الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحجُّ المنْذورُ، فلَزِمَه قَضاؤُه، كما لو مَرِضَ، ولِأنَّ المنْذُورَ محمولٌ على المشْروعِ ابْتِداءً، ولو فاتَه المشروعُ، لَزِمَه قَضاؤُه، فكذلك المَنْذُورُ.
فصل:
ولو نَذَرَ صومَ شهرٍ بعَيْنِه، أو الحجَّ فى عامٍ بعَيْنه، وفعلَ ذلك قبلَه، لم يُجْزِئْه. وقال أبو يوسف: يُجْزِئُه، كما لو حلَفَ لَيَقْضِيَنَّه حَقَّه فى وقتٍ، فقَضاهُ قبلَه. ولَنا، أَنَّ المنْذورَ مَحْمولٌ على المشروعِ، ولو صامَ قبلَ رمضانَ لم يُجْزِئْه، فكذلك إذا صامَ المنْذورَ قبلَه، ولِأنَّه لم يأتِ بالمنْذورِ فى وَقْتِه، فلم يُجْزِئْه، كما لو لم يَفْعَلْه أصْلًا.
1863 - مسألة؛ قال: (وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَأتِىَ بِهِ، صَامَ عَنْهُ وَرَثتهُ مِنْ أَقَارِبِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ نَذْرِ طَاعَةٍ)
يَعنى مَن نَذَرَ حَجًّا، أو صيامًا، أو صدقةً، أو عِتْقًا، أو اعْتِكافًا، أو صَلاةً، أو غيرَه من الطَّاعاتِ، وماتَ قبلَ فِعْلِه، فَعَلَه الوَلِىُّ عنه. وعن أحمدَ فى الصلاةِ: لا يُصَلِّى عنِ المَيِّتِ؛ لأنَّها لا بَدَلَ لها بحالٍ، وأمَّا سائرُ الأعْمالِ فيجوزُ أن ينوبَ الوَلِىُّ عنه فيها، وليس بواجبٍ عليه، ولكنْ يُسْتَحَبُّ له ذلك على سبيلِ الصِّلَةِ له والمعروفِ. وأفْتَى بذلك ابنُ عبَّاسٍ، فى امرأةٍ نَذَرَتْ أن تَمْشِىَ إلى قُبَاءَ، فماتَتْ ولم تقْضِه، أَنْ تَمْشِىَ ابْنَتُها عنها (1). ورَوىَ سعيدٌ (2)، عن سُفيانَ، عن عبِد الكريم بنِ أبى أُميَّةَ، أنَّه سألَ ابنَ عبَّاسٍ عن نَذْرٍ كان على أُمِّه من اعْتِكافٍ. قال: صُمْ عنها، واعتكِفْ عنها. وقال (2): حدَّثنا أبو الأحْوَصِ، عن إبراهيمَ بنِ مُهاجِرٍ، عن عامرِ بنِ شُعَيْبٍ، أَنَّ عائشةَ اعْتكَفت عن أخيها عبدِ الرحمنِ بعدَ ما ماتَ. وقال مالكٌ: لا يَمْشِى أحدٌ عن أحَدٍ، ولا يُصَلِّى، ولا يصومُ عنه، وكذلك سائرُ أعمالِ البدنِ، قياسًا على الصَّلاةِ. وقال الشافعىُّ: يَقْضِى عنه الحجَّ، ولا يَقْضِى الصَّلاةَ، قولًا واحدًا، ولا يَقْضِى الصومَ، فى أحدِ القولَيْن، ويُطْعَمُ عنه لكلِّ (3) يوِمٍ مِسْكينٌ؛ لأنَّ ابنَ عمرَ قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ
(1) أخرجه البخارى، فى: باب من مات وعليه نذر، من كتاب الأيمان والنذور. صحيح البخارى 8/ 177. وفيه أن أمها جعلت على نفسها صلاة بقباء، فقال: صلى عنها. وأخرجه الإمام مالك، فى: باب ما يجب من النذور فى المشى، من كتاب النذور والأيمان. الموطأ 2/ 472.
(2)
فى: باب هل يقضى الحى النذر عن الميت؟ من كتاب الفرائض. السنن 1/ 125.
(3)
فى ب: "كل".
