الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولأنَّ السَّلَبَ مَأخوذٌ من الغنيمةِ بغيرِ تَقْديرِ الإمامِ واجْتهادِه، فلم يفتقرْ إلى شَرْطِه، كالسَّهْمِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ أحمدَ قال: لا يُعْجبُنِى أنْ يأخذَ السَّلَبَ إلَّا بإذْنِ الإمامِ. وهو قولُ الأوْزاعِىِّ. وقال ابنُ المُنْذِر، والشافِعِىُّ: له أخْذُه بغيرِ إذنٍ؛ لأنَّه اسْتحَقَّه بجَعْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم له ذلك، ولَا يأْمَنُ إنْ أظْهَرَه عليه أنْ لا يُعْطاهُ. ووَجْهُ قولِ أحمدَ، أنَّه فِعْلٌ مُجْتَهَدٌ فيه، فلم ينْفُذْ أمرُه فيه إلَّا بإذْنِ الإمامِ كأخْذِ (48) سَهْمِه. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ هذا من أحمدَ على سبيلِ الاسْتِحْبابِ، ليَخْرُجَ من الخلافِ، لا على سبيلِ الإِيجابِ. فعلى هذا، إنْ أخَذَه بغيرِ إذْنٍ، تَرَكَ الفَضِيلةَ، وله ما (49) أخَذَه.
1640 - مسألة؛ قال: (والدَّابَّةُ ومَا عَلَيْهَا مِنْ آلتِهَا مِنَ السَّلَبِ، إذَا قُتِلَ وَهُوَ عَلَيْهَا، وكَذلِكَ مَا عَلَيْهِ مِنَ السِّلاحِ والثِّيابِ وإنْ كثُرَ، فَإنْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّلَبِ. وقَدْ رُوِىَ عَنْ أبِى عَبْدِ اللهِ، رحمه الله، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أنَّ الدَّابَّةَ لَيْسَتْ مِنَ السَّلَبِ)
وجُملَتُه أنَّ السَّلَبَ ما كان القتيلُ لابسًا له، من ثيابٍ، وعِمامةٍ، وقَلَنْسُوَةٍ، ومِنْطَقَةٍ، ودِرْعٍ، ومِغْفَرٍ، وبَيْضَةٍ، وتَاجٍ، وأسْوِرَةٍ، ورَأنٍ (1)، وخُفٍّ، بما فى ذلك مِن حِلْيَةٍ، ونحوِ ذلك؛ لأنَّ المفْهومَ من السَّلَبِ اللِّباسُ، وكذلك السِّلاحُ؛ من السَّيْفِ، والرُّمْحِ، والسِّكِّينِ، واللَّتِّ (2)، ونحْوِه، لأنَّه يسْتَعِينُ به فى قِتَالِه، فهو أوْلَى بالأخْذِ مِن اللِّباسِ، وكذلك الدَّابَّةُ؛ لأنَّه يسْتَعِينُ بها، فهى كالسِّلاحِ وأبْلَغُ منه، ولذلك اسْتَحقَّ بها زِيادَةَ السُّهْمان، بخلافِ السِّلاحِ. فأمَّا المالُ الذى معه فى كَمَراتِه وخَريطَتِه، فليس بسَلَبٍ؛ لأنَّه ليس من الملْبُوسِ، ولا مما يسْتَعِينُ به فى الحَرْبِ، وكذلك رَحْلُه وأثَاثُه، وما ليستْ يدُه عليه من مالِه ليس مِن سَلَبِه. وبهذا قال الأوْزَاعِىُّ، ومَكْحولٌ، والشافِعِىُّ، إلَّا أنَّ الشافِعِىَّ قال: ما لا يَحْتاجُ إليه فى الحَرْبِ، كالتَّاجِ،
(48) فى م: "بأخذ".
(49)
سقط من: م.
(1)
الرأن كالخف، إلا أنه لا قدم له، وهو أطول من الخف.
