الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يفْرَحُ بها، ولا ينْكَسِرُ (5) قَلْبُه بِتَرْكِها؛ لعَدَمِ الفائِدَةِ فيها، فيُحَصِّلُ إخراجُ ثَمنِها تضييعَ مالٍ لا فائِدَةَ فيه، والوضِعُ الذى أجازَها، إذا كان اليتيمُ يَعْقِلُها، ويَنْجَبِرُ قَلْبُه بها، ويَنْكَسِرُ بِتَرْكِها؛ لحصولِ الفائِدَةِ منها، والضَّررِ بتَفْوِيتها. واسْتَدَلَّ أبو الخَطَّاب بقولِ أحمد: يُضَحِّى عنه. على وُجوبِ الأُضْحِيَةِ. والصَّحِيحُ، إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى، ما ذَكَرْناه. وعلى كُل حالٍ، متى ضَحَّى عن اليَتِيمِ، لم يَتَصَدَّقْ بشىءٍ منها، ويُوَفِّرُها لنَفْسِه؛ لأَنَّه لا يجوزُ الصَّدَقَةُ بشىءٍ من مالِ اليَتيمِ تَطَوُّعًا.
1759 - مسألة؛ قال: (والاسْتِحْبابُ أَنْ يَأْكُلَ ثُلُثَ أُضْحِيَتهِ، ويُهْدِىَ ثُلُثهَا، ويَتَصَدَّقَ بِثلُثِهَا، ولَوْ أَكَلَ أَكْثَرَ جَازَ)
قال أَحْمَدُ: نحنُ نَذْهَبُ إلى حديثِ عبدِ اللَّه: يَأْكُلُ هو الثلُثَ، ويُطْعِمُ مَنْ أرادَ الثُّلُثَ، ويَتَصَدَّقُ على المساكِينِ بالثُّلُثِ. قال عَلْقَمَةُ: بَعَثَ مَعِى عبدُ اللَّهِ بِهَدِيَّة، فأَمَرَنِى أن آكُلَ ثُلُثًا، وأن أُرْسِلَ إلى أهلِ أخِيهِ (1) بثُلُثٍ، وأَنْ أَتَصَدَّقَ بثُلُثٍ. وعن ابنِ عمرَ قال: الضَّحايَا والهَدايَا ثُلُث لَكَ، وثُلُث لأَهْلِكَ، وثُلُثٌ للمساكِين. وهذا قولُ إسحاقَ، وأحَدُ قَوْلَى الشافِعِى. وقال فى الآخرِ: يَجْعَلُها نِصْفَيْنِ، يَأْكُلُ نِصْفًا، ويَتَصَدَّقُ بنِصْفٍ؛ لقولِ اللَّه تعالَى:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (2). وقال أصْحابُ الرَّأْى: ما كَثُرَ من الصَّدَقَةِ فهو أفضَلُ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَهْدَى مائِةَ بَدَنَةٍ، وأَمَرَ من كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ، فجُعِلَت فى قِدْرٍ، فأَكَلَ هو وعلىٌّ من لحمِها، وحسِيَا من مَرَقِها (3). ونَحَرَ خَمْسَ بَدَناتٍ أو سِتَّ بَدَناتٍ، وقال:"مَنْ شاءَ فَلْيَقْتَطِعْ". ولم يَأْكُلْ مِنْهن شَيْئًا (4). ولَنا، ما رُوِىَ عن ابنِ عبَّاسٍ، فى صِفَةِ أُضْحِيَةِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قال: ويُطْعِمُ (5)
(5) فى م: "يكسر".
(1)
فى م زيادة: "عتبة".
(2)
سورة الحج 28.
(3)
تقدم تخريجه، فى: 5/ 156.
(4)
تقدم تخريجه، فى: 5/ 301.
(5)
فى ب: "فيطعم".
أهلَ بيته الثُّلُثَ، ويُطْعِمُ فقراءَ جيرانِه الثلُثَ، ويَتَصَدَّق على السُّؤَّالِ بالثُّلُثِ. رواه الحافِظُ أبو مُوسى الأصْبهانىُّ (6)، فى الوَظائِفِ، وقال: حديثٌ حسنٌ. ولأنَّه قولُ ابنِ مسعودٍ وابنِ عمَرَ، ولم نعرفْ (7) لهما مُخالِفًا فى الصحابَةِ، فكان إجْماعًا، ولأنَّ اللَّهَ تعالى قال:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (8). والقانِعُ: السائِلُ. يقالُ: قَنَعَ قُنوعًا. إذا سَأل. وقَنِعَ قَناعَةً، إذا رَضِىَ. قال الشاعِر (9):
لمَالُ المَرْءِ يُصْلِحُه فيُغْنِى
…
مَفاقِرَهُ أَعَفُّ مِنَ القُنُوعِ
والمُعْتَرُّ: الذى يَعْتَرِيكَ. أى يَتَعَرَّضُ لَكَ لِتُطْعِمَه، ولا (10) يَسْأَل، فذَكَرَ ثلاثةَ أصْنافٍ، فيَنْبَغِى أن يُقْسَمَ بينهم أثْلاثًا. وأما الآيةُ التى احْتَجَّ بها أصْحابُ الشافِعِىِّ، فإنَّ اللَّه تعالى لم يُبَيِّنْ قدرَ المأْكولِ منها والمُتَصدَّقِ به، وقد نَبَّه عليه فى آيَتِنا، وفَسَّره النبىُّ صلى الله عليه وسلم بفِعْلِه، وابنُ عمرَ بقَوْلِه، وابنُ مسعودٍ بأمرِه. وأمَّا خَبَرُ أصحابِ الرَّأْىِ، فهو فى الهَدْىِ، والهَدْىُ يكثُرُ، فلا يَتَمَكَّنُ الإنسانُ من قَسْمِه، وأخذِ ثُلثِه، فتَتَعَيَّنُ الصَّدَقَةُ بها، والأَمْرُ فى هذا واسِعٌ، فلو تصَدَّقَ بها كُلِّها أو بأكثْرِها جازَ، وإِنْ أكلَها كُلها إلَّا أُوقِيَّةً تصدَّقَ بها جازَ. وقال أصْحابُ الشافِعِىِّ: يجوزُ أكْلُها كُلُّها. ولَنا، أَنَّ اللَّه تعالى قال:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} . وقال: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} . والأَمْرُ يَقْتَضِى الوُجُوبَ. وقال بعضُ أهلِ العلمِ: يجبُ الأكلُ منها، ولا تجوزُ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِها؛ للأَمْرِ بالأَكْلِ منها. ولَنا، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ خَمْس بَدَناتٍ، ولم يأكُلْ منهنَّ شيئًا، وقال:"مَنْ شاءَ فَلْيَقْتَطِعْ". ولأَنَّها ذَبِيحةٌ يتقرَّب إلى اللَّه تعالى بها، فلم يجِبْ الأَكْلُ منها، كالعَقِيقَةِ، والأَمْرُ للاسْتِحْبابِ، أو للإِباحَةِ، كالأَمْرِ بالأَكْلِ من الثِّمارِ والزَّرعِ، والنَّظَرِ إليها.
(6) فى م: "الأصفهانى". وهما بمعنى. وهو أبو موسى محمد بن عمر بن أحمد، ابن المدينى، الشافعى، الحافظ، صاحب التصانيف، منها كتابه "الوظائف"، توفى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. طبقات الشافعية الكبرى 6/ 160 - 163.
(7)
فى أ: "نعلم".
(8)
سورة الحج 36.
(9)
هو الشماخ، والبيت فى ديوانه 221.
(10)
فى م: "فلا".