شَهْرٍ، فَلْيُطْعَمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَومٍ مِسْكِينٌ". أخْرَجه ابنُ ماجَه (4). وقال أهلُ الظَّاهرِ: يجِبُ القَضاءُ على وَلِيِّه، بظاهِرِ الأخْبارِ الوارِدةِ فيه. وجُمْهورُ أهلِ العلمِ على أَنَّ ذلك ليس بواجبٍ على الوَلِىِّ، إِلَّا أَنْ يكونَ حقًّا فى المالِ، ويكونَ للميِّتِ تَركِةٌ، وأمْرُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فى هذا مَحْمُولٌ على النَّدْبِ والاسْتِحْبابِ، بدليلِ قَرائِنَ فى الخَبَر؛ منها أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم شَبَّهَه بالدَّيْنِ، وقَضاءُ الدَّينِ على الميِّتِ لا يَجِبُ على الوارِثِ ما لم يُخَلِّف تَركِةً يُقْضَى بها، ومنها أَنَّ السائلَ سألَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم: هل يَفْعَلُ ذلك أم (5) لا؟ . وجوابُه يخْتَلفُ باخْتلافِ مُقْتضَى سُؤالِه، فإنْ كان مُقْتضاهُ السُّؤالَ عن [الإباحَةِ، فالأمرُ فى جوابِه يقتضِى الإِباحةَ، وإِنْ كان السؤالُ عن](6) الإِجْزاءِ، فأمْرُه يقْتضِى الإِجْزاءَ، كقولِهم: أنُصلِّى فى مَرابِضِ الغنمِ؟ قال: "صَلُّوا فِى مَرَابِض الغَنَمِ"(7). وإِنْ كانَ سؤالُهم عن الوُجوبِ، فأَمْرُه يقْتَضِى الوُجوبَ، كقولِهم: أنتوضَّأُ من لُحومِ الإِبلِ؟ قال: "تَوَضَّؤُوا مِنْ لُحُومِ الإِبلِ"(8). وسؤالُ السائلِ فى مسألَتِنا كان عن الإِجْزاءِ، فأمْرُ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم بِالفِعْلِ يقْتَضِيه لا غيرُ. ولَنا، على جَوازِ الصِّيامِ عن الميِّتِ، ما رَوَتْ عائشةُ، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ مَاتَ، وَعَلَيْهِ صِيَامٌ، صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ". وعنِ ابنِ عبَّاسٍ، قال: جاءَ رجلٌ إلى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّى ماتتْ وعليها صومُ شهرٍ، أفأصومُ عنها؟ قال:"أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟ " قال: نعم. قال: "فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أن يُقْضَى". وفى روايةٍ قال: جاءَتِ امرأةٌ إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّى ماتتْ وعليها صومٌ، أفأصومُ عنها؟ قال:"أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ، كَانَ يُؤَدِّى ذَلِكِ عَنْهَا؟ ". قالت: نعم. قال: "فَصُومِى عَنْ
(4) تقدم تخريجه، فى: 4/ 398، 399.
(5)
فى ب: "أو".
(6)
سقط من: ب. نقل نظر.
(7)
تقدم تخريجه، فى: 2/ 469. ويضاف إليه: وأخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى الصلاة فى مرابض الغنم وأعطان الإبل، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 145.
(8)
تقدم تخريجه، فى: 1/ 251.
أُمِّكِ". مُتَّفَقٌ عليهِنَّ (9). وعن ابن عبَّاسٍ، أَنَّ سعدَ بنَ عُبادةَ الأَنْصارِىِّ، اسْتفْتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فى نَذْرٍ كان على أُمِّه، فتُوُفِّيَتْ قبلَ أن تَقْضِيَه، فَأفْتاه أن يَقْضِيَه، فكانت سُنَّةً بعدُ. وعنه أنَّ رجلًا أتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، فقالَ: إِنَّ أُخْتِى نَذَرتْ أن تَحُجَّ، وإنَّها ماتتْ. فقال النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟ ". قال: نعم. قال: "فاقْضِ اللَّهَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ". روَاهما البُخارِىُّ (10). وهذا صريحٌ فى الصَّومِ والحجِّ، ومُطلَقٌ فى النَّذْرِ، وما عدا المذكورَ فى الحديثِ يُقاسُ عليه، وحديث ابنِ عمرَ فى الصومِ الواجبِ بأصلِ الشَّرع، ويَتعيَّنُ حَمْلُه عليه جمعًا بينَ الحديثَيْن، ولو قُدِّرَ التَّعارُضُ، لَكانتْ أحاديثُنا أَصحَّ، وأكْثرَ، وأوْلَى بالتَّقْديمِ. إذا ثبَتَ هذا، فإِنَّ الأوْلَى أَنْ يقْضِىَ النَّذْرَ عنه وارثُه، فإنْ قَضَاهُ غيرُه، أجْزأه عنه، كما لو قضَى عنه دَيْنَه؛ فإِنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم شبَّهَه بالدَّيْنِ، وقاسَه (11) عليه، ولأنَّ ما يقْضِيه الوارثُ إنَّما هو تَبَرُّعٌ منه، وغيرُه (12) مثلُه فى التَّبَرُّعِ. وإِنْ كان النَّذْرُ فى مالٍ، تَعَلَّقَ بِتَركِتِه.
(9) الأول تقدم تخريجه، فى: 4/ 398.
والثانى أخرجه البخارى، فى: باب من مات وعليه صوم، من كتاب الصيام. صحيح البخارى 3/ 46. ومسلم، فى: باب قضاء الصيام عن الميت، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 804.
كما أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند 1/ 258.
والثالث تقدم تخريجه، فى: 4/ 399، ويضاف إليه: كما أخرجه أبو داود، فى: باب ما جاء فى من مات وعليه صيام صام عنه وليه، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود 2/ 212. وابن ماجه، فى: باب من مات وعليه صيام من نذر، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 559. والإمام أحمد، فى: المسند 1/ 224، 258، 362.
(10)
أخرج البخارى الأول، فى: باب من مات وعليه نذر، من كتاب الأيمان، وفى: باب فى الزكاة، من كتاب الحيل. صحيح البخارى 8/ 177، 9/ 30.
كما أخرجه مسلم، فى: باب الأمر بقضاء النذر، من كتاب النذر. صحيح مسلم 3/ 1260. والترمذى، فى: باب ما جاء فى قضاء النذر عن الميت، من أبواب النذور. عارضة الأحوذى 7/ 30. والنسائى، فى: باب فضل الصدقة عن الميت، من كتاب الوصايا، وفى: باب من مات وعليه نذر، من كتاب الأيمان والنذور. المجتبى 6/ 212، 213، 7/ 19، 20. وابن ماجه، فى: باب من مات وعليه نذر، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه 1/ 689. والإمام أحمد، فى: المسند 1/ 219، 370.
والثانى أخرجه البخارى، فى: باب من مات وعليه نذر، من كتاب الأيمان والنذور. صحيح البخارى 8/ 177.
كما أخرجه النسائى. انظر ما تقدم فى: 5/ 38.
(11)
فى ب: "وقياسه".
(12)
فى ب: "وعليه".