الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خِفْنَا أخْذَهُم لها أو لم نَخَفْ. وبهذا قال الأوْزاعِىُّ، واللَّيْثُ، والشافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ. وقال أبو حَنِيفة، ومالكٌ: يجوزُ، لأنَّ فيه غَيْظًا لهم، وإضْعافًا لقُوَّتِهم، فأشْبَهَ قَتْلَها حالَ قِتالِهم. ولَنا، أنَّ أبا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِىَ اللهُ عنه، قال فى وصِيَّتِه ليزيدَ حين بعَثَه أميرًا: يا يزيدُ، لاتقتُلْ صَبِيًّا، ولا امرأةً، ولا هَرِمًا، ولا تُخَرِّبَنَّ عامِرًا، ولا تَعْقِرَنَّ شجرًا مُثْمِرًا، ولا دَابَّةً عَجْماءَ، ولا شاةً، إلَّا لِمَأْكَلَةٍ، ولا تُحَرِّقَنَّ نَحْلًا، ولا تُغَرِّقَنَّهُ، ولا تَغْلُلْ، ولا تَجْبُنْ. ولأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قتلِ شيْءٍ من الدَّوابِّ صَبْرًا. ولأنَّه حيوانٌ ذو حُرْمَةٍ، فأشْبَهَ النِّساءَ والصِّبْيَانَ. وأمَّا حالُ الحَرْبِ، فيجوزُ فيها قتلُ المشركين كيفَ أَمْكَن، بخلافِ حالِهم إذا قُدِرَ عليهم، ولهذا جازَ قتلُ النِّساءِ والصِّبْيانِ فى الْبَياتِ، وفى المَطْمُورَةِ، إذا لم يتعَمَّدْ قَتْلَهم مُنْفرِدين، بخلافِ حالَةِ القُدْرَةِ عليهم، وقتلُ بَهائِمِهم يتوَصَّلُ به إلى قَتْلِهم وهَزِيمَتِهم. وقد ذكرْنا حديثَ الْمَدَدِىِّ الذى عقَر بالرُّومِىِّ فَرسَه (3). ورُوِىَ أنَّ حَنْظَلَةَ بن الرَّاهبِ، عَقَرَ فرَسَ أبى سفيانَ به يومَ أُحُدٍ، فرمَتْ به، فخلَّصَهُ ابنُ شَعُوب (4). وليس فى هذا خِلافٌ.
فصل:
فأمَّا عَقْرُها للأَكْلِ، فإنْ كانت الحاجَةُ داعِيَةً إليه، ولابُدَّ منه، فمباحٌ، بغيرِ خِلافٍ، لأنَّ الحاجَةَ تُبِيحُ مالَ المَعْصومِ، فمالُ الكافرِ أَوْلَى. وإن لم تكُنْ الحاجةُ داعيَةً إليه (5)، نَظَرْنا؛ فإنْ كان الحيوانُ لا يُرادُ إلَّا للأَكْلِ، كالدَّجاجِ والْحَمامِ وسائِرِ الطَّيرِ والصَّيْدِ، فحكمُه حكمُ الطَّعامِ. فى قولِ الجميعِ، لأنَّه لا يُرادُ لغيرِ الأَكْلِ، وتَقِلُّ قِيمَتُه، فأشْبَهَ الطَّعامَ. وإنْ كان ممَّا يُحْتاجُ إليه فى القتالِ، كالخيلِ، لم يُبَحْ ذَبْحُه للأَكْلِ، فى قولِهم جميعًا. وإنْ كان غيرَ ذلك، كالغَنَمِ والبقرِ، لم يُبَحْ. فى قولِ الْخِرَقِىِّ. وقال القاضى: ظاهِرُ كلامِ أحمدَ إباحَتُه، لأنَّ هذا الحيوانَ مثلُ الطَّعامِ فى بابِ الأَكْلِ والقُوتِ، فكان مِثْلَه فى إباحَتِه. وإذا ذَبَحَ الحيوانَ، أَكَلَ لحمهُ، وليس له الانْتِفاعُ بجِلْدِه؛ لأنَّه إنَّما
(3) تقدَّم فى صفحة 66.
