الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقهاءِ، وقد رُوِىَ عن ابنِ عمرَ، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ"(1). وقال ابنُ عبّاسٍ فى قولِه تعالَى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِى عِوَجٍ} (2). أى: غيرَ مخلُوقٍ (3). وأما قَوْلُهم: لا يُعْهَدُ اليَمِينُ به. فيَلْزَمُهم قولُهم: وكبرياءِ اللَّهِ، وعَظَمَتِه، وجَلالِه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنّ الحَلِفَ بآيَةٍ منه كالحَلِفِ بجَمِيعِه؛ لأنَّها من كلامِ اللَّه تعالى.
فصل:
وإِنْ حَلَفَ بالمُصْحَفِ، انْعَقدَت يَمِينُه. وكان قتادَةُ يَحْلِفُ بالمُصْحَفِ. ولم يَكرَهْ ذلك إمامُنا، وإسحاقُ؛ لأنَّ الحالِفَ بالمُصْحَفِ إنَّما قَصَدَ الحَلِفَ بالمكتوبِ فيه، وهو القرآنُ، فإنَّه بَيْنَ دَفَّتَى المُصْحَفِ بإجْماعِ المسلمين.
1785 -
مسألة؛ قال: (بِصَدَقَةِ (1) مِلْكِه (2)، أو بِالْحَجِّ)
وجُمْلته أَنَّه إذا أَخْرَجَ النَّذْرَ مَخْرَجَ اليَمِينِ، بِأَنْ يمْنَعَ نَفْسَه أو غَيْرَه بِه شيئًا، أو يَحُثَّ به على شىءٍ، مثل أَنْ يقولَ: إنْ كَلَّمْتُ زيدًا، فللَّهِ عَلَىّ الحَجُّ، أو صَدَقَةُ مالٍ، أو صومُ سَنَةٍ. فهذا يَمِينٌ، حُكْمُه أنَّه مُخَيَّرٌ بينَ الوفاء بما حَلَفَ عليه، فلا يَلْزَمُه شىءٌ، وبين أَنْ يحْنَث، فيتخَيَّرُ بين فِعْلِ المَنْذُورِ، وبين كَفَّارَةِ يَمِينٍ، ويُسَمَّى نَذْرَ اللَّجاج والغَضَبِ، ولا يَتَعَيَّنُ عليه الوَفاءُ بِه، وإنَّما يلْزَمُ نَذْرُ التَبرُّرِ، وسنذكُرُه فى بابِه إن شاءَ اللَّه. وهذا قولُ عمرَ، وابنِ عَبّاسٍ، [وابنِ عُمَرَ](3)، وعائِشَةَ، وحَفْصَةَ، وزينبَ بنتِ أبى سَلَمَةَ. وبه قال عَطاءٌ، وطاوسٌ، وعِكرِمَةُ، والقاسِمُ، والحسنُ، وجابِرُ بن زَيْدٍ، والنَّخَعِىُّ، وقَتادَةُ، وعبدُ اللَّه (4) بنُ شَرِيك، والشافِعِىُّ، والعَنْبَرِىُّ، وإسحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ، وأبو ثَوْرٍ،
(1) قال السيوطى: أخرج البيهقى عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، قال: القرآن كلام اللَّه. الدر المنثور 5/ 326.
(2)
سورة الزمر 28.
(3)
ذكره السيوطى، فى الدر المنثور 5/ 326، بلفظ:"غير مخلوق" فحسب، وقال: أخرجه الآجرى فى الشريعة، وابن مردويه، والبيهقى فى الأسماء والصفات.
(1)
فى الأصل، ب، م:"تصدق".
(2)
فى م: "بملكه".
(3)
سقط من: ب.
(4)
فى الأصل، أ، ب:"وعبيد اللَّه". وانظر ترجمة عبد اللَّه بن شريك فى: تهذيب التهذيب 5/ 252.
