الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَمْلُه، ولم يَجِبْ. نَصَّ عليه أحمد، فإنْ خافَ تَلَفَه، فقال القاضي: يجبُ عليه بَذْلُ فَضْلِ مَرْكوبِه؛ ليُحْيِىَ به صاحبَه، كما يَلْزَمُه بَذْلُ فَضْلِ طعامِه للمُضْطَرِّ إليه، وتَخْليصُه مِن عَدُوِّه.
فصل:
وسُئِلَ أحمدُ عن الرَّجُلَيْنِ يَشْتَرِيان الفَرَسَ بينهما، يَغْزُوان عليه، يَرْكَبُ هذا عُقْبَةً وهذا عُقْبَةً: ما سَمِعْتُ فيه بشيءٍ، وأرجُو أنْ لا يكونَ به بأسٌ. قيل له: أيُّما أحَبُّ إليك؟ يعْتزِلُ الرجلُ في الطَّعامِ أو يُرافِقُ؟ قال: يُرافِقُ، هذا أَرْفَقُ، يتعاوَنُونَ، وإذا كُنْتَ وَحْدَك لم يُمكِنْكَ الطَّبْخُ ولا غيرُه، ولا بَأْس بالنِّهْدِ، قد تناهَدَ الصالِحُونَ، وكان الحَسَنُ إذا سافَرَ أَلْقَى معهم، ويَزِيدُ أيضًا بعدَما يُلْقِى. ومعنى النِّهْدِ، أنْ يُخْرِجَ كلُّ واحِدٍ من الرُّفْقَةِ شَيْئًا من النَّفَقَةِ، يدفَعُونَه إلى رجُلٍ يُنْفِقُ عليهم منه، ويأكلُون جميعًا، وكان الحسنُ البَصْرِىّ يَدْفَعُ إلى وَكيلهِم مثلَ واحدٍ منهم، ثم يعودُ فيَأْتِى سِرًّا بمِثْلِ ذلك، يَدْفَعُه إليه. وقال أحمدُ: ما أرى أنْ يغْزُوَ ومعه مُصْحَفٌ. يعني لا يَدْخُلُ به أرضَ العَدُوِّ؛ لقولِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لَا تُسافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أرْضِ العَدُوِّ". رَواه أبو داوُدَ، والأَثْرَمُ (14).
1631 - مسألة؛ قال: (وإذَا غَزَا الْأَمِيرُ بِالنَّاسِ، لَمْ يَجُزْ لأَحَدٍ أنْ يَتَعَلَّفَ، وَلَا يَحْتَطِبَ، ولَا يُبارِزَ عِلْجًا، ولَا يَخْرُجَ مِنَ العَسْكَرِ، ولَا يُحْدِثَ حَدَثًا، إلَّا بإذْنِهِ)
يعني لا يَخْرُجُ من العَسْكَرِ لتَعَلُّفٍ، وهو تَحْصيلُ العَلَفِ للدَّوابِّ، ولا لِاحْتِطابٍ (1)، ولا غيرِه إلَّا بإِذنِ الأميرِ؛ لقوْلِ اللَّه تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} (2). ولأنَّ الأميرَ
(14) تقدم تخريجه في: 1/ 204.
(1)
في أ، م:"الاحتطاب".
(2)
سورة النور 62.
