الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
ومَن اسْتَحْدَثَ من أهلِ الذِّمَّةِ بِناءً، لم يُجزْ له مَنْعُه حتى يكونَ أطْولَ من بناءِ المسلمين المُجاورِين له، لما رُوِىَ عن النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:"الْإِسْلَامُ يَعْلُو ولَا يُعْلَى"(32). ولأَنَّ فى ذلك رُتْبَة على المسلمين، وأهلُ الذِّمَّةِ مَمْنُوعون من ذلك، ولهذا يُمْنَعُونَ من صُدورِ المجالِسِ، ويُلْجَأُون إلى أضْيَقِ الطُّرُقِ. ولا يُمْنَعُ من تَعْلِيَةِ بنائِه على مَنْ ليس بمُجاوِرٍ له؛ لأنَّ عُلُوَّها إنَّما يكون ضررًا على المُجاوِرِ لها، دونَ غيرِه. وفى جَوازِ مُساواةِ المسلمين وَجْهان؛ أحدُهما، الجوازُ، لأنَّه ليس بمُسْتطيلٍ على المسلمين. والثانى، المَنْعُ؛ لقولِه عليه السلام:"الْإِسْلَامُ يَعْلُو ولَا يُعْلَى". ولأنَّهُم مُنِعُوا من مُساواةِ المسلمين فى لِباسِهِم وشُعورِهم ورُكوبِهم، كذلك فى بنائِهم. فإنْ كان للذِّمِّىّ دارٌ عالِيةٌ، فملكَ المسلمُ دارًا إلى جانِبِها، أو بَنَى المسلمُ إلى جانِبِ دارِ ذمِّىٍّ دارًا دُونَها، أو اشْتَرَى ذِمِّىٌّ دارًا عاليةً لمسلمٍ، فلَهُ سُكْنَى دارِه، ولا يلْزَمُه هَدْمُها؛ لأنَّه لم يَعْلُ على المسلمين شيئًا. فإن انْهَدَمَتْ دارُه العالِيةُ، ثم جَدَّدَ بناءَها (33)، لم يُجزْ له تَعْلِيَتُه على بناءِ المسلمين. وإن انْهَدَمَ ما عَلَا منها، لم تكُنْ له إعادَتُه. وإِنْ تَشَعَّثَ منه شىءٌ ولم يَنْهدِمْ، فله رَمُّه وإصْلاحُه؛ لأنَّه مَلَكَ اسْتدامَتَه، فَملَك رَمَّ شَعَثِه، كالكَنِيسَةِ.
فصل: ولا يجوزُ لأحَدٍ منهم سُكْنَى الحجازِ. وبهِذا قال مالِكٌ، والشافِعِىُّ. إلَّا أنّ مالكًا قال: أرَى أَنْ يُجْلَوْا من أرضِ العربِ كلِّها؛ لأنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لَا يَجْتَمِعُ دِيْنَانِ فِى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ"(34). ورَوَى أبو داوُدَ (35)، بإسْنادِه عن عمر، أَنَّه سمِعَ رسولَ
(32) أخرجه البخارى تعليقا، فى: باب إذا أسلم الصبى فمات. . .، من كتاب الجنائز. صحيح البخارى 2/ 117. والبيهقى موصولا، فى: باب ذكر بعض من صار مسلما بإسلام أبويه، من كتاب اللقطة. السنن الكبرى 6/ 205.
(33)
فى الأصل، أ:"بناؤُه".
(34)
أخرجه الإمام مالك، فى: باب ما جاء فى إجلاء اليهود من المدينة، من كتاب الجامع. الموطأ 2/ 892. والإمام أحمد، فى: المسند 6/ 275.
(35)
فى: باب إخراج اليهود من جزيرة العرب، من كتاب الإمارة. سنن أبى داود 2/ 147. والترمذى، فى: باب ما جاء فى إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، من أبواب السير. عارضة الأحوذى 7/ 107، 108.