(4)
هو الأسود بن شعوب. وذكر القصة الواقدى، فى المغازى 1/ 273. وذكر ابن حَجَر، فى تلخيص الحَبِير 4/ 112. أن البيهقى ذكرها من طريق الشافعى بغير إسناد.
(5)
سقط من: الأصل، ب.
أُبِيحَ له ما يأْكُلُه دُونَ غيرِه. قال (6) عبدُ الرحمن بن مُعاذِ بن جَبَلٍ: كلُوا لحمَ الشاةِ، وردُّوا إهابَها إلى الْمَغْنَمِ. ولأنَّ هذا حيوانٌ مأْكُولٌ، فأبِيحَ أَكْلُه، كالطَّيْرِ. ووَجْهُ قولِ الخِرَقِىِّ، ما رَوَى سعيدٌ (7): ثنا أبو الأَحْوَصِ، عن سِماكِ بن حَرْبٍ، عن ثَعْلَبةَ بن الحَكَم، قال: أَصَبْنا غَنَمًا للعَدُوِّ، فانْتَهَبْناهَا (8)، فنَصَبْنا قُدُورَنا، فمرَّ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بالقُدورِ وهى تَغْلِى، فأَمَرَ بها فأُكْفِئَتْ، ثمَّ قال لهم:"إِنَّ النُّهْبَةَ لَا تَحِلُّ". ولأنَّ هذه الحيواناتِ تكْثُرُ قِيمَتُها، وَتَشِحُّ أَنْفُسُ الغانِمين بها، ويُمْكِنُ حَمْلُها إلى دارِ الإِسلامِ، بخلافِ الطَّيْرِ والطَّعامِ، لكنْ إنْ أذِنَ الأميرُ فيها جازَ؛ لما رَوَى عَطِيَّةُ بن قَيْسٍ، قال: كُنَّا إذا خَرَجْنا فى سَرِيَّةٍ، فأَصَبْنَا غَنَمًا، نادَى مُنادِى الإِمام: ألا مَنْ أرادَ أنْ يتناوَلَ شيئًا من هذه الغَنَمِ فلْيتَناولْ، إنَّا لا نسْتطِيعُ سِيَاقَها (9). رواه سعيدٌ (10). وكذلك إنْ قسَمها؛ لما رَوَى مُعاذٌ، قال: غَزَوْنا مع النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، فأَصَبْنا غَنَمًا، فقسَم بَيْنَنَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم طَائِفَةً، وجعَلَ بَقِيتَّهَا فى الْمَغْنَمِ. روَاه أبو داوُدَ (11). وقال سعيدٌ (12): حدَّثنا إسماعيلُ بن عَيَّاشٍ، عن عُبَيْدِ اللَّه (13) بن عُبَيْدٍ (14)، أنَّ رجُلًا نَحَرَ جَزُورًا بأرْضِ الرُّومِ، فلما بَرَدَت، قال: يا أيُّها الناسُ، خُذُوا من لحمِ هذه الجَزُورِ، فقد أذِنَّا لكُم. فقال مكحولٌ: يا غَسانِىُّ، ألا (15) تأْتِينَا من لحمِ هذه الجَزُورِ؟ فقال الغَسَّانِىُّ: يا أبا عبد اللَّه، أمَا تَرَى ما (16) عليها من النُّهْبَى؟ قال مكحولٌ: لا نُهْبَى فى المَأْذونِ فيه.
(6) فى م: "وقال".
(7)
فى: باب ما جاء فى النهى عن النهى، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 241.
كما أخرجه ابن ماجه، فى: باب النهى عن النهبة، من كتاب الفتن. سنن ابن ماجه 2/ 1299. والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 194، 367.
(8)
فى م: "فانتهبنا".
(9)
فى م: "سياقتها".
(10)
فى الباب السابق. السنن 2/ 242.
(11)
فى: باب فى بيع الطعام إذا فضل عن النَّاس فى أرض العدو، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود 2/ 61.
(12)
فى الباب السابق. السنن 2/ 241، 242.
(13)
فى م: "عبد اللَّه".
(14)
فى سنن سعيد: "عبد اللَّه".
(15)
فى م: "لا".
(16)
سقط س: م.