الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قومٌ يَكْفُون في قتالِهِمْ؛ إمَّا أن يكونوا جُنْدًا لهم دَواوينُ من أجلِ ذلك، أو يكونوا قد أعدُّوا أنفسَهم له تَبَرُّعًا بحيثُ إذا قَصَدَهُمُ العدُوُّ حَصَلَت المَنَعَةُ بهم، ويكونُ في الثُّغُورِ مَنْ يَدْفَعُ العَدُوَّ عنها، ويُبْعَثُ في كلِّ سنةٍ جيشٌ يُغِيرونَ على العَدُوِّ في بلادِهم.
فصل:
ويَتَعَيَّنُ الجهادُ في ثلاثةِ مواضعَ؛ أحدها، إذا الْتَقى الزَّحْفَانِ، وتقابلَ الصَّفَّان؛ حَرُمَ على مَنْ حَضَرَ الانْصِرافُ، وتَعَيَّنَ عليه الْمُقامُ؛ لقولِ اللَّه تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} (13). وقولِه: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} . وقولِه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (14). الثاني، إذا نَزَلَ الكُفَّارُ بِبَلَدٍ، تَعَيَّنَ على أهلِه قتالُهم ودَفْعُهم. الثالث، إذا اسْتَنْفَرَ (15) الإِمامُ قومًا لَزِمَهُم النَّفِيرُ معه؛ لقولِ اللَّه تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} (16). الآية والتى بعدها. وقال النَّبى صلى الله عليه وسلم: "إذا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا".
فصل: ويُشْتَرَطُ لوجوبِ الجهادِ سبعةُ شُروطٍ؛ الإِسلامُ، والبُلُوغُ، والعقلُ، والحُرِّيَّةُ، والذُّكُورِيَّةُ، والسَّلَامَةُ من الضَّرَرِ، ووُجودُ النَّفَقَةِ. فأمَّا الإِسلامُ والبُلُوغُ والعَقْلُ، فهى شُرُوطٌ لوجوبِ سائرِ الفروعِ، ولأنَّ الكافِرَ غيرُ مَأْمُونٍ في الجهادِ، والمَجْنُونَ لا يَتَأَتَّى منه الجهادُ، والصَّبِىَّ ضَعِيفُ البِنْيَةِ، وقد رَوَى ابنُ عمر، قال: عُرِضْتُ على رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ أُحُدٍ وأنا ابنُ أربعَ عشرةَ، فلم يُجِزْنِى في المُقاتِلَةِ. مُتَّفَقٌ عليه (17). وأمَّا الحُرِّيَّةُ فتُشْتَرَطُ؛ لما رُوِىَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُبايِعُ الحُرَّ على الإِسلامِ
(13) سورة الأنفال 45. ولم يرد في الأصل، أ: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا}.
(14)
سورة الأنفال 15، 16.
(15)
في م: "استقر".
(16)
سورة التوبة 38.
(17)
أخرجه البخاري، في: باب غزوة الخندق، من كتاب المغازى. صحيح البخاري 5/ 137. ومسلم، في: باب بيان سن البلوغ، من كتاب الإِمارة. صحيح مسلم 3/ 1490. =
والجهادِ، ويبايعُ العبدَ على الإِسلامِ دونَ الجهادِ (18). ولأنَّ الجهادَ عبادَةٌ تَتَعَلَّقُ بقَطْع مَسافَةٍ، فلم تَجِبْ على العبدِ، كالحَجِّ. وأمَّا الذُّكُورِيَّةُ فتُشْتَرَطُ؛ لما رَوَتْ عائِشَةُ، قالتْ: يا رسولَ اللَّه، هل على النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ فقال:"جِهادٌ لا قِتَالَ فيه؛ الحَجُّ، والعُمْرَةُ"(19). ولأنَّها ليستْ من أهلِ القتالِ؛ لِضَعْفِها وخَوَرِها، ولذلك لا يُسْهَمُ لها. ولا يَجِبُ على خُنْثَى مُشْكِلٍ؛ لأنَّه لا يُعْلَمُ كونُه ذكرًا، فلا يَجِبُ مع الشَّكِّ في شَرْطِه. وأمَّا السَّلامَةُ من الضَّرَرِ، فمعناه السَّلَامَةُ من العَمَى، العَرَجِ والمرضِ، وهو شرطٌ؛ لقولِ اللَّه تعالى:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} (20). ولأنَّ هذه الأعْذارَ تَمْنَعُه من الجِهَادِ؛ فأمَّا العَمَى فمعروفٌ، وأمَّا العَرَجُ، فالمانِعُ منه هو الفاحِشُ الذي يمنعُ المشْىَ الجَيِّدَ والرُّكُوبَ، كالزَّمَانَةِ ونحوِها، وأمَّا اليَسِيرُ الذي يتَمكَّنُ معه من الرُّكُوبِ والْمَشْىِ، وإنَّمَا يتَعذَّرُ عليه شِدَّةُ العَدْوِ، فلا يَمْنَعُ وُجوبَ الجِهادِ؛ لأنَّه يتَمَكَّنُ (21) منه، فَشَابَهَ الأعْوَرَ. كذلك المرضُ المانِعُ هو الشَّدِيدُ، فأمَّا اليَسِيرُ منه الذي لا يمنعُ إمْكانَ الجِهادِ، كوجَعِ الضِّرْسِ والصُّداعِ الخفيفِ، فلا يَمْنَعُ الوُجوبَ؛ لأنَّه لا يتعذَّرُ معه الجهاد، فهو كالعَوَرِ. وأما وُجودُ النَّفقة، فيُشْتَرَطُ؛ لقولِ اللَّه تعالى:{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} (22). ولأنَّ الجهادَ لا يُمْكِنُ إلَّا بآلةٍ، فيُعْتَبَرُ القُدْرةُ عليها. فإن كان الجهادُ على مَسافةٍ لا تُقْصَرُ فيها الصَّلَاةُ،
= كما أخرجه أبو داود، في: باب في الغلام يصيب الحد، من كتاب الحدود. سنن أبي داود 2/ 453. وابن ماجه، في: باب من لا يجب عليه الحد، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه 2/ 850.
(18)
ذكر ابن حجر، في تلخيص الحبير 4/ 91، 92 أن النسائي أخرجه. وانظر: تحفة الأشراف 2/ 237.
(19)
أخرج نحوه البخاري، في: باب حج النساء، من كتاب المحصر وجزاء الصيد، وفي: باب جهاد النساء، من كتاب الجهاد. صحيح البخاري 3/ 24، 4/ 39. وابن ماجه، في: باب الحج جهاد النساء، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 968. والإِمام أحمد في: المسند 6/ 75، 79، 166.
(20)
سورة النور 61.
(21)
في أ، م:"ممكن".
(22)
سورة التوبة 91.