كما أخرجه مسلم، فى: باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، من كتاب الجهاد والسير. صحيح مسلم 3/ 1388. والإمام أحمد، فى: المسند 1/ 29، 32، 3/ 345.
اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ والنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَلَا أتْرُكُ فِيَها إلَّا مُسْلِمًا". قال الترمِذِىُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وعن ابن عبَّاسٍ، قال: أوْصَى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بثلاثَةِ أشياءَ، قال:"أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ". وسكتَ عن الثالث. روَاه أبو داوُدَ (36). وجزيرَةُ العربِ ما بَيْنَ الوادِى إلى أقْصَى الْيَمَنِ. قالَه سعيدُ بن عبد العزيز. وقال الأصمَعِىُّ وأبو عُبَيْدٍ: هى من ريِفِ العراقِ إلى عَدَن طُولًا، ومن تِهامَةَ وما وَراءَها إلى أطْرافِ الشامِ عَرْضًا. وقال أبو عُبَيْدَةَ: هى من حَفْرِ أبى موسى (37) إلى اليَمَنِ طُولًا، ومن رَمْلِ يَبْرِينَ (38) إلى مُنْقَطَعِ السَّماوَةِ (39) عَرْضًا. قال الخليلُ: إنَّما قيلَ لها جزيرةٌ (40)؛ لأنَّ بحرَ الحَبَشِ (41) وبحرَ فارِس والفُراتَ قد أحاطَتْ بها، ونُسِبَتْ إلى العربِ؛ لأنَّها أرْضُها ومَسْكنُها ومَعْدِنُها. وقال أحمد: جزيرةُ العرب المدينةُ وما وَالاها. يعنى أَنَّ الممْنوعَ من سُكْنَى الكُفَّارِ به (42) المدينة وما وَالَاها، وهو مكًّةُ واليَمامَةُ وخَيْبَرُ واليَنْبُعُ وفَدَكُ ومَخاليفُها، وما والاها. وهذا قولُ الشافِعِىّ؛ لأنَّهُم لم يُجْلَوْا من تَيْماءَ (43)، ولا من اليَمَنِ. وقد رُوِىَ عن أبى عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ، أنَّه قال: إنَّ آخِرَ ما تَكَلَّمَ به النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ (44) قال: "اخرِجُوا الْيَهُودَ مِنَ الْحِجَازِ"(45). فأمَّا إخْراجُ أهل نَجْرانَ منه، فلأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم صالَحَهُم على تَرْكِ الرِّبَا، فنَقَضُوا
(36) فى: الباب السابق.
كما أخرجه البخارى، فى: باب إخراج اليهود من جزيرة العرب، من كتاب الجزية. صحيح البخارى 4/ 121. ومسلم، فى: باب ترك الوصية لمن ليس له شىء يوصى فيه، من كتاب الوصية. صحيح مسلم 3/ 1258.
(37)
حفر أبى موسى: ركايا أحفرها أبو موسى الأشعرى على جادة البصرة إلى مكة. معجم البلدان 2/ 294.
(38)
يبرين: رمل لا تدرك أطرافه عن يمين مطلع الشمس من حجر اليمامة. معجم البلدان 4/ 1005.
(39)
بادية السماوة: بين الكوفة والشام. انظر: معجم البلدان 3/ 131.
(40)
فى أ، ب زيادة:"العرب".
(41)
فى النسخ: "الجيش" تصحيف. وبحر الحبش هو بحر القلزم، ويعرف اليوم بالبحر الأحمر.
(42)
سقط من: أ، ب، م.
(43)
تيماء: بليد فى أطراف الشام، بين الشام ووادى القرى. معجم البلدان 1/ 907.
(44)
فى م: "أنه".
(45)
أخرجه الدارمى، فى: باب إخراج المشركين من جزيرة العرب، من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 233. والبخارى، فى: التاريخ الكبير 4/ 57.