الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقتُ السَّنَةِ (17) لم يدخُلُوا، فيتَعذَّرُ (18) الأخْذُ منهم. ولَنا، أنَّه حَق يُؤْخَذُ من التِّجارَةِ، فلا يُؤْخَذُ أكثرَ من مَرَّةٍ فى السُّنَّةِ، كالزَّكاةِ، ونصفِ العشْرِ من الذِّمِّىّ. وقولهم: يَفُوتُ. غيرُ صحيحٍ؛ فإنَّه يُؤْخَذُ منه أوَّلَ ما يدْخُلُ مرَّة، ويَكْتُب الآخِذُ له بما أخَذَ منه، فلا يُؤْخَذُ منه شىءٌ حتى تَمْضِىَ تلك السَّنةُ، فإذا جاءَ فى العام الثانى، أُخِذَ منه فى أوَّلِ ما يَدْخُلُ، وإِنْ لم يدْخُلْ، فما فات من حَقِّ السنةِ الأُولَى شىءٌ.
فصل:
وليس لأهْلِ الحَرْبِ دُخولُ دارِ الإِسلامِ بغَيْرِ أمَانٍ؛ لأنَّه لا يُؤْمَنُ أَنْ يدْخُلَ جاسوسًا، أو مُتَلصِّصًا، فيَضُرَّ بالمسلمين، فإنْ دخَلَ بغيرِ أمانٍ، سُئِلَ، فإنْ قال: جِئْتُ رسولًا. فالقَوْلُ قولُه؛ لأنَّه تَتَعَذَّرُ إقامةُ البَيِّنَةِ على ذلِك، ولم تزَلِ الرُّسُلُ تأْتِى من غيرِ تَقَدُّمِ أمانٍ. وإِنْ قال: جِئْتُ تاجِرًا. نَظَرْنا؛ فإنْ كانَ معه مَتاعٌ يَبِيعُه، قُبِلَ قولُه أيضًا، وحُقِنَ دَمُه؛ لأنَّ العادَةَ جارِيَةٌ بدخُولِ تُجَّارِهم إلينا، وتُجَّارِنا إليهم، وإن لم يكُنْ معه ما يَتَّجِرُ به، لم يُقْبَلْ قولُه؛ لأنَّ التِّجارَةَ لا تحْصُلُ بغيرِ مالٍ. وكذلك مُدَّعِى الرِّسالَةِ، إذا لم يكنْ معه رسالة يُؤَدِّيها، أو كان ممَّنْ لا يكونُ مثلُه رسولًا. وإِنْ قال: أَمَّنَنِى مسلِمٌ. فهل يُقْبَلُ منه؟ على وَجْهَيْن؛ أحدُهما، يُقْبَلُ، تَغْليبًا لحَقْنِ دمِه، كما يُقْبَلُ من الرَّسولِ والتَّاجرِ. والثانى، لا يُقْبَلُ؛ لأنَّ إقامَةَ البَيِّنَةِ عليه مُمْكِنَةٌ. فإنْ قالَ مسلمٌ: أنا أمَّنْتُه. قُبِلَ قولُه؛ لأنَّه يمْلِكُ أَنْ يُؤَمِّنَه، فقُبِلَ قولُه فيه (19)، كالحاكِمِ إذا قال: حَكَمْتُ لفلانٍ على فلانٍ بحقٍّ. وإِنْ كان جاسوسًا، خُيِّرَ الإِمامُ فيه بين أرْبَعَةِ أشياءَ؛ كالأسيرِ. وإِنْ كان ممَّنْ ضَلَّ الطريقَ، أو حَمَلَتْه الرِّيحُ إلينا فى مَرْكَبٍ، فقد ذكَرْنا حُكْمَه (20).
1700 - مسألة؛ قال: (ومَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ، بِمُخالَفَةِ شَىْءٍ مِمَّا صُولِحُوا عَلَيْهِ، حَلَّ دَمُهُ ومَالُهُ)
وجملةُ ذلك، أنَّه يَنْبَغِى للإِمامِ عند عَقْدِ الهُدْنَةِ أَنْ يشْترِطَ عليهم شُروطًا، نحوَ ما شَرَطَه
(17) فى م زيادة: "الأخرى".
(18)
فى م: "فتعذر".
(19)
سقط من: أ.
(20)
تقدم فى صفحة 83.
عمرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وقد رُويَتْ عن عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، فى ذلك أخبارٌ، منها ما روَاه الخَلَّالُ، بإسْنادِه عن إسماعيلَ بنِ عَيَّاشٍ، قال: حَدَّثَنا غيرُ واحدٍ من أهلِ العلمِ، قالُوا: كتَبَ أهلُ الجزيرَةِ إلى عبدِ الرحمن بن غَنْمٍ: إنَّا حينَ قَدِمْتُمْ (1) بلادَنا، طَلَبْنَا إليك الأمانَ لأنْفُسِنا وأهل ملَّتِنا، على أنَّا شَرَطْنا لَكَ على أنفُسِنا أن لا نُحْدِثَ فى مَدينَتِنا كنيسةً، ولا فيما حَوْلَها دَيْرًا، ولا قلايةً (2)، ولا صَوْمَعَةَ راهِبٍ، ولا نُجَدِّدَ ما خَرِبَ من كنائِسِنا، ولا ما كانَ منها فى خِطَطِ المسلمين، ولا نَمْنعَ كنائِسَنا من المسلمين أَنْ ينْزِلُوها فى الليلِ والنهارِ، وأنْ نُوَسِّعَ أبوابَها للمارَّةِ وابنِ السَّبيلِ، ولا نأوِىَ فيها ولا فى مَنازِلِنا (3) جاسوسًا، وأنْ لا نَكْتُمَ أمْرَ من غَشَّ المسلمين، وأنْ لا نَضْرِبَ نَواقيسَنا إلَّا ضربًا خَفِيًّا فى جَوْفِ كنائِسِنا، ولا نُظْهِرَ عليها صليبًا، ولا نرفَعَ أصْواتَنا فى الصلاةِ، ولا القراءَةِ فى كنائِسِنا فيما يحضرُه المسلمون، ولا نُخْرِجَ صَلِيبَنا ولا كتابَنا فى سُوقِ المسلمين، وأنْ لا نَخْرُجَ بَاعُوثًا (4) ولا شَعانينَ (5)، ولا نَرْفعَ أصْواتَنا مع أمْواتِنا، ولا نُظْهرَ النِّيرانَ معهم فى أسْواقِ المسلمين، وأنْ لا نُجاوِرَهم بالخنازيرِ، ولا نَبيعَ الخمورَ، ولا نُظْهِرَ شِرْكًا، ولا تُرَغِّبَ فى دِينِنا، ولا نَدْعوَ إليه أحدًا، ولا نَتَّخِذَ شيئًا من الرَّقيقِ الذين جَرَتْ عليهم سِهامُ المسلمين، وأنْ لا نَمْنَعَ أحدًا من أقْربائِنا إذا أرادَ الدُّخولَ فى الإِسلامِ، وأنْ نَلزَمَ زِيَّنا حيثما كُنَّا، وأنْ لا نَتَشَبَّه بالمسلمين فى لُبْسِ قَلَنْسُوَةٍ ولا عِمامَةٍ ولا نَعْلَيْن، ولا فَرْقِ شَعَرٍ، ولا فى مَواكِبِهم، ولا نتَكلَّمَ بكلامِهم، وأنْ لا نَتَكَنَى بكُناهم، وأنْ نَجُزَّ مَقادِمَ رُءوسِنا، ولَا نَفْرِقَ نَواصِيَنا، ونَشُدَّ الزَّنانيرَ على أوْساطِنا، ولا نَنْقُشَ خَواتِيمَنا بالعربِيَّةِ، ولا نَرْكَبَ السُّرُوجَ، ولا نَتَّخِذَ شيئًا من السِّلاحِ، ولا نَحْمِلَه، ولا نَتَقَلَّدَ السيوفَ، وأن نُوَقِّرَ المسلمين فى مَجالِسِهِم، ونُرْشِدَ الطَّرِيقَ، ونَقُومَ لهم عن المجالِسِ إذا أرادُوا المجالِسَ، ولا نَطَّلِعَ عليهم فى مَنازِلِهم، ولا نُعَلِّمَ أوْلادَنا القرآنَ، ولا يُشارِكَ أحدٌ مِنَّا مسلمًا فى تِجارَة، إلَّا أَنْ يكونَ إلى المسلمِ أمرُ
(1) فى الأصل، أ، ب:"قدمنا" وفى م: "قدمنا من".
(2)
فى النسخ: "قلابة". والمثبت من سنن البيهقى. والقلاية: شبه صومعة تكون فى كنيسة النصارى. تاج العروس (ق ل ى).
(3)
فى ب: "منازلها".