أعْرَفُ بحالِ الناسِ، وحالِ العَدُوِّ، ومَكامِنهم، ومَواضِعهم، وقُرْبِهم وبُعْدِهمْ. فإذا خَرَجَ خارِجٌ بغَيرِ إذْنِه، لم يأْمَنْ أنْ يُصادِفَ كَمِينًا للعَدُوِّ، فيَأْخُذُوه، أو طليعةً لهم، أو يَرْحَلَ الأميرُ بالمسلمين ويترُكَه فيَهْلِكَ. وإذا كان بإِذْنِ الأميرِ، لم يأْذَنْ لهم إلَّا إلى مَكانٍ آمِنٍ، ورُبَّما يَبْعَثُ معهُم من الجَيْشِ مَنْ يَحْرُسُهم ويطَّلِعُ لهم. وأمَّا المُبارَزَةُ، فتَجُوزُ بإِذْنِ الأميرِ، في قولِ عامَّةِ أهلِ العلْمِ، إلَّا الحَسَنَ، فإنَّه لم يَعْرِفْها، وكَرِهَها. ولَنا، أنَّ حَمْزَةَ وعَلِيًّا وعُبَيْدَةَ بن الحارِث بارَزُوا يومَ بَدْرٍ، بإذْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (3). وبارَزَ علىٌّ عَمْروَ بنَ عَبْدِ وُدٍّ في غَزْوَةِ الخَنْدَقِ فقَتَلَه (4). وبارَزَ مَرْحَبًا يومَ حُنَيْنٍ. وقيل: بارَزَه مُحَمّدُ بن مَسْلَمَة. وبارَزَه قبلَ ذاك عامِرُ بن الأَكْوَعِ فاسْتُشْهِدَ (5). وبارَزَ البَراءُ بنُ مالك مَرْزُبانَ الزَّأْرةِ (6) فَقَتَلَه، وأَخَذَ سَلَبه، فبَلَغَ ثلاثينَ ألفًا (7). ورُوِىَ عنه أنَّه قال: قَتَلْتُ تِسْعَةً وتِسْعِينَ رَئِيسًا من المُشْرِكين مُبارَزَةً، سِوَى مَن شارَكْتُ فيه (8). وبارَزَ شَبْرُ بن عَلْقمَةَ أُسْوارًا (9) فقَتَلَه، فَبَلَغ سلَبُه اثْنَىْ عشرَ ألفًا، فَنَفَّلَهُ إيَّاه سعدٌ (10). ولم يَزَلْ
(3) أخرجه البخاري، في: باب {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} ، من سورة الحج، من كتاب التفسير، وفى: باب قتل أبى جهل، من كتاب المغازى. صحيح البخاري 5/ 95، 96، 6/ 124. ومسلم، في: باب في قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}، ومن كتاب التفسير. صحيح مسلم 4/ 2323. وابن ماجه، في: باب المبارزة والسلب، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 946.
(4)
انظر: المغازى، للواقدى 2/ 470، 471.
(5)
انظر: السيرة، لابن هشام 3/ 332 - 334.
(6)
الزأرة: الأجمة. والمرزبان: رئيس القوم من العجم.
(7)
أخرجه البيهقي، في: باب ما جاء في تخميس السلب، من كتاب قسم الفىء والغنيمة. السنن الكبرى 6/ 310، 311. وسعيد بن منصور، في: باب ما يخمَّس في النفل، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 263، 264. وعبد الرزاق، في: باب السلب والمبارزة، من كتاب الجهاد. المصنف 5/ 233. وابن أبي شيبة، في: باب من جعل السلب للقاتل، من كتاب الجهاد. المصنف 12/ 371، 372.
(8)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب السلب والمبارزة من كتاب الجهاد. المصنف 5/ 233، 234. وفيه:"مائة" مكان: "تسعة وتسعين".
(9)
الأسوار: قائد الفرس.
(10)
أخرجه البيهقي، في: باب ما جاء في تخميس السلب، من كتاب قسم الفىء والغنيمة. السنن الكبرى 6/ 311. وسعيد بن منصور، في: باب النفل في الغزو والجهاد، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 258. وعبد الرزاق، في: باب السلب والمبارزة، من كتاب الجهاد. المصنف 5/ 235، 236. وابن أبي شيبة، في: باب من جعل السلب للقاتل، من كتاب الجهاد. المصنف 12/ 370، 371، 373.
أصحابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُبارِزُونَ في عصرِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وبَعْدَه، ولم يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ، فكانَ ذلك إِجْماعًا، وكان أبو ذَرٍّ يُقْسِمُ أنَّ قولَه تعالى:{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} (11). نزَلتْ في الذين تبارَزُوا يومَ بَدْرٍ، وهم حَمْزَةُ وعَلِىّ وعُبَيْدَةُ، بارَزُوا عُتْبَة وشَيْبَةَ والوَلِيدَ بنَ عُتْبَة (12)، وقال أبو قَتادَة: بارَزْتُ رجُلًا يومَ حُنَيْنٍ، فقَتَلْتُه (13). إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه يَنْبَغِى أنْ يُسْتَأْذَنَ الأميرُ في المُبارَزَةِ إذا أمْكَنَ. وبه قال الثَّوْرِىُّ، وإسْحاقُ، ورَخَّصَ فيها مالِكٌ، والشافِعِىُّ، وابنُ المُنْذِرِ؛ لِخَبَرِ أبى قَتادَةَ، فإنَّه لم يُعْلَمْ أنَّه اسْتَأْذَنَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، وكذلك أكثرُ من حَكَيْنا عَنْهُم المُبارَزَةَ، لم يُعْلَمْ منهم اسْتِئْذانٌ. ولَنا، أنَّ الإِمامَ أعلمُ بفُرْسانِه وفُرْسانِ العدوِّ (14)، ومَتَى برَزَ الإِنسانُ إلى مَن لا يُطيقُه، كان مُعَرِّضًا نفْسَه للهَلاكِ، فيكْسِرُ قلوبَ المسلمين، فينْبَغِى أنْ يُفَوَّضَ ذلك إلى الإِمامِ، ليخْتارَ للمُبارَزَةِ مَنْ يَرْضاهُ لها، فيكونَ أقْرَبَ إلى الظَّفَرِ، وجَبْرِ قُلوبِ المُسْلِمين، وكسْرِ قُلوبِ المُشْركِين. فإنْ قيل: فقد أبَحْتُم له أنْ ينْغَمِسَ في الكُفَّارِ، وهو سَبَبٌ لقَتْلِه. قُلْنا: إذا كان مُبارِزًا تعلَّقَت قلوبُ الجيشِ به، وارْتَقَبُوا ظَفَرَهُ، فإنْ ظَفِرَ جَبَرَ قلوبَهم، وسَرَّهُم، وكسرَ قلوبَ الكفّارِ، وإنْ قُتِلَ كان بالعكسِ، والمُنْغَمِسُ يطْلبُ الشَّهادَةَ، لا يُتَرَقَّبُ منه ظَفَرٌ ولا مُقاوَمَةٌ، فافْتَرقا. وأمَّا مُبارَزَةُ أبى قَتادَة فغَيْرُ لازِمَةٍ، فإنَّها كانَتْ بعدَ الْتِحامِ الحربِ، رأَى رجُلًا يُريدُ أنْ يقتلَ مُسْلِمًا، فضَرَبَه أبو قتادَة، فالْتَفَت إلى أبى قَتَادَةَ، فضَمَّه ضَمَّةً كاد يَقْتُلُه. وليس هذا هو المُبارزَةُ المُخْتَلَفُ فيها، بل المُخْتَلَفُ فيها أن يَبْرُزَ رجلٌ بين الصَّفَّيْن قبلَ الْتحامِ الحَرْبِ، يدْعُو إلى المُبارَزَةِ، فهذا هو الذي يُعْتَبَرُ له إذْنُ الإِمامِ، لأنَّ عينَ الطائِفَتَيْن تَمْتَدُّ إلَيْهما، وقُلوبَ الفَرِيقَيْن تَتَعَلَّقُ بهما، وأيُّهما غَلَبَ سَرَّ أصْحابَه، وكسَرَ قلوبَ أعدائِه، بخلافِ غَيْرِه.
(11) سورة الحج 19.
(12)
انظر حاشية 3 السابقة.
(13)
حديث أبى قتادة يأتى بتمامه، في المسألة رقم 1639. ويأتى تخريجه هناك. وهو بهذا اللفظ عند عبد الرزاق، في: باب السلب والمبارزة، من كتاب الجهاد. المصنف 5/ 236.
(14)
في أ: "عدوه".