الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بل متى وُجِدَت الضَّرورةُ أباحَتْ، سواءٌ وُجِدَتِ الْمَظِنَّةُ أو لم تُوجَدْ، ومتى انْتَفَتْ، لم يُبَحِ الأَكْلُ لوُجودِ مَظِنَّتِها بحالٍ.
فصل:
قال أصحابُنا: ليس للمُضْطَرِّ فى سَفَرِ المَعْصِيةِ الأكْلُ (16) من المَيْتَةِ، كقاطِعِ الطَّريقِ، والآبِقِ؛ لقولِ اللَّه تعالى:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} . قال مُجاهِدٌ: غيرَ باغٍ على المسلمين ولا عادٍ عليهم. وقال سعيدُ بنُ جُبَيْرِ: إذا خَرَجَ يقْطَعُ الطَّريقَ، فلا رُخْصَةَ له، فإنْ تابَ وأقلَعَ عن مَعْصِيَته، حَلَّ له الأَكْلُ.
فصل: وهَلْ للمُضْطرِّ التَّزَوُّدُ مِنَ الْمَيْتَةِ؟ على رِوايَتَيْن؛ أصَحُّهُما، له ذلك. وهو قَوْلُ مالِكٍ؛ لأنَّه لا ضَرَرَ فى اسْتِصْحابِها، ولا فى إعْدادِها لدَفْعِ ضَرُورَتِه، وقضاءِ حاجَتِه، ولا يأكُلُ منها إلَّا عِنْدَ ضَرُورَتِه. والثانِيَةُ، لا يجوزُ؛ لأنَّه توسُّعٌ فيما لم يُبَحْ إلَّا للضَّرُورَةِ، فإن اسْتَصْحَبَها، فَلَقِيَه مُضْطرٌّ آخَرُ، لم يَجُزْ له بَيْعُها إيَّاه؛ لأنَّه إنَّما أُبِيحَ له منها ما يَدْفَعُ به الضَّرُورَةَ، ولا ضَرُورَةَ إلى البَيْعِ، ولأنَّه لا يَمْلِكُه، ويَلْزَمُه إعْطاءُ الآخَرِ بغيرِ عِوَضٍ، إذا لم يكُنْ هو مُضْطرًّا فى الحالِ إلى ما مَعَه؛ لأنَّ ضَرُورَةَ الذى لَقِيَهُ مَوْجُودَةٌ، وحامِلُها يَخاف الضَّرَرَ فى ثانِى الحالِ.
1740 - مسألة؛ قال: (وَمَنْ مَرَّ بِثمَرَةٍ، فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، وَلَا يَحْمِلُ)
هذا يَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ فى حالِ الجُوعِ والحاجَةِ؛ لأنَّه ذَكَرَه عَقِيبَ مَسْألةِ المُضْطرِّ. قال أحمدُ: [إذا لم يكنْ عليها حائِطٌ، يأكلُ إذا كان جائِعًا، و](1) إذا لم يكُنْ جائِعًا، فلا يأكُلُ. وقال: قد فَعَلَه غيرُ واحِدٍ من أصحابِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا كان عليه حائِطٌ، لم يأْكُلْ، لأنَّه قد صارَ شِبْهَ الْحَرِيمِ. وقال فى مَوْضِعٍ: إنَّما الرُّخْصَةُ للمُسافِرِ. إلَّا أنَّه لم يعْتَبِرْ ههُنا حقيقةَ الاضْطِرَارِ؛ لأنَّ الاضْطِرارَ يُبِيحُ ما وَراءَ الحائِطِ. ورُوِيَتْ عنه الرُّخصَةُ فى الأكْلِ من غيرِ الْمَحُوطَةِ مُطْلَقًا، من غيرِ اعْتبارِ جُوعٍ ولا غيرِه. ورُوِىَ عن أبى زَيْنَب التَّيْمِىِّ،
(16) فى ب، م:"أكل".
(1)
سقط من: ب.