(4)
الباعوث: استسقاء النصارى.
(5)
الشعانين: عيد للنصارى يقع يوم الأحد السابق لعيد الفصح.
التِّجارَةِ، وأنْ نُضِيفَ كُلَّ مسلمٍ عابرِ سَبِيلٍ ثلاثةَ أيامٍ، ونُطْعِمَه منِ أوْسَطِ ما نَجِدُ، ضَمنَّا ذلك على أنفُسِنا، وذَرارِيِّنا، وأزْواجِنا، ومَساكِنِنا، وإِنْ نحنُ غيَّرْنا أو خالَفْنا عمَّا شَرَطْنا على أنفُسِنا، وقَبِلْنا الأمانَ عليه، فلا ذِمَّة لَنا، وقد حَلَّ لك مِنَّا ما يَحِلُّ لأهْلِ المُعانَدَةِ والشِّقاقِ. فكَتَبَ بذلك عبدُ الرحمنِ بن غَنْمٍ إلى عمرَ بن الخَطَّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، فكَتَبَ لهم عمَرُ: أَنْ أمْض لهم ما سَأَلُوه، وألحِقْ فيه حَرْفَيْن، اشْتَرِطْ أَنَّ (6) عليهم مع ما شَرَطُوا على أنفُسِهم أَنْ لا يَشْتَرُوا من سَبَايانا شيئًا، ومَنْ ضَرَبَ مسلمًا عَمْدًا، فقد خَلَعَ عَهْدَه. فأَنْفَذَ عبدُ الرحمن بن غَنْمٍ ذلك، وأقَرَّ مَنْ أقامَ من الرُّومِ فى مَدائِن الشام على هذا الشَّرْط (7). فهذه جُمْلَةُ شروطِ عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، فإذا صُولِحُوا عليها، ثم نَقَضَ بعضُهم شيئًا منها، فظاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ أَنَّ عَهْدَه يَنْتَقِضُ به. وهو ظاهِرُ ما رَوَيْناه؛ لقولِهم فى الكتابِ: إنْ نحنُ خالَفْنا، فقد حَلَّ لَكَ مِنَّا ما يَحِلُّ لَكَ من أهلِ المُعانَدَةِ والشِّقاقِ. وقال عمرُ: مَنْ (8) ضَرَبَ مسلمًا عَمْدًا، فقد خَلَعَ عَهْدَه. ولأنَّه عَقْدٌ بشرطٍ فمتى لم يُوجَدِ الشَّرْطُ، زالَ حُكْمُ العَقْدِ، كما لو امْتَنَعَ مِن الْتزامِ الأحكامِ. وذكرَ القاضِى، والشريفُ أبو جَعْفَر، أَنَّ الشُّرُوطَ (9) قِسْمان؛ أحدُهما يَنْتَقِضُ العهدُ بمُخالَفَتِه، وهو أحَدَ عَشَرَ شيئًا؛ الامتناعُ من بَذْلِ الْجِزيَةِ، وجَرْى أحْكامِنا عليهم إذا حَكَمِ بها حاكِمٌ، والاجتماعُ على قتالِ المسلمين، والزِّنَى بمُسْلِمَةٍ، وإصابتُها باسْمِ نكاحٍ، وفَتْنُ مسلمٍ عن دِينِه، وقَطْعُ الطَّرِيقِ عليه، وقتلُه، وإيواءُ جاسوسِ المشركين، والمُعاوَنَةُ على المسلمين بدلالَة المشركين على عَوْراتِهم أو مُكاتَبَتهِم، وذكْرُ اللَّه تعالى أو كتابِه أو دينِه أو رسولِه بسُوء، فاْلخَصْلتان الأُولَيان يَنْتَقِضُ العَهْدُ بهما بلا خِلافٍ فى المذهبِ. وهو مذْهَبُ الشافِعِىِّ. وفى معناهما قتالُهم للمسلمين مُنْفَرِدين أو مع أهلِ الحَرْبِ؛ لأنَّ إطلاقَ الأمانِ يقْتَضِى ذلك، فإذا فعَلُوه نَقَضُوا الأمانَ؛ لأنَّهُم إذا قاتلُونا (10)، لَزِمَنا قِتالُهم، وذلك ضِدُّ
(6) سقط من: م.
(7)
تقدم تخريجه، فى صفحة 215.
(8)
فى م: "ومن".
(9)
فى أ: "المشروط".
(10)
فى أ: "قاتلوا".