وابنُ المُنْذِرِ. وقال سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ: لا شىءَ فى الحَلِفِ بالحجِّ. وعن الشَّعْبِىِّ، والحارِثِ العُكْلِىِّ، وحَمَّادٍ، والحَكَمِ: لا شىء فى الحَلِفِ بصَدَقَةِ مالِه؛ لأنَّ الكفَّارَةَ إنَّما تَلْزَمُ بالحَلِفِ باللَّهِ تعالى، لِحُرْمَةِ الاسْمِ، وهذا ما حَلَفَ باسمِ اللَّهِ، ولا يجبُ ما سَمَّاه؛ لأنَّه لم يُخْرِجْه مَخْرَجَ القُرْبَةِ، وإنَّما الْتَزَمَه على طريقِ العُقوبَةِ، فلم يَلْزَمْه. وقال أبو حنيفةَ، ومالِك: يَلْزَمُه الوفاءُ بنَذْرِه؛ لأنَّه نَذْرٌ فيَلْزَمُه الوَفاءُ به، كنَذْرِ التَّبَرُّرِ. ورُوِىَ نحوُ ذلك عن الشَّعْبِىِّ. ولَنا، ما رَوَى عِمْرانُ بنُ حُصَيْن، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لَا نَذْرَ فى غَضَبٍ، وكَفَّارَتُه كَفّارَةُ يَمِينٍ". روَاه سعيدُ بنُ مَنْصورٍ، والجُوزجانِىُّ، فى "المُتَرْجَمِ"(5). وعن عائِشَةَ، أنّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ حَلَفَ بالْمَشْىِ، أو الْهَدْىِ، أو جَعْلِ مَالِهِ فِى سَبِيلِ اللَّه، أَوْ فِى الْمَسَاكِينِ، أو فِى رِتَاجِ الْكَعْبَةِ (6)، فَكَفَّارَتُه كَفَّارَةُ الْيَمِينِ"(7). ولأنَّه قولُ مَنْ سَمَّيْنَا من الصَّحابَةِ، ولا مُخالِفَ لهم فى عَصْرِهم، ولأَنَّه يمَينٌ، فيَدْخُلُ فى عُمومِ قولِه تعالَى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} (8). ودَليلُ أنَّهُ يمينٌ، أنَّه يُسَمَّى بذلك، ويُسمَّى قائِلُه حالِفًا، وفارَق نَذْرَ التَّبَرُّرِ؛ لكَوْنِه قَصَدَ به التَّقَرُّبَ إلى اللَّهِ تعالى والبِرَّ، ولم يُخْرِجْه مَخْرَجَ اليَمِينِ؛ وههُنا خرَجَ مَخْرَجَ اليَمِينِ، ولم يقْصِدْ به قُرْبَةً ولا بِرًّا، فأشْبَهَ الْيَمِينَ من وَجْهٍ والنَّذْرَ من وجْهٍ، فخُيِّر بينَ الوفاءِ به وبين الكَفّارَة. وعن أحمد، رِوايَةٌ ثانِيَةٌ، أنَّه تَتَعَيَّنُ الكَفّارَةُ، ولا يُجْزِئُه الوَفاءُ بِنَذْرِه. وهو قولٌ لبَعْضِ أصحابِ الشافِعِىِّ؛ لأنَّه يَمِينٌ. والأَوّلُ أوْلَى؛ لأنَّه إنَّما الْتَزمَ فِعْلَ ما نَذَرَه، فلا يَلْزَمُه أكثرُ منه، كنَذْرِ التَّبَرُّرِ. وفارَق الْيَمِينَ باللَّه تعالى؛ لأَنَّه أَقْسَمَ بالاسْمِ المُحْتَرَمِ (9)، فإذا خالفَ لزِمَتْهُ الكَفَّارَةُ، تَعْظِيمًا للاسْمِ، بخلافِ هذا.
(5) وأخرجه النسائى، فى: باب كفارة النذر، من كتاب الأيمان والنذور. المجتبى 7/ 26. والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 433، 439، 440.
(6)
رتاج الكعبة: بابها.
(7)
أخرجه الدارقطنى، فى: كتاب النذور. سنن الدارقطنى 4/ 160.
(8)
سورة المائدة 89.
(9)
فى ب: "المحتوم".