قال: سافَرْتُ مع أنسِ بن مالِكٍ، وعبدِ الرحمن بنِ سَمُرَةَ، وأبى بُرْدَةَ (2)، فكانوا يمُرُّون بالثِّمارِ، فيأكُلُون فى أفْواهِهِم (3). وهو قولُ عمرَ وابن عبَّاسٍ وأبى بُرْدَةَ (2). قال عمرُ: يأكُلُ، ولا يَتَّخِذُ خُبْنَةً (4). ورُوِىَ عن أحمد أَنَّه قال: يأْكلُ ممَّا تحتَ الشَّجَرِ، وإذا لم يكُنْ تحتَ الشَّجَرِ فلا يأكُلُ ثمارَ الناسِ، وهو غَنِىٌّ عنه. ولا يضْرِبُ بحَجَرٍ، ولا يرمِى؛ لأَنَّ هذا يُفْسِدُ. وقد رُوِىَ عن رافِعِ بن عمرٍو (5) قال: كُنْتُ أرمِى نَخْلَ الأنصارِ، فأَخَذُونِى، فذَهَبُوا بى إلى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فقال:"يَا رَافِعُ، لِمَ تَرْمِى نَخْلَهُمْ؟ ". قُلْتُ: يا رسولَ اللَّه، الجوعُ. قال:"لَا تَرْمِ، وَكُلْ مَا وَقَعَ، أَشْبَعَكَ اللَّهُ وأَروَاكَ". أخْرَجَه التِّرْمِذِىُّ (6). وقال: هذا حَدِيثٌ صحيحٌ. وقال أكثرُ الفُقَهاءِ: لا يُباحُ الأَكْلُ إلَّا (7) فى الضَّرُورَةِ؛ لما رَوَى العِرْباضُ بنُ سارَيةَ، أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال:"أَلَا وَإِنَّ اللَّه لَم يُحِلَّ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتَ أهلِ الْكِتَابِ إِلَّا بإِذْنٍ، ولَا ضَرْبَ نِسَائِهم، ولَا أَكْلَ ثِمارِهِمْ، إذَا أَعْطَوْكُمُ الَّذِى عَلَيْهِمْ". أخْرَجَه أبو داوُدَ (8). وقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ دِماءَكُمْ، وأَمْوالَكُمْ، وأَعْرَاضَكُمْ، حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُم هذا". مُتَّفَقٌ عليه (9). ولَنا، ما رَوَى عَمْرُو بنُ
(2) فى ب: "وأبى بريدة". وفى الشرح الكبير: "وأبى برزة".
(3)
انظر: إرواء الغليل 8/ 158.
(4)
أخرجه البيهقى، فى: باب ما جاء فى من مرّ بحائط إنسان أو ماشية، من كتاب الضحايا. السنن الكبرى 9/ 359.
والخبنة: ما يحمله الإنسان فى حضنه أو تحت إبطه.
(5)
فى م: "عمر". خطأ.
(6)
فى: باب ما جاء فى الرخصة فى أكل الثمرة للمارّ بها، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 289.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب من قال: إنه يأكل مما سقط، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 37، 38. وابن ماجه، فى: باب من مرّ على ماشية قوم أو حائط، . . .، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 771.
(7)
سقط من: م.
(8)
فى: باب فى تفسير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات، من كتاب الإمارة. سنن أبى داود 2/ 151، 152.
