبي حنيفةَ، لأنَّه لا يجِبُ أنْ يدْفَعَ عنهم، فلا يَحْرُمُ اسْتِرْقاقُهم، بخلافِ أهلِ الذِّمَّةِ. فعلى هذا، إن اسْتَوْلَى المسلمون على الذين أسَرُوهُم، وأخَذُوا أموالَهم، فاسْتنقذُوا ذلك منهم، لم يلزَمْ رَدُّه إليهم، على هذا القَوْلِ. ومُقْتَضَى (42) القولِ الأوَّلِ وُجوبُ رَدِّه، كما تُرَدُّ أمْوالُ أهلِ الذِّمَّةِ إليهم.
فصل: وإذا عَقَدَ الهُدْنَةَ مُطْلقًا، فجاءَنا منهم إنسانٌ مُسْلِمًا أو بأمانٍ، لم يجِبْ ردُّه إليهم، ولم يجُزْ ذلك، سواءٌ كان حُرًّا أو عبدًا، أو رجلًا أو امرأةً. ولا يجبُ رَدُّ مَهْرِ المرأةِ. وقال أصْحابُ الشافِعِىِّ: إنْ خَرَجَ العَبْدُ إلينا قبلَ إسْلامِه، [ثمَّ أسْلَمَ](43)، لم يُرَدَّ إليهم، وإنْ أسْلَم قبلَ خُروجِه، ثمَّ خَرَجَ إلينا، لم يَصِرْ حُرًّا، لأنَّهم فى أمانٍ مِنَّا، والهُدْنَةُ تَمْنعُ من جَوازِ القَهْرِ. وقال الشافِعِىُّ فى [قولٍ له] (44): إذا جاءَت امْرَأَةٌ (45) مُسْلِمةٌ، وجَبَ رَدُّ مَهْرِها، لقولِ اللَّه تعالى:{وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} (46). يعنى رَدَّ المهرِ (47) إلى زَوْجِها إذا
(40) فى الأصل، م:"ممَّا".
(41)
سقط من: الأصل، أ، ب.
(42)
فى ب: "ويقتضى".
(43)
سقط من: م.
(44)
فى م: "قوله".
(45)
فى م زيادة: "له".
(46)
سورة الممتحنة 10.
(47)
فى م: "مهرها".
جاءَ يطلُبُها، وإنْ جاءَ غيرُه، لم يُرَدَّ إليه شىءٌ. ولَنا، أنَّه من غَيْرِ أهلِ دارِ الإسلامِ، خَرَجَ إلينا، فلم يَجبْ (48) رَدُّه، ولا رَدُّ شيْءٍ بدلًا عنه، كالحُرِّ من الرجالِ، وكالعَبْدِ إذا خَرَجَ ثمَّ أسْلَمَ. وقولُهم: إنَّهم (49) فى أَمانٍ مِنَّا. قُلْنا: إنَّما أمَّنَّاهم (50) ممَّنْ هو فى دارِ الإِسلامِ، الذين هم فى قَبْضَةِ الإِمامِ، فأما مَن (51) هو فى دارِهم، ومَنْ ليس فى قَبْضَتِه، فلا يُمْنَعُ منه، بدليلِ ما لو خَرَجَ العبدُ قبلَ إسْلامِه، ولهذا لمَّا قَتَلَ أبو بَصِيرٍ الرجُلَ الذى جاءَ لِردِّه، لم يُنْكِرْهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، ولم يُضَمِّنْه (52)، ولما انْفَردَ هو وأَبُو جَنْدَلٍ وأصحابُهما عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فى صُلْحِ الحُدَيْبيَةِ، فقَطَعُوا الطَّرِيقَ عليهم، وقَتَلُوا [من قَتَلُوا](53) منهم، وأخذُوا المالَ، لم يُنْكِرْ ذلك النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، ولم يأْمُرْهم بَردِّ ما أخَذُوه، ولا غَرامَةِ ما أَتْلَفُوه (52). وهذا الذى أسْلَمَ كان فى دارِهم وقَبْضَتِهم، وقَهرهم على نفسِه، فصارَ حُرًّا، كما لو أسْلَم بعدَ خُروجِه. وأمَّا المرأةُ، فلا يجِبُ رَدُّ مَهْرِها؛ لأنَّها لم تَأْخُذْ منهم (54) شيئًا، ولو أخَذَتْه كانتْ قد قَهَرَتْهُم عليه فى دارِ القَهْرِ، ولو وجَبَ عليها عِوَضُه، لَوجَبَ مَهْرُ المِثْلِ دُونَ المُسَمَّى. والآيةُ، قال قَتادَةُ: تُبِيحُ رَدَّ المَهْرِ. وقال عَطاءٌ، والزُّهْرِىُّ، والثَّوْرِيُّ: لا يُعْمَلُ بها اليومَ (55). وعلى أنَّ الآيةَ إنَّما نَزَلَت فى قَضِيَّةِ الحُدَيْبِيَةِ، حينَ كان النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم شَرَطَ لهم رَدَّ مَن جاءَه مُسْلِمًا، فلما مَنَع اللهُ رَدَّ النِّساءِ، أمَرَ برَدِّ مُهورِهِنَّ (56)، وكلامُنا فيما إذا وَقَعَ الصُّلْحُ مُطْلَقًا، فليس هو فى مَعْنَى ما تَناوَلَه الأَمْرُ. وإنْ وَقَعَ الكلامُ فيما إذا شَرَطَ رَدَّ النِّساءِ، لم يَصِحَّ أيضًا؛ لأنَّ الشَّرْطَ الذى كان النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم شَرَطَه، كان صحيحًا، وقد نُسِخَ، فإذا
(48) فى أ: "يجز".
(49)
فى الأصل، م:"إنَّه".
(50)
فى أ: "أمانهم".
(51)
سقط من: م.
(52)
أخرجه البخارى، فى: باب الشروط فى الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب. . .، من كتاب الشروط. صحيح البخارى 3/ 257، 258. والإِمام أحمد، فى: المسند 4/ 331.
(53)
سقط من: أ.
(54)
فى م: "منه".
(55)
فى ب: "لليوم".
(56)
انظر: ما أخرجه البخارى، فى: باب غزوة الحديبية، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 5/ 162.