الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّعْريفِ، كالخالقِ والرَّازِقِ، أَنَّها تكونُ يَمِينًا بكُلِّ حالٍ؛ لأنَّها لا تَنْصَرِفُ إلَّا إلى اسْمِ اللَّه، كذا هذا. الثالثُ، ما لا يَنْصَرِفُ بإطْلاقِه إلى صِفَةِ اللَّه تعالى، لكنْ يَنْصَرِفُ بإضافَتِه إلى اللَّه سُبْحانَه لَفْظًا أو نِيَّةً، كالعَهْدِ، والميثاقِ، والأمانَةِ، ونحوِه. فهذا لا يكونُ يَمِينًا مُكَفَّرَةً إلَّا بإضافَتِه أو نِيَّتِه. وسَنَذْكُرُ ذلك فيما بعدُ، إنْ شاءَ اللَّه تعالى.
فصل:
وإِنْ قال: وحَقِّ اللَّه. فهى يَمِينٌ مُكَفَّرَة. وبهذا قال مالِكٌ، والشافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا كَفَّارَةَ لها؛ لأنَّ حَقَّ اللَّهِ طاعَتُه ومَفْرُوضاتُه، وليستْ صِفَةً له. ولَنا، أَنَّ للَّهِ حُقوقًا يَسْتَحِقُّها لِنَفْسِه؛ من البقاءِ، والعَظَمَةِ، والجَلالِ، والعِزَّةِ، وقد اقْتَرَنَ عُرْفُ الاسْتِعْمالِ بالحَلِفِ بهذه الصِّفَةِ، فتَنْصَرِفُ إلى صِفَةِ اللَّه تعالَى، كقَوْلِه: وقُدْرَةِ اللَّهِ. وإِنْ نَوَى بذلك القَسَمَ بمَخلُوقٍ، فالقَوْلُ فيه كالقَوْلِ فى الحَلِفِ بالعلْمِ والقُدْرَةِ، إلَّا أَنَّ احْتِمالَ المَخْلُوقِ بهذا اللَّفْظِ أظْهَرُ.
فصل: وإِنْ قال: لَعَمْرُ اللَّهِ. فهى يَمِينٌ مُوجِبَةٌ للكَفَّارَةِ. وبه قال أبو حنيفةَ. وقال الشافِعِىُّ: إنْ قَصَدَ الْيَمِينَ، فهى يَمِينٌ، وإلَّا فلا. وهو اخْتِيارُ أبى بكرٍ؛ لأنَّها إنَّما تكونُ يَمِينًا بتَقديرِ خَبَرٍ مَحْذُوفٍ، فكأنَّه قال: لعَمْرُ اللَّهِ ما أُقْسِمُ به. فيكونُ مَجازًا، والْمَجازُ لا ينْصَرِفُ إليه الإطْلاقُ. ولَنا، أنَّه أقسَمَ بصِفَةٍ مِن صِفَاتِ ذاتِ اللَّه، فكان يَمِينًا مُوجِبًا للكَفَّارَةِ، كالحَلِفِ ببَقاءِ اللَّهِ تعالى، فإنَّ مَعْنَى ذلك الحَلِفُ بِبَقاءِ اللَّه تعالَى وحَياتِه. ويُقال: العُمْرُ والعَمْرُ واحِدٌ. وقيل: مَعْناه وحَقِّ اللَّهِ. وقد ثَبَتَ له عرفُ الشَّرْعِ والاسْتعمالِ، قال اللَّهُ تعالى:{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} (16). وقال النَّابِغَةُ (17):
فَلَا لعَمْرُ الَّذِى قَدْ زُرْتَه حِجَجًا
…
وما أُريِقَ على الأَنْصابِ مِنْ جَسَدِ (18)
(16) سورة الحجر 72.
(17)
ديوانه 25.
(18)
فى أ: "على الأصنام". وفى حاشية ب: "ويروى: مسحت كعبته". وهو فى الديوان.
وقال آخرُ:
إذا رَضِيَتْ كِرامُ بَنِى قُشَيْرٍ
…
لَعَمْرُ اللَّهِ أَعْجَبَنِى رِضَاهَا (19)
وقال آخرُ:
ولكِنْ لعَمْرُ اللَّهِ ما طَلَّ مُسْلِمًا
…
كَغُرِّ الثَّنايا واضِحاتِ الْمَلاغِمِ (20)
وهذا فى الشِّعْرِ والكلامِ كثيرٌ. وأمَّا احْتِياجُه إلى التَّقْديرِ، فلا يَضُرُّ (21)؛ فإنَّ اللَّفْظَ إذا اشْتَهرَ فى العُرْفِ، صارَ من الأسْماءِ العُرْفِيَّةِ، يجبُ حَمْلُه عليه عندَ الإِطلاقِ دُونَ مَوْضُوعِه الأَصْلِىِّ، على ما عُرِفَ من سائِرِ الأَسْماءِ العُرْفِيَّة، ومتى احْتاجَ اللَّفْظُ إلى التَّقْديرِ، وجَبَ التَّقْديرُ له، ولم يجُزِ اطِّراحُه، ولهذا يُفْهَمُ مُرادُ المُتَكَلِّمِ به من غيرِ اطِّلاعٍ على نِيَّةِ قائِلِه وقَصْدِه، كما يُفْهَمُ أَنَّ مُرادَ المتكَلِّمِ بهذا من المتقدِّمِينَ القَسَمُ، [ويُفْهَمُ من القَسَمِ بغيرِ حَرْفِ القَسَم فى أشْعارِهم القَسَمُ فى مثلِ قولِه (22):
* فَقُلْتُ يَمِينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قاعِدًا] (23) *
ويُفْهَمُ من القَسَمِ الذى حُذِفَ فى جوابه حَرْفُ "لا"، أنَّه مُقَدَّرٌ مُرادٌ، كهذا البَيْت، ويُفْهَم من قولِ اللَّه تعالى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (24). {وَأُشْرِبُوا فِى قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} (25). التَّقْدِيرُ (26)، فكذا ههُنا. وإِنْ قال: عَمْرَكَ اللَّه كما فى قولِه (27):
أيُّها المُنْكِحُ الثُّرَيَّا سُهَيْلًا
…
عَمْرَكَ اللَّهَ كيفَ يَلْتَقِيانِ (28)
(19) الدر الفريد 1/ 322، ونسبه للعامرى.
(20)
الملاغم من كل شىء: الفم والأنف والأشداق. والبيت فى: الكامل، للمبرد 1/ 71.
(21)
فى م: "يصح" تحريف.
(22)
أى قول امرئ القيس، وهو صدر بيت له عجز:
* ولو قطُّعوا رأسِى لَديْكِ وأوْصالى *
ديوانه 32.
(23)
سقط من: ب.
(24)
سورة يوسف 82.
(25)
سورة البقرة 93.
(26)
لم يرد، فى: الأصل.
(27)
هو عمر بن أبى ربيعة، والبيت فى شرح ديوانه 503.
(28)
فى أ: "أيها الناكح".