(2)
اللت: كل ما يُلَتُّ به.
والسِّوارِ، والطَّوْقِ، والهِمْيانِ الذى للنَّفَقَةِ، ليس من السَّلَبِ فى أحدِ القولَيْنِ؛ لأنَّه ممَّا لا يُسْتعانُ به فى الحربِ، فأشْبَهَ المالَ الذى فى خَرِيطَتِه. ولَنا، أنَّ فى حديثِ الْبَراءِ، أنَّه بارَزَ مَرْزُبانَ الزَّأْرةِ، فقَتَلَه، فبلَغَ سِوَاراهُ (3) ومِنْطَقَتُه ثلاثين ألْفًا، فخَمَّسَه عمرُ، ودفَعَه إليه (4). وفى حديث عمرو بن مَعْدِ يكَرب، أنَّه حَمَلَ على أَسْوارٍ، فطَعَنَه، فدقَّ صُلْبَه فصَرَعَه، فنزلَ إليه فقَطَعَ يدَه، وأخَذَ سِوَارَين كانا عليه، ويَلْمَقًا (5) من دِيبَاجٍ، وسَيْفًا، ومِنْطَقَةً، فسُلِّمَ ذلك له (6). ولأنَّه مَلْبُوسٌ له، فأشْبَهَ ثِيَابَه، ولأنَّه داخِلٌ فى اسمِ السَّلَبِ، فأشْبَهَ الثِّيابَ والمِنْطَقَةَ، ويدْخُلُ فى عُمومِ قولِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"فَلَهُ سَلَبُهُ"(7). واخْتلَفتِ الرِّوايةُ عن أحمدَ، فى الدَّابَّةِ، فنُقِلَ عنه أنَّها ليستْ من السَّلَبِ. وهو اخْتِيارُ أبى بكرٍ؛ لأنَّ السَّلَبَ ما كانَ على يَدَيْه، والدابَّةُ ليستْ كذلك، فلا يدْخُلُ فى الخبرِ. قال: وذكر أبو (8) عبد اللَّه حديثَ عمرٍو بن مَعْدِ يكَرِب، فأخَذَ سِوَارَيْهِ، ومِنْطَقَتَه. يَعْنِى (8) ولم يذْكُرْ فَرَسَه. ولَنا، ما رَوَى عوفُ بن مالِك، قال: "خَرَجْتُ مع زيدِ بن حارِثَةَ، فى غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، ورافَقَنِى مَدَدِيٌّ من أهل اليَمَنِ، فلَقِينَا جُموعَ الرُّومِ، وفيهم رجلٌ على فرَسٍ أشْقَرَ، عليه سَرْجٌ مُذْهَبٌ، وسلاحٌ مُذْهَبٌ، فجعلَ يُغْرِى بالمسلمين، وقعدَ له الْمَدَدِىُّ خَلْفَ صَخْرَةٍ، فمرَّ به الرُّومِىُّ، فعَرْقَبَ فرَسَه، فَعَلاهُ فقَتَلَه، وحازَ فرسَه وسِلاحَه، فلما فَتَحَ اللهُ للمُسْلمين، بعَثَ إليه خالدُ بنُ الوليدِ، فأخَذَ من السَّلَبِ، قال عَوْفٌ: فأتيْتُه، فقلْتُ له (9): يا خالدُ، أمَا علِمْتَ أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قضَى بالسَّلَبِ للقاتِلِ؟ قال: بَلَى. رواه الأثْرَمُ (10). وفى حديثِ شَبْرِ
(3) فى أ: "سواره".
(4)
تقدم تخريجه، فى صفحة 38.
(5)
اليلمق: القباء.
(6)
الخبر فى: تاريخ الطبرى 3/ 576.
(7)
تقدم تخريجه، فى 63، 64.
(8)
سقط من: م.
(9)
سقط من: الأصل، أ.
(10)
وتقدم تخريجه، فى صفحة 66.