(9)
أخرجه البخارى، فى: باب قول النبى صلى الله عليه وسلم: "رب مبلغ أوعى من سامع"، وباب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، من كتاب العلم، وفى: باب الخطبة أيام منى، من كتاب الحج، وفى: باب حجة الوداع، من كتاب المغازى، وفى: باب من قال: الأضحى يوم النحر، من كتاب الأضاحى، وفى: باب قول النبى صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدى كفارا"، من كتاب الفتن، وفى: باب قول اللَّه تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} ، من كتاب التوحيد. صحيح البخارى 1/ 26، 37، 38، 2/ 215، 216، 5/ 224، 7/ 130، 9/ 63، 163. ومسلم، فى: باب تحريم الدماء والأعراض والأموال، من كتاب القسامة. صحيح مسلم 3/ 1305، 1306. =
شُعَيْبٍ، عن أبِيه، عن جَدِّه، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّه سُئِلَ عن الثَّمَرِ المُعَلَّقِ، فقال:"مَا أصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِى حَاجَةٍ (10)، غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً، فلَا شَىْءَ عَلَيْهِ، ومَنْ أخْرَجَ مِنْهُ شَيْئًا، فعَلَيْه غَرَامَهُ مِثْلَيْهِ والْعُقوبَةُ"(11). قال التِّرْمِذِىُّ: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ. ورَوَى أبو سعيد الخُدْرِىُّ، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:"إذَا أتَيْتَ عَلَى حَائِطِ بُسْتَانٍ، فَنَادِ صَاحِبَ البُسْتَانِ ثَلَاثًا، فإنْ أجابَكَ، وإلَّا فَكُلْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْسِدَ"(12). ورَوَى سعيدٌ، بإسنادِه عن الحَسَنِ، عن (13) سَمُرَةَ، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَه (14). ولأنَّه قولُ مَنْ سَمَّيْنا من الصحابَةِ من غيرِ مُخالِفٍ، فيكونُ إجْماعًا. فإنْ قيل: فقد أبَى سعدٌ أَنْ يأكُلَ؟ قُلْنا: امتناعُ سَعْدٍ من أكْلِه ليس بمُخالِفٍ لهم؛ لأنَّ الإنسانَ قد يتْرُكُ المُباحَ غِنًى عنه، أو تَوَرُّعًا، أو تَقَذُّرًا، كَتَرْكِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أكلَ الضَّبِّ. فأمَّا أحادِيثُهم، فهى مَخْصُوصَةٌ بما رَوَيْناه من الحديثِ والإِجْماعِ، فإنْ كانَتْ مَحُوطَةً، لم يَجُزِ الدُّخولُ إليها؛ لقولِ ابنِ عبّاسٍ: إنْ كان عليها حائِطٌ فهو حَرِيمٌ، فلا تأكُلْ، وإِنْ لم يكنْ عليها حائِطٌ، فلا بَأْسَ (15). ولأنَّ إحْرازَه بالحائِطِ يدُلُّ على شُحِّ صاحِبِه بِه، وعَدَمِ المُسَامَحَةِ فيه. قال بعضُ أصْحابِنا: إذا كان عليه (16) نَاطورٌ (17)، فهو بمنزلَةِ الْمَحُوطِ، فى أنَّه لا يدْخُلُ إليه، ولا يأكُلُ منه إلَّا فى الضَّرُورَةِ.
= كما أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء دماؤكم وأموالكم عليكم حرام، من أبواب الفتن. عارضة الأحوذى 9/ 4. وابن ماجه، فى: باب الخطبة يوم النحر، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1015، 1016. والدارمى، فى: باب فى الخطبة يوم النحر، من كتاب المناسك. سنن الدارمى 2/ 67، 68. والإمام أحمد، فى: المسند 1/ 230، 4/ 337، 5/ 37، 39، 40، 41.
(10)
فى الأصل، أ:"الحاجة".
(11)
تقدم تخريجه، فى: 12/ 54.
(12)
أخرجه ابن ماجه، فى: باب ما للعبد أن يعطى ويتصدق، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 771. والإمام أحمد، فى: المسند 3/ 85، 86.
(13)
فى ب: "بن" تحريف.
(14)
أخرجه أبو داود، فى: باب فى ابن السبيل يأكل من التمر. . .، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 37. والترمذى، فى: باب ما جاء فى احتلاب المواشى بغير إذن الأرباب، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 295، 296.
(15)
قال الألبانى: لم أقف على سنده. انظر: الإرواء 8/ 160.
(16)
فى ب، م:"عليها".
(17)
الناطور